الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - بناء الأول ورفع الثاني:
تقول: (لا رجل ولا امرأة في الدار) فتكون الأولى نصا في نفي الجنس، والثانية محتملة للجنس والوحدة ليس فيها نصوصية على الاستغراق. قال الرضي:"و (لا) في الجمع الغيت فلم يبق فيها النصوصية على الاستغراق"(1) يشير إلى أحوال الرفع كلها.
ويبدو أن لـ (لا) الناصبة دلالة أخرى هي توكيد النفي، وذلك إنها متضمنة معنى (من) الاستغراقية دون الأخرى، وقد ذكر النحاة ذلك فقد قالوا أن (لا) العامة عمل (أن) لتوكيد النفي وهي نظيرة (أن) في توكيد الإيجاب (2). ويدل على ذلك قوله تعالى:{وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} [يونس: 61].
فأنت ترى إنه قال في آية يونس (ولا أصغر من ذلك ولا أكبرَ) بالنصب، وقال في سورة سبأ (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بالرفع.
والنفي في سورة يونس أقوى وآكد، ويدل على ذلك قوله (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة) بزيادة (من) بخلاف سورة سبأ التي قال فيها (لا يعزب عنه مثقال ذرة) بدون (من)، فجاء بـ (لا) النافية للجنس مجانسة لقوة النفي وتوكيده في آية يونس بخلافها في آية سيأ، وهو المتناسب مع السياق، وذلك إن الكلام في سورة يونس على مقدار علم الله وإحاطته بالغيب، وإطلاعه على افعال خلقه، أينما كانوا، فناسب هذه التأكيدات
(1) الرضي على الكافية 1/ 285
(2)
ابن الناظم 74، الهمع 1/ 144، التصريح 1/ 235، الاتقان 2/ 64، جواهر الأدب 135
والاستغراق الدالة عليه من ولا النافية للجنس بخلاف سورة سبأ التي كان الكلام فيها على الساعة.
فإذا أريد تأكيد منفي وإعطاؤه أهمية، جيء بـ (لا) الاستغراقية دون المنفي الآخر وذلك كأن تقول:(لاعدوان ولا إكراهٌ) أو تقول: (لا عدوانَ ولامسٌ بسوء) و (لا قتلَ ولا إيذاءٌ) فأنت تؤكد أحد المنفيات دون الآخر بحسب قصد المتكلم، وجعلوا من هذا الضرب قراءة من قرأ (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) جاء في (التفسير الكبير):"أما الذين قرأوا الأولين بالرفع مع التنوين والثالث بالنصب (1)، فذلك يدل على أن الاهتمام بنفي الجدال أشد من الاهتمام بنفي الرفث، والفسوق، وذلك لأن الرفث عبارة عن قضاء الشهوة والجدال مشتمل على ذلك"(2).
وقد يكون الاختلاف سببه اختلاف المعاني كأن تكون واحدة للنفي والأخرى للنهي.
جاء في (الكشاف) في هذه القراءة: " وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع، والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الاخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج. وذلك أن قريشًا كانت تخالف سائر العرب، فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة، وهو النسيء، فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه) وإنه لم يذكر الجدال"(3).
فجعلوا التعبيرين الأولين للنهي، والثالث للنفي، فخالف ما بين ذلك للإشارة إلى اختلاف المعاني.
(1) كذا والأولى أن يقول: بالفتح
(2)
التفسير الكبير 5/ 179
(3)
الكشاف 1/ 263 - 264، بديع القرآن 338 - 339، التفسير الكبير 5/ 179