الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في التطور النحوي لباجشتراسر: ومن خصائص العربية إن مبتدأ الجملة الأسمية المركبة ربما كان ضميرا للغائب لا علاقة له بالجملة الخبرية، ولا راجع إليه فيها وهذا ما سماه النحويون ضمير الشأن نحو (إنه لا يفلح الظالمون) وأكثر ذلك بعد (إن) كما هو في هذا المثال أو بعد (أن).
وفائدة هذا التركيب أنه يمكن الناطق من إدخال إن أو أن على الجمل الفعلية نحو (إنه لا يفلح الظالمون)، فهذا مما يشهد بمزية العربية شهادة مبينة، فغيرها من اللغات السامية قد يقدم أمثال إن على الجملة الفعلية، وإن كان موضعها أول الجملة الأسمية فقط. والعربية أعدمت الشواذ وأقصت قاعدة إلحاق إن وأخواتها بالجملة الاسمية فقط، وهي مع ذلك أخترعت وسيلة لقلب الجملة الفعلية إسمية بغير تغيير تركيبها، لكي يمكن إلحاق إن وأخواتها بالجمل الفعلية بواسطة لا مباشرة. (1)
عود الضمير
.
وفيه مسائل أهمها:
1 -
إن الأصل في الضمير أن يعود على الاسم المتقدم، نحو قوله تعالى:{والشعراء يتبعهم الغاون} [الشعراء: 224]، وقوله:{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} . [البقرة: 124].
2 -
وقد يعود على متأخر في اللفظ، متقدم في الرتبة، وذلك نحو قوله تعالى:{فأوجس في نفسه خيفة موسى} [طه: 67]، ونحو قولهم (في بيته يؤتى الحكم) فالضمير في الآية عاد على موسى، وهو متأخر لفظا متقدم رتبة وكذلك المثل.
3 -
قد يستغني عن المفسر (2) في اللفظ بما يدل عليه حسا (3) وذلك نحو قوله تعالى:
(1) التطور النحوي 91
(2)
المفسر هو الاسم الذي يعود عليه الضمير
(3)
الهمع 1/ 65
{قال هي راودتني عن نفسي} [يوسف: 26]، وقوله:{وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26]، فالضمير يعود على امرأة العزيز ولم يتقدم لها ذكر صريح فهو مدلول عليه حسا. وكقوله تعالى:{قالت إحداهما يأبت استأجره} [القصص: 26]، فالضمير يعود على موسى وذلك لأن الكلام يدور عليه وهو مدلول عليه بالحسن.
4 -
قد يدل على المفسر العلم به (1) وأن لم يتقدم له ذكر نحو قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فالضمير يعود على القرآن، وكقوله:{حتى توارت بالحجاب} [ص: 32]، يعني الشمس فهي مفهومة من السياق. وكقوله تعالى:{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر: 45]، أي على ظهر الأرض وذلك لأن الكلام على الناس والناس على الأرض.
5 -
قد يتقدم معنى المفسر ولا يتقدم لفظه صراحة وذلك كقوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، فالضمير (هو) يعود على العدل، ولم يتقدم له ذكر بل تقدم الفعل (اعدلوا) الذي يدل عليه. كقوله تعالى:{إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء هو خير لكم} [البقرة: 271]، والمعنى: فاخفاؤها خير لكم. فالضمير (هو) يعود على الاخفاء ولم يتقدم ذكره بل تقدم فعله. وكقوله.
إذا زجر السفيه جرى إليه.
أي جرى إلى السفه (2).
6 -
قد يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك كضمير الشأن نحو:{قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1]، وكما إذا كان الضمير مجرورا برب، مفسرا بتمييز نحو (ربه رجلا أكرمت) وغير ذلك من المواضع (3) والقصد من هذا، هو التعظيم والتفخيم (4) في الغالب.
(1) انظر الهمع 1/ 65، الرضي على الكافية 2/ 5
(2)
الرضي على الكافية 2/ 5
(3)
انظر مغني اللبيب 2/ 489
(4)
انظر الرضى على الكافية 2/ 5 - 6
7 -
إذا تقدم شيئا أو أكثر مما يصلح للتفسير، فالأصل أن يعود الضمير على الأقرب نحو (جاء محمد وخالد فأكرمته) أي فأكرمت خالدًا وكقوله تعالى:{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل} [يونس: 5]، أي قدر القمر وكقوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم لا تسمعون} [الأنفال: 20]، فالضمير عاد على القريب وهو الرسول. (1)
ويجوز أن يعود على الأول مع القرينة (2) وذلك كقوله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة: 11]، فعاد على التجارة وأعاده الضمير على أحد المذكورين أنما يكون بحسب ما يقتضيه المقام فقوله تعالى:{وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة: 11]، إنما أعاد الضمير فيه على التجارة، لأنها كانت سبب الانفضاض، وهو يخطب (3) وقوله تعالى:{واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]، إنما أعاد الضمير فيه على الصلاة دون الصبر، وختم الآية بالكلام عليها لأن الكلام على الصلاة، فقد تقدم ذكر الصلاة بالمطالبة بها قال تعالى:{وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} [البقرة: 43]، بخلاف قوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153]، فقد ختم الآية بالكلام على الصبر، وذلك لأن الكلام عليه والسياق يقتضيه فقد قال تعالى بعد هذه الآية:{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 154 - 156]، فلما كان السياق في الموطن الأول عن الصلاة أعاد الضمير عليها وختم الآية بها. ولما كان السياق في الموطن الثاني عن الصبر ختم الآية بالكلام على الصابرين والله أعلم.
(1) انظر البرهان 4/ 30 - 31، الاتقان 1/ 187
(2)
الرضي على الكافية 2/ 5
(3)
البرهان 4/ 31