الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ها أنت ذا وها أنا ذا:
ويستعمل هذا التعبير للأفصاح عن الشخص ومكانه، كأنه يقال: أين فلان؟ فيقال: ها أنا ذا وها وهو ذا، قال عنترة:
أحولي تنقض استك مذرويها
…
لتقتلني فها أنذا عمارا
وقال الشاعر:
أن الفتى من يقول ها أنذا
…
ليس الفتى من يقول كان أبي
أي إن الفتى الحق من يفصح عن نفسه ومكانته هو، لا أن يدل على مكانة أبيه. جاء في (شرح السيرافي على الكتاب) " " إنما يقول القائل ها أنا ذا إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب فقال المطلوب: ها أنا ذا أي الحاضر عندك أنا. وإنما يقع جوابا لقول القائل: أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر: أنا ذا أو ها أنت ذا. أي أنا في الموضع الذي ألتمست فيه من التست. أو أنت في ذلك الموضع ولو ابتدا الإنسان على غير هذا الوجه فقال (هذا أنت) و (هذا أنا) يريد أن يعرفه نفسه، كان محالا لأنه إذا أشار له إلى نفسه، فالأخبار عنه ثابت لا فائدة فيه لأنك إنما تعلمه أنه ليس غيره، ولو قلت (ما زيد غير زيد) كان لغوا لا فائدة فيه". (1)
وقد يقال " ها أنت ذا تعنيه ولا يعنيك " تخبره عن نفسه بحقيقة ربما كانت خافية عليه فتنبه عليها وتحذره أمره كما قال تعالى: {هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم} [آل عمران: 119].
وأما موقع التنبيه ابتداء أو أخيرًا فله دلالته ايضا، فإن التنبيه يقدم أو يؤخر ويكرر بحسب الحاجة إليه، وقد يحذف إذا لم يكن له داع، فتقول (ها أنت ذا) مقدما التنبيه وتؤخره قائلا (أنت هذا)، والتنبيه في الخطاب الأول أهم، والقائل به أعني، تقول:(ها هو ذا) إذا أردت أن تنبه السامعين على المشار إليه قال تعالى {هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم} .
(1) شرح السيرافي بهامش الكتاب 1/ 379
فقدم التنبيه لأنه تحذير لعباده المؤمنين على ما هم فيه، وأنهم ينبغي لهم أن يحذروا وينتبهوا.
وقال: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} فأخر التنبيه لأنه أراد أن يحضر أنفسهم أمام أعينهم هم ليشهدوا أعمالهم وصفاتهم، أي أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون، بصورتكم الواضحة البينة التي لا تخفي، فهو لم يرد تخذيرهم من أمر كما كان في الآية الأولى. فالتنبيه في الأولى لتنبيه المؤمنين ولفت انتباهم إلى أمر قد يكونون غافلين عنه وأما الثانية فلا حضار صورتهم أمام أعينهم ليشاهدوها.
وقد يتكرر التنبيه إذا استدعى الأمر زيادة التنبيه فيقال: ها أنت هذا تفعل كذا، وكذا إذا أنكرت عليه أنكارا شديدا ما لا يليق به، أو أردت الزيادة في تنبيه على أمر من الأمور وعند النحاة، إن ها التنبيه في نحو إنما كرر توكيدًا. (1)
ومن ذلك قوله تعالى: {يأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وأنت لا تعلمون} [آل عمران: 65 - 66].
فأنت ترى أن يقرعهم ويزيد في تنبيههم ولومهم لأنهم جادلوا بالباطل وهم يعلمون، فكرر التنبيه مرة قبل الضمير ومرة قبل اسم الإشارة فقال:{هأنتم هؤلاء حاججتم} .
ونحوه قوله تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم أذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يقول عليهم وكيلا} [النساء: 107 - 109]، فكرر تنبيههم ولومهم ليتعظوا فلا يقفوا مثل هذا الموقف، وأنت ترى أن الموقف يتطلب الزيادة في تنبههم ووعظهم بخلاف قوله تعالى:{هأنتم أولاء تحبونهم} فإن الموقف لا يحتاج إلى زيادة
(1) انظر الهمع 1/ 76، البحر المحيط 2/ 486، قوله تعالى:(ها أنتم هؤلاء)