الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذف الاسم الموصول
يجوز حذف الاسم الموصول إذا علم وذلك إذا عطف على مثله وذلك نحو قوله تعالى: {أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم} [العنكبوت: 46]، أي والذي أنزل إليكم لأن المنزل إلينا ليس المنزل إليهم (1) وكقوله تعالى:{بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون} [البقرة: 116]، وقوله:{ولله يسجد من في السماوات اولأرض} [الرعد: 15]، فههنا اسم موصول مقدر لأن الذين في السماوات غير الذين في الأرض.
وقد يتكرر الموصول، وذلك نحو قوله تعالى:{ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض} [النحل: 49]، وقوله:{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض} [الجمعة: 1].
وليس كل عطف بلا ذكر للاسم الموصول معناه إن الموصول محذوف، وإنما تقدير ذلك يعود إلى المعنى، فليس في قوله تعالى:{هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} [البقرة: 2 - 3]، اسم موصول محذوف لأن الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة هم صنف واحد وليسوا صنفين.
ونحوه قوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة: 30]، فليس في هذه الاية حذف، لأن المقصود بمن يفسد في الأرض ويسفك الدماء واحد، وهو الانسان.
فالمعنى هو الذي يحدد ما إذا كان ثم حذف أولاً، فإذا امتنعت صحة المعنى بدون تقدير محذوف كان لابد من تقدير محذوف.
ومن هذا يتبين إنه يجوز ذكر الاسم الموصول وحذفه، إذا قام دليل على حذفه، وقد ذكر القرآن الكريم، الاسم الموصول في مواطن، وحذفه في مواطن أخرى، فقد قال مرة:{له ما في السماوات وما في الأرض} [طه: 6]، وقال مرة أخرى: {له ما في السماوات
(1) الهمع 1/ 88 - 89
والأرض} [البقرة: 116]، وقال مرة:{والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض} [الحجرات: 16]، وقال مرة أخرى:{يعلم ما في السماوات والأرض} [العنكبوت: 52]، وقال مرة:{سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} [الحشر: 1]، وقال مرة أخرى:{سبح لله ما في السماوات والأرض} [الحديد: 1]ـ وهذا يقتضينا المساءلة عن سبب ذكر ما ذكر، وحذف ما حذف، إذ من المعلوم أنه لابد في الكلام البليغ من سبب للذكر والحذف.
وذكر بعضهم أنه تأمل ما في التنزيل العزيز من قوله تعالى: {من في السماوات والأرض} و {من في السماوات ومن في الأرض} وقوله: {ما في السماوات والأرض} وقوله: {ما في السماوات وما في الأرض} فوجد "أنه حيث قصد التنصيص على الأفراد ذكر الموصول، والظرف ألا ترى إلى المقصود في سورة يونس (1) من نفي الشركاء الذين اتخذوهم في الأرض وإلى المقصود في آية الكرسي (2) من إحاطة الملك؟
وحيث قصد أمر آخر لم يذكر الموصول إلا مرة واحدة أشارة إلى قصد الجنس، وللإهتمام بما هو المقصود في تلك الآية، ألا ترى إلى سورة الرحمن (3)، المقصود منها علو قدرة الله تعالى وعلمه وشأنه وكونه مسؤولا ولم يقصد أفراد السائلين" (4).
وهذا صحيح فإه إذا قصد التنصيص على الأفراد ذكر الموصول وذلك نحو قوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوت ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68]، فهنا قصد التنصيص على كل فرد من أفراد السماوات والأرض على وجه التخصيص فكرر (من) لذلك. ونحوه قوله تعالى:{ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [النمل: 87].
(1) يعني قوله تعالى: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} [يونس: 66]
(2)
يعني قوله تعالى: {له ما في السماوات وما في الأرض} [البقرة: 255]
(3)
يعني قوله تعالى: {يسئله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29]
(4)
البرهان 4/ 73 - 74
غير أن هذا واحد من الأسباب التي تدعو إلى تكرار الاسم الموصول، وليس هو السبب الوحيد، وهناك أسباب أخرى للتكرار منها:
أنه إذا كان الموطن دالاً على التفصيل والإحاطة كرر الاسم الموصول بخلاف ما إذا كان الكلام مجملاً غير مفصل، وذلك نحو قوله تعالى:{يوم يبعثهم الله جميعًا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكن من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [المجادلة: 6 - 7].
فكرر (ما) قائلا (يعلم ما في السموات وما في الأرض) وذلك لأن الموطن موطن إحاطة وتفصيل بخلاف قوله تعالى: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدًا يعلم ما في السماوات والأرض والذين أمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون} [العنكبوت: 52]، فلم يكرر (ما) وأنت تحس الفرق واضحًا بين المواطنين، والسياقين، فإن في آية المجادلة من ذكر لسعة علم الله وشموله وإحاطته بالجزئيات والتفصيلات ما ليس في آية العنكبوت، فقد ذكر في آية المجادلة أنه لا يند عنه شيء ولا يغيب عنه مجلس قل أو كثر، ثم ينبيء الله أهله بكل ما قالوا وما تناجوا به أحصاه الله ونسوه، وهو بكل شيء عليم، فأنت ترى في آية المجادلة من التفصيل ما ليس في آية العنكبوت فلما فصل في آية المجادلة أعاد ذكر (ما)، ولما أجمل في العنكبوت أجمل في ذكر الموصول، فلم يعد ذكره.
ومن ذلك قوله تعالى: {له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى} [طه: 6]، فكرر (ما) لأن الموطن موطن شمول، وإحاطة، وتفصيل، فقد ذكر إنّ له (ما في السماوات) و (ما في الأرض) و (ما بينهما) و (ما تحت الثرى) بخلاف قوله تعالى:{وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبًا أفغير الله تتقون} [النحل: 52]، فأنت ترى الفرق واضحًا بين السياقين في التفصيل، والإحاطة فكرر في موطن التفصيل وأجمل في موطن الإجمال.
ونحوه قوله تعالى: {الحد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخر منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور} [سبأ: 1 - 2]، فالتفصيل في هاتين الآيتين واضح ولذا كرر الاسم الموصول في كل موطن بخلاف قوله تعالى:{وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون} [البقرة: 116].
ونحو ذلك قوله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والأصال} [الرعد: 15]، فلم يكرر الموصول في حين قال:{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} [الحج: 18]، فكرر (من) ههنا بخلاف الآية الأولى، ومقام التفصيل واضح في آية الحج فقد ذكر الشمس، والقمر والنجوم، والجبال، والشجر والدواب، وكثيرا من الناس، بخلاف آية الرعد، ففي مقام التفصيل كرر وفصل وفي مقام الإجمال أجمل وأوجز.
وقد يكون أعاده ذكر الموصول لأمر آخر، وهو ذكر أمر يتعلق بصلته فمن الملاحظ مثلا في القرآن الكريم إنه إذا كرر الاسم الموصول فقال:{ما في السماوات وما في الأرض} فإنه يريد أن يخص أهل الأرض بذكر أمر من الأمور وإذا لم يكرر (ما) فإنه لا يريد أن يذكرهم بأمر خاص بهم. وهذا في آيات التسبيح خاصة نحو قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات والأرض} [الحديد: 1]، و {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} [الحشر: 1]، فحيث كرر (ما) في آيات التسبيح فإنه ذكر أهل الأرض بعدها وحيث أجمل لم يذكرهم.
وإليك أمثلة على ذلك:
قال تعالى في سورة الحديد: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد: 1 - 4].
وقال في سورة الحشر: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار} [الحشر: 1 - 2] فأنت ترى أنه في آيات الحديد لم يعقب التسبيح بالكلام على أهل الأرض بخلاف آية الحشر فقد قال بعدها {هو الذي أخرج الذين كفروا .. } ويستمر في ذكر أحوالهم.
وبذلك على ذلك أنه في آخر سورة الحشر لم يكرر (ما) حين لم يذكر شيئا عن أهل الأرض بعد الآية فقد قال: {هو الله الخالق الباريء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحشر: 24]، فكرر في أول السورة وأجمل في آخرها لما ذكرناه والله أعلم ونحوه ما جاء في سورة الصف قال تعالى:{سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا االله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب} [الحشر: 1 - 4]، ويمضى في الكلام على أهل الأرض، فكرر (ما) لأنه خص أهل الأرض بعدها بالذكر.
ونحوه قوله تعالى: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لقي ضلال مبين وآخرين منهم لما يحلقوا بهم وهو العزيز الحكيم} [الجمعة: 1 - 3]، ويمضى في الكلام على أهل الأرض ونحوه قوله تعالى:{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد هو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير} [التغابن: 1 - 2]، ويمضى في الكلام على أهل الأرض.