الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأولى أن تكون على بابها، وقائل هذا كأنه كان غافلا عن ذلك، ومنه على ما رأي قوله تعالى:{ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} [القصص: 82]، فقائل هذا كأنه كان غافلا عن هذه الحقيقة، جاهلا بها فقد كان يتمني أن يكون له مثل ما آوتي قارون، فلما خسف الله بقارون انتفضت هذه الحقيقة في ذهنه، وصحا من غفلته، فقال ذلك، فقد كان يجهل سر أفعال الخالق، فلما بدا له ما بدا، بدأ يفسر الأمر على ما ظهر له، ولم يقطع بذلك فكأنه قال: يخيل إلي ويبدو وتتشبه أفعال الخالق على هذه الشاكلة فكأنه قال:
كأن ربنا يفعل على هذه الشاكلة والله أعلم.
قيل: "وقد تدخل كأن في التنبيه والإنكار والتعجب تقول: فعلت كذا وكذا كأني لا أعلم، وفعلتم كذا كأن الله لا يعلم ما تفعلون (1) ".
وهي في ذلك على بابها وقد خرجت إلى ما خرجت إليه فقولك:
فعلت كذا وكذا، كأني لا أعلم معناه أنك فعلت ذلك وشبهتني بمن لا يعلم.
لام الابتداء:
قد تدخل على المبتدأ، والفعل المضارع، وبعض المواطن الأخرى، لام تسمى لام الابتداء نحو:(لمحمد قائم) وهي تفيد التوكيد قال تعالى:
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} [البقرة: 221].
وقال: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الأخرة خير، ولنعم دار المتقين} [النحل: 30].
(1) الهمع 1/ 133
وقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} [الأنعام: 32].
فأكد كل ذلك باللام في حين قال: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} [الأعراف: 169]، فلم يؤكده باللام.
وسر ذلك والله أعلم، أن السياق في آيات الأنعام والنحل هو عن الدار الآخرة، وليس كذلك السياق في آيات الأعراف.
فأنت ترى أن الكلام على الدار الآخرة، وليس الأمر كذلك في آيات الأعراف، بل هو في العقوبات الدنيوية لبني إسرائيل، قال تعالى:{وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} [الأعراف: 164 - 169]، فلما كان الكلام في آيات الأنعام على الدار الآخرة
أكدها باللام، ولما كان الكلام في آيات الأعراف على عقوبات الدنيا، لم يؤكد الآخرة باللام بل أكد سرعة العقاب لأنه عاجلهم به في الدنيا فقال (إن ربك لسريع العقاب).
وكذلك آية النحل، فالسياق فيها يتحدث عن الدار الآخرة، قال تعالى:{ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركاءي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين، وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 27 - 32].
فأنت ترى أن الكلام على الدار الآخرة فأكدها باللام بخلاف آية الأعراف، والذي يدل على أنها للتوكيد، أنها يتلقى بها القسم مثل أن، قال تعالى {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة: 107].
وقال: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} [آل عمران: 157].
وقال: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126].
وقد أطبق النحاة على أنها للتوكيد قال ابن يعيش: "اعلم أن هذه اللام أكثر اللامات تصرفا ومعناها التوكيد، وهو تحقيق معنى الجملة وإزالة الشك"(1). وعند الكوفيين أن هذه اللام هي لام القسم، وليس عندهم لام ابتداء فقولك (لمحمد قائم) إنما هو جواب قسم مقدر كأنك قلت: والله لمحمد قائم.
(1) ابن يعيش 9/ 25، 8/ 63، وانظر الرضي على الكافية 2/ 393، المغنى (1/ 328)، الهمع 1/ 139، الأشموني 1/ 279، التصريح 1/ 221
جاء في (شرح الرضي على الكافية): "ومذهب الكوفيين أن اللام في مثل لزيد قائم، جواب القسم أيضا، والقسم قبله مقدر فعلى هذا ليس عندهم لام الابتداء"(1).
وعلى كلا الرأيين هي للتوكيد.
وهذه اللام لتوكيد الإثبات كما إن الباء في نحو قولك (ما محمد بحاضر) لتوكيد النفي فلا تقول: إن محمد لما حاضر، ولا لما أخوك قائم "وذلك لأن اللام للتقرير والإثبات وحرف النفي للدفع والإزالة فبينهما في ظاهر الأمر تناقض"(2).
قال الزمخشري في كشافه القديم: " الباء في خبر (ما) و (ليس) لتأكيد النفي كما أن اللام لتأكيد الإيجاب"(3).
" وقد ذهب معاذ الهراء وثعلب إلى أنها جيء بها إزاء الباء في خبر (ما) فقولك: (إن زيدًا منطلق) جواب (ما زيد منطلقا)، و (إن زيدًا لمنطلق) جواب: ما زيد بمنطلق"(4).
وقال أكثر النحاة إنها إذا دخلت على الفعل المضارع، خلصته للحال بعد أن كان يحتمل الحال والاستقبال، فإنك إذا قلت:(إن أخاك ليسعى في الخير) دل على أنه يفعل ذلك في الحال، " وذهب آخرون إلى أنها لا تقصره على أحد الزمانين، بل هو مبهم فيهما على ما كان واستدل على ذلك بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة} [النحل: 124]، فلو كانت اللام تقصره للحال كان محالا. وهو الاختيار عندنا فعلى هذا يجوز أن نقول: إن زيدًا لسوف يقوم الآن، لأن اللام تدل على الحال كما يدل عليه الآن"(5).
(1) الرضي على الكافية 2/ 374
(2)
الرضي على الكافية 2/ 375، وانظر ابن الناظم 69، الهمع 1/ 140، الأشموني 1/ 281، الصبان 1/ 279 - 281، حاشية الخضري 1/ 134
(3)
الاتقان 2/ 65
(4)
الهمع 1/ 140
(5)
ابن يعيش 9/ 26، وانظر المغني 1/ 228