الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى أحوال الأنبياء مع أقوامهم، وما حلّ بهم من العذاب، بيّن في هذه الآية أن جنس هذا الهلاك أو الاستئصال لم يقتصر على زمن هؤلاء الأنبياء فقط، وإنما قد فعله بغيرهم، وبيّن أيضا سنته الإلهية في الانتقام ممن كذّب الأنبياء، وهي التدرج بهم من التضييق عليهم بالبأساء (شدة الفقر) والضراء (المرض ونحوه) ثم إلى السعة والرخاء والرفاه، ثم يأتي إنزال العذاب فجأة من غير شعور بمجيئه. وفي ذلك تحذير لقريش وأمثالهم وتخويفهم، وحمل لهم على الإيمان برسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن سنته المتبعة في تعذيب الأمم والشعوب الضالة، سواء في زمن الأنبياء أو في غير زمنهم، وتلك السنة فيها إنذار وإعذار، ومقدمات توحي بضرورة تغيير الأوضاع، والانتقال من الكفر والضلال إلى الإيمان والهدى.
والمعنى: إننا إذا أرسلنا نبيا إلى قوم، فكذبوه، فلا نعاجلهم بالعذاب، وإنما نتدرج في إمهالهم وتذكيرهم بتقليب الأحوال، فنبدؤهم بالعقاب بإنزال شيء من الشدة والمكروه، بتعريضهم لسوء الحال المادية وإفقارهم، ثم بتسليط الأمراض والبلايا والأسقام عليهم، أو بالعكس، المرض أولا، ثم الفقر، لكي يتضرعوا أي يدعوا الله ويخشعوا ويبتهلوا إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم.
{ثُمَّ بَدَّلْنا..} .: ثم حولنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة وعافية، ليشكروا على ذلك فما فعلوا. فالسيئة: كل ما يسوء صاحبه، والحسنة: ما يستحسنه الطبع والعقل.
{حَتّى عَفَوْا} أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا الشيء: إذا كثر، وذلك لأن الرخاء يكون عادة سببا في كثرة النسل.
{وَقالُوا: قَدْ مَسَّ..} . أي ابتليناهم بالشدة والرخاء ليتضرعوا وينيبوا إلى الله، فما أفاد هذا ولا هذا، وقالوا غير معتبرين بالأحداث: قد مسّنا من البأساء والضراء، وما بعده من الرخاء، مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان، ولم يتفهموا سنن الله في تهيئة الأسباب للسعادة والشقاء في البشر. وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ويصبرون على الضراء،
كما ثبت في الصحيحين:
«عجبا لأمر المؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له» فالمؤمن يتنبه لما ابتلاه لله به من الضراء والسراء،
كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه، والمنافق مثله كمثل الحمار، لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه» .
وتغيير الحال من سوء إلى حسن أمر ضروري للتخلص من البلاء، كما قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد 11/ 13].
أما مصير غير المعتبرين بأحداث الزمان وتقلباته فكما ذكر تعالى:
{فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً.} . أي فكان عاقبة أمرهم أنا أخذناهم أي عاقبناهم بالعقوبة على بغتة، أي فجأة، من غير شعور منهم بما سينزل بهم من العقاب، ليكون أكثر حسرة، كما في قوله تعالى:{فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام 44/ 6]
وكما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي عن عائشة: «موت الفجأة رحمة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر» .
فما على الناس مؤمنين وكفارا إلا الاتعاظ بما حل بغيرهم، فالمؤمن بالله