الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
{تُضِلُّ} و {تَهْدِي} بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} أي اصطفى من قومه {سَبْعِينَ رَجُلاً} أي ممن لم يعبدوا العجل في رأي أكثر المفسرين، اختارهم بأمره تعالى {لِمِيقاتِنا} للوقت الذي وعدناه بإتيانهم فيه، ليعتذروا من عبادة أصحابهم العجل {فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي فخرج بهم، فلما أصابتهم الصاعقة أو الزلزلة الشديدة التي هزت القلوب والأبدان {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} أي قبل خروجي بهم، ليعاين بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني.
{أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا} استفهام استعطاف، أي لا تعذبنا بذنب غيرنا. {إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ} أي ما هي أي الفتنة التي وقع فيها السفهاء إلا اختبارك وابتلاؤك وامتحانك {مَنْ تَشاءُ} إضلاله {مَنْ تَشاءُ} هدايته {أَنْتَ وَلِيُّنا} متولي أمورنا.
المناسبة:
هذه الآية استمرار في بيان ما حدث لموسى عليه السلام أثناء مناجاة ربه، فقد بدأ الله تعالى قصة ميقات الكلام وطلب الرؤية بقوله:{وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا} [الآية: 143] ثم استطرد لبيان قصة عبادة العجل، ثم عاد لإتمام ما حدث في ذلك الميقات، فهو ميقات الكلام والرؤية نفسه، وليس ميقاتا آخر، كما رجح الرازي؛ لأنه تعالى قال:{وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا} ثم قال:
{وَاخْتارَ مُوسى} .. {لِمِيقاتِنا} فدل على أن المراد بهذا الميقات هو عين ذلك الميقات
(1)
.
التفسير والبيان:
أوحى الله إلى موسى أن يختار معه لميقات الكلام والرؤية سبعين رجلا من
(1)
تفسير الرازي: 17/ 15 - 18
قومه بني إسرائيل، ففعل، وأتى بهم للميقات الذي وقّته الله تعالى وهو مكان في جبل الطور: طور سيناء حيث ناجى ربه، وقد أمرهم أن يصوموا، ويتطهروا، ويطهروا ثيابهم.
والظاهر من ترتيب سرد الآيات أن اختيار هذا العدد كان عند طلب موسى رؤية الله عز وجل قبل اتخاذ عبادة العجل، وذلك ليكون سماعهم مناجاة موسى ربه دليلا على صدقه، فلما أتوا ذلك المكان قالوا: يا موسى، لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته فأرناه، فأخذتهم رجفة الجبل وصعقوا حينما ألحوا في طلب الرؤية.
ولم تكن تلك الرجفة موتا، ولكن القوم لما رأوا تلك الحالة المهيبة، أخذتهم الرعدة ورجفوا، وخاف موسى عليه السلام الموت، فعند ذلك بكى ودعا، فكشف الله عنهم تلك الرجفة. قال وهب: ما ماتوا، ولكن أخذتهم الرجفة من الهيبة حتى كادت أن تبين مفاصلهم، وخاف موسى عليهم الموت.
ولما أخذتهم الرجفة قال موسى: رب أتمنى لو كانت مشيئتك قد سبقت بإهلاكهم قبل هذا الوقت وقبل خروجهم معي إلى هذا المكان، أي حين طلب الرؤية، وأهلكتني معهم كذلك قبل أن أرى ما رأيت من رعدتهم، كيلا أحرج مع قومي، فيقولوا: قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم.
ثم أردف موسى قائلا: {أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا} أي حيث طلبوا الرؤية لك جهارا لسماعهم كلامك، وهو قولهم:{أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} أي لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا من العناد وسوء الأدب.
وما هي إلا فتنتك أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك حين كلمتني، فسمعوا كلامك وطلبوا الرؤية، فليس الأمر إلا أمرك، وما الحكم إلا لك، فما شئت كان، تضل بالمحنة من تشاء من عبادك وهم الجاهلون غير المتثبتين في معرفتك،
ولست بالظالم لهم أبدا في تقديرك، بل هذا موافق لطبعهم وكسبهم واختيارهم، وتهدي بالمحنة أيضا من تشاء من عبادك، وهم المؤمنون المتثبتون في معرفتك، ولست بالمحابي لهم في توفيقك للهداية، بل هذا متفق مع طبعهم وكسبهم واختيارهم، ولو ترك الفريقان وشأنهم لاختار كل منهم ما هو فيه وما قدر له.
وإنما استفاد ذلك موسى عليه السلام من قوله تعالى له: {فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه 85/ 20] وجعل ذلك إضلالا من الله وهدى منه؛ لأن محنته لما كانت سببا لأن ضلوا واهتدوا، فكأنه أضلهم بها وهداهم، على الاتساع في الكلام.
أنت ولينا، أي المتولي أمورنا والمهيمن علينا، فاغفر لنا أي استر ذنوبنا ولا تؤاخذنا بها، وارحمنا وإن قصرنا وفرطنا، وأنت خير الغافرين، أي الساتر ذنوب العباد، العافي عن السيئات، ورحمتك وسعت كل شيء، ومغفرتك ورحمتك بلا سبب ولا علة ولا لمصلحة ولا لعوض، أما غيرك فإنما يغفر لأغراض عديدة كحب الثناء وطلب النفع أو لدفع الضرر، وأنت تغفر لمحض الفضل والجود والكرم، فهو حقا وقطعا خير الغافرين.
قال ابن كثير: والرحمة إذا قرنت مع الغفر، يراد بها ألا يوقع العبد في مثل الذنب في المستقبل
(1)
.
وقوله: {أَنْتَ وَلِيُّنا} يفيد الحصر، ومعناه أنه لا ولي لنا ولا ناصر ولا هادي إلا أنت.
وقيل: في تفسير الآية وطلب موسى إهلاكهم وقوله {إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ} :
أن الفتنة يراد بها عبادة العجل، وأن طلب الإهلاك حينما عبدوا العجل، وأن الذين عبدوه هم السفهاء وهم الأكثرون، وأما عقلاء بني إسرائيل فلم يعبدوه.
(1)
تفسير ابن كثير: 250/ 2