المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التفسير والبيان: واذكر يا محمد للناس جميعا ما أخذه الله - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٩

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌بقية قصة شعيب مع قومهمحاورته الملأ وعقابهم بالزلزلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سنة الله في التضييق والتوسعة قبل إهلاك الأمم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترغيب بالإيمان لزيادة الخير والترهيب من الكفربالعذاب المبكّر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌العبرة من قصص أهل القرى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع فرعون والملأ من قومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة

- ‌أضواء من التاريخ:

- ‌ما يستفاد من قصة موسى عليه السلام:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيمان السّحرة بربّ العالمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد فرعون للسّحرة وإصرارهم على الإيمان بالله

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشّبهة الأولى:

- ‌والشّبهة الثانية:

- ‌تمالؤ فرعون وملئه على موسى وقومهونصيحة موسى لقومه وحوارهم معه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع عذاب الدّنيا بآل فرعون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اللجوء إلى موسى لرفع العذاب ونقض العهد وإغراق فرعون وقومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وراثة بني إسرائيل أرض مصر والشامبعد الفراعنة والعمالقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جحود بني إسرائيل نعم الله عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناجاة موسى لربهأو مكالمة موسى ربه وطلبه رؤية الله وإنزال التوراة عليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقوبة التكبر والكفر بصرف المتكبرين عن فهم أدلة العظمة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة اتخاذ السامري العجل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غضب موسى وتعنيفه هارون لاتخاذ العجل إلها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الظالمين باتخاذ العجل وقبول توبة التائبين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نهاية قصة اتخاذ العجل إلها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اختيار موسى سبعين رجلا لميقات الكلام والرؤيةومناجاته ربه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بقية دعاء موسى عند مشاهدة الرجفةوربط الإيمان برسالته برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عموم الرسالة الإسلامية

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اتباع الحق لدى بعض قوم موسى ونعم الله على بني إسرائيل فيصحراء التيه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أمر بني إسرائيل بسكنى القرية (بيت المقدس)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حيلة اليهود على صيد الأسماك يوم السبتوعقاب المخالفين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من التاريخ على القصة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رفع الجبل فوق اليهود وإذلالهم إلى يوم القيامة وتفريقهم فيالأرض واستثناء الصالحين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الميثاق العام المأخوذ على بني آدم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة بلعم بن باعوراء وأمثاله الضالين المكذبين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسباب الهداية والضلالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسماء الله الحسنى

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المهتدون والمكذبون من أمة الدعوة الإسلامية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل التّفكّر أفضل أو الصّلاة

- ‌علم السّاعة عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمور كلّها بيد الله وحده وعلم الغيب مختصّ بالله تعالى وحقيقة الرّسالة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بالنشأة الأولى والأمر بالتوحيد واتباع القرآنوالنهي عن الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌واقع الأصنام والأوثان المعبودة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول الأخلاق الاجتماعية ومقاومة الشيطان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اتّباع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي الإلهي وخصائص القرآن

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستماع للقرآن وطريقة الذّكر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل يحتاج السّاجد إلى تحريم ورفع يدين وتكبير وتسليم

- ‌سورة الأنفال

- ‌ومناسبتها لسورة الأعراف:

- ‌ما اشتملت عليه هذه السّورة:

- ‌السّور المكيّة والمدنيّة:

- ‌أما السّور المكيّة:

- ‌وأما السّور المدنيّة:

- ‌وأمّا سورة الأنفال:

- ‌السؤال عن حكم قسمة الغنائم وبيان أوصاف المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (1):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كراهية بعض المؤمنين قتال قريش في بدر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من السيرة على موقعة بدر:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإمداد بالملائكة في معركة بدر وإلقاء النعاس وإنزال المطر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفرار من الزحف والنصر من عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (19):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بطاعة الله والرسول والتحذير من المخالفة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستجابة لما فيه الحياة الأبدية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خيانة الله والرسول وخيانة الأمانة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقوى الله وفضلها

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌ألوان الكيد والمؤامرة من المشركين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (30):

- ‌نزول الآية (31):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌طلب المشركين الإتيان بالعذاب ومنع تعذيبهم إكراما للنّبي صلى الله عليه وآله وسلموأوضاع صلاتهم عند البيت الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌نزول الآية (32):

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول الآية (35):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إهدار ثواب الإنفاق للصّدّ عن سبيل الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المغفرة للكفّار إذا أسلموا وقتالهم إذا لم يسلموا لمنع الفتنة في الدّين

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌التفسير والبيان: واذكر يا محمد للناس جميعا ما أخذه الله

‌التفسير والبيان:

واذكر يا محمد للناس جميعا ما أخذه الله على البشر كافة من ميثاق يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا الله، وذلك حين أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم كما تثبت الآية، ومن آدم نفسه كما ثبت في الخبر

(1)

، أي استخرج من بني آدم ذريتهم أو سلالتهم، وخلقهم على فطرة التوحيد والإسلام.

وأشهد كل واحد على نفسه من هؤلاء الذرية قائلا لهم قول إرادة وتكوين، لا قول وحي وتبليغ: ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال، لا بلسان المقال: بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة.

وسبب هذا الإشهاد هو ألا يعتذروا يوم القيامة إذا أشركوا: إنا كنا عن التوحيد غافلين، أي لم ينبهنا إليه أحد، فلا عذر لكم بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله، ووجود العقل، وتكوين الفطرة.

وخلق الناس على فطرة التوحيد مقرر في آية أخرى هي قوله تعالى:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم 30/ 30]

وفي الصحيحين ما يؤيد ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»

وفي رواية: «على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء»

وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» . والجمعاء: السليمة الخلقة، والجدعاء: المقطوعة بعض الأعضاء.

(1)

وهو ما رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره. فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة

».

ص: 157

وقد اختلف العلماء في هذه الآية آية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ..} . على رأيين:

رأي السلف، ورأي الخلف. أما السلف من المفسرين فقالوا: إن الله خلق آدم وأخرج من ظهره ذريته كالذر، وأحياهم وجعل لهم عقلا وإدراكا، وألهمهم ذلك الحديث وتلك الإجابة، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك، وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق كثيرة لا يخلو بعضها من ضعف وانقطاع، وقال به جماعة من الصحابة

(1)

.

وأما الخلف فقالوا: هذا من قبيل التمثيل والتصوير، والمجاز والاستعارة فلا سؤال ولا جواب، وإنما أقام الله الأدلة الكونية على وحدانيته وربوبيته للكون كله، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه قال للخلق: أقروا بأني ربكم، ولا إله غيري، وكأنه أشهدهم على أنفسهم، وقال لهم: ألست بربكم؟ فقالوا: بلى

(2)

. وهذا ما اختاره الزمخشري وأبو حيان وأبو السعود والبيضاوي. وقال عنه الرازي: لا طعن فيه البتة.

وحدد ابن كثير دلالة الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميّز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وهما موقوفان لا مرفوعان، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد، إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، وقد فسر الحسن الآية بذلك.

قالوا: ولهذا قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ولم يقل: من آدم،

(1)

تفسير الرازي: 46/ 15، تفسير ابن كثير: 261/ 2 - 264.

(2)

روي عن ابن عباس أنه قال: «لو قالوا: نعم، لكفروا» لأن «نعم» تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، فكأنهم أقروا أنه ليس ربهم، بخلاف «بلى» فإنها حرف جواب، وتختص بالنفي وتفيد إبطاله، والمعنى: بلى أنت ربنا، ولو قالوا: نعم، لصار المعنى: نعم لست ربنا.

ص: 158

{مِنْ ظُهُورِهِمْ} ولم يقل: من ظهره ذرياتهم أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن. ثم قال:{وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا:}

{بَلى} أي أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا، والشهادة تكون بالقول، كقوله:{قالُوا: شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا} الآية، وتارة تكون حالا، كقوله تعالى:{ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ، شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة 17/ 9] أي حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنهم قائلون ذلك، وكذا قوله تعالى:{وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات 7/ 100].

فالمراد من الآية أن الله تعالى جعل الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد حجة مستقلة عليهم، ولهذا قال:{أَنْ تَقُولُوا} أي لئلا تقولوا يوم القيامة: {إِنّا كُنّا عَنْ هذا} أي التوحيد {غافِلِينَ} أي لم ننبه إليه {أَوْ تَقُولُوا: إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا} الآية.

وإني لميّال لهذا الرأي، وهو أولى الآراء بالصواب.

{أَوْ تَقُولُوا: إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا..} . أي إن سبب الإشهاد لمنع اعتذارهم يوم القيامة بغفلتهم عن التوحيد، أو بادعائهم التقليد، وقولهم: إن آباءنا أشركوا من قبلنا، ونحن خلف لهم، نجهل بطلان شركهم، وقد قلدناهم في أعمالهم واعتقادهم، مع حسن الظن بهم، ولم نهتد إلى التوحيد.

أفتهلكنا بالعذاب وتؤاخذنا بما فعله المبطلون من آبائنا؟! ولكن الله لا يقبل عذرهم أبدا؛ لأن التقليد في الاعتقاد وأصول الدين لا يجوز.

ومثل ذلك التفصيل البليغ الواضح للميثاق، نفصل للناس الآيات البينات، ليتدبروها بعقل وبصيرة، ولعلهم يرجعون بها عن شركهم، وجهلهم، وتقليدهم الآباء والأجداد.

ص: 159