الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: أراد بها مصر، أي سأريكم ديار القبط ومساكن فرعون خالية منهم.
وقال قتادة: سأريكم منازل الكفار التي سكنوها قبلكم من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها؛ يعني الشام وأهل الشام، أي منازل عاد وثمود والشعوب التي أهلكها الله بسبب الفسق، وتمرون عليها في أسفاركم. قال ابن كثير: وهذا هو الأولى؛ لأن هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه.
وإذا كان المراد مصر فإن الله تعالى لما أغرق فرعون، أوحى إلى البحر أن اقذف بأجسادهم إلى الساحل، ففعل؛ فنظر إليهم بنو إسرائيل، فأراهم هلاك الفاسقين. وهذا رأي أكثر المفسرين.
قال ابن جرير الطبري: وإنما قال: {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} كما يقول القائل لمن يخاطبه: سأريك غدا إلى ما يصير إليه حال من خالف أمري، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره. أي أن في آية {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} وجهين: إما التهديد الوعيد على مخالفة أمر الله تعالى، وإما الاعتبار بمن أهلكهم الله، وهم إما فرعون وجنوده، وإما منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
تعظيما لشأن الميقات أو الموعد بتكليم الله أمر الله موسى أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها ما يقربه إلى الله تعالى، ثم أنزلت التوراة عليه في العشر البواقي في رأي، أو أنه أزال خلوف فمه بنهاية صوم الثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة في رأي الكثيرين، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة. فهذا هو فائدة تفصيل الأربعين إلى الثلاثين وإلى العشرة.
2 -
إنه تعالى كلّم موسى عليه السلام، وكلام الله تعالى في قول أكثر أهل السنة والجماعة صفة أزلية قديمة، مغايرة للحروف والأصوات، فليس كلام الله حرفا ولا صوتا، وقد سمع موسى عليه السلام تلك الصفة الحقيقية الأزلية التي ليست بحرف ولا صوت، وإلا كان كلامه محدثا.
3 -
قد سمع السبعون المختارون للميقات أيضا كلام الله تعالى؛ لأن الغرض بإحضارهم أن يخبروا قوم موسى عليه السلام عما يجري هناك، وهذا المقصود لا يتم إلا عند سماع الكلام، ثم إن حادثة التكليم معجزة لموسى، فلا بد من اطلاع غيره عليها.
4 -
أنزل الله تعالى على موسى في هذه المكالمة الألواح وفيها التوراة المشتملة على أصول العقيدة والأخلاق والآداب والشريعة والأحكام المفصلة المبينة للحلال والحرام، عن مقاتل: كتب في الألواح: «إني أنا الله الرحمن الرحيم، لا تشركوا بي شيئا، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا باسمي كاذبين، فإن من حلف باسمي كاذبا، فلا أزكيه، ولا تقتلوا، ولا تزنوا، ولا تعقّوا الوالدين» .
5 -
يجب تلقي الشريعة بحزم وجد وعزم على الطاعة وتنفيذ ما ورد فيها من الصلاح والإصلاح ومنع الفساد والإفساد، وتكوين الأمة تكوينا جديدا.
والأخذ بأحسن ما في التوراة وكل ما فيها حسن وهو الأخذ بالفرائض والنوافل، دون المباح الذي لا حمد فيه ولا ثواب
(1)
.
6 -
اعتز شعب إسرائيل حين أقام شريعته، فلما غلب عليه الغرور، وظن أنه شعب الله المختار، وظلم وفسق، سلط الله عليه البابليين، فأزالوا ملكه، ثم تاب فعاد إليه بعض ملكه، ثم ظلم وأفسد، فسلط عليه النصارى، فهزموه وشتتوه.
(1)
أحكام القرآن للجصاص: 35/ 3.
وكذلك المسلمون لما عصوا كتاب ربهم وأهملوه، سلط الله عليهم الأعداء من كل جانب، فأفسدوا أفكارهم وعقيدتهم وأخلاقهم، وأوقعوا الشقاق والنزاع بينهم.
والخلاصة: أن الأمة تكون عزيزة الجانب مرهوبة ما دامت متمسكة بدينها، فإذا أهملته انهارت وضاعت ولا يغترن أحد بدول أوربا وأمريكا وروسيا واليهود، فإن ذلك لأجل محدود، ولحكمة يعلمها الله تعالى.
7 -
الآراء في رؤية الله عز وجل: استدل المعتزلة بهذه الآية: {لَنْ تَرانِي} وبقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ} [الأنعام 103/ 6] على نفي رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة، وما كان طلب موسى عليه السلام الرؤية إلا تبكيت السفهاء الذين طلبوا الرؤية، فأراد أن يسمعوا النص من عند الله بامتناع ذلك.
وأثبت أهل السنة إمكان رؤية الله في الآخرة، بقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} [القيامة 22/ 75 - 23] وبالأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها:
ما أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته
…
»
ومنها ما أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» وهي المعبر عنها بقولهم: إنها رؤية بلا كيف.
أما الآية هنا: {لَنْ تَرانِي} فتدل على أنه تعالى جائز الرؤية؛ لأنه تعالى لو كان مستحيل الرؤية لقال: لا أرى؛ ولأنه تعالى علق رؤيته على أمر جائز وهو استقرار الجبل، وما علق على جائز الوجود فهو جائز؛ ولأن موسى عليه