الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقت السّاعة، استبعادا لوقوعها وتكذيبا بوجودها
(1)
، كما قال تعالى:
{وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [سبأ 29/ 34]، وقال تعالى:
المناسبة:
لما تكلّم الله تعالى في التّوحيد والنّبوة والقضاء والقدر، أتبعه بالكلام عن المعاد. وكذلك لما قال تعالى في الآية المتقدّمة عن أجل الإنسان:{وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} بقصد الحثّ على التوبة والإصلاح، وهو الساعة الخاصة، قال بعده:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ} للإرشاد إلى النظر والتّفكر في أمر الساعة العامة التي تنتهي بها الدّنيا كلّها، ويموت بها جميع النّاس، ولبيان أن وقت السّاعة مكتوم عن الخلق.
التفسير والبيان:
يسألونك يا محمد عن وقت الساعة، متى يكون؟ ومتى يحصل ويستقرّ؟ كما قال تعالى:{يَسْئَلُكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ} [الأحزاب 63/ 33]. وفي التعبير بالإرساء الدّال على الاستقرار إشارة إلى أن قيام الساعة إنهاء لحركة العالم، وانقضاء عمر الأرض.
قل لهم: إن علم الساعة مقصور على الله وحده، فلا يطّلع عليه أحد من الخلق، فإنه هو الذي يعلم جلية أمرها، ومتى يكون على التّحديد، ولا يظهرها في وقتها المحدود إلا الله، ولا يعلم بها أحد حتى ولو كان ملكا مقرّبا أو نبيّا مرسلا، كما قال تعالى:{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ، وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها}
(1)
تفسير ابن كثير: 271/ 2.
[فصلت 47/ 41]، وقال سبحانه:{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ..} .
[لقمان 34/ 31]. فكلّ من الساعة العامة (القيامة)، والساعة الخاصّة (أجل الإنسان) من الغيبيات التي اختص الله بعلمها، لتكون فترة الاختبار صحيحة وعامة غير متأثرة بدافع العلم بها أو بقصد النّفعية، ولا مختصّة بزمن معيّن يطلع عليه الخلق، ولتبقى رهبتها مهيمنة على النّفوس.
وفي التّعبير بقوله: {عِنْدَ رَبِّي} إشارة إلى أن ما هو شأن الرّب لا يكون للمخلوق، وأنّ مهمة النّبي الإنذار بوقوعها، لا بتحديد زمنها، حتى لا يضطرب شأن العالم، فلو علمت لاضطرب الناس واختلّ العمران.
لذا قال تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي خفي علمها على أهل السّموات والأرض، ولم يعلم أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين متى يكون حدوثها ووقوعها، وكلّ ما خفي علمه فهو ثقيل على الفؤاد. وقيل عن الحسن وغيره: كبر مجيئها على أهل السّموات والأرض، وعظم أمرها، فهم لا يدرون متى تفاجئهم، ويتوقعون دائما وقوعها، ويخافون منها لشدّة وقعها وعظم أهوالها.
وقضى الله أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة على غفلة، والناس مشغولون في شأن الدّنيا ومصالحها. وهذا تأكيد لما تقدّم وتقرير لعنصر المفاجأة في إتيانها.
روى البخاري عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشّمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا.
ولتقومنّ الساعة، وقد نشر الرّجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرّجل بلبن لقحته
(1)
فلا يطعمه، ولتقومنّ
(1)
اللقحة: الشاة الحلوب أو الحامل.
الساعة والرّجل يليط
(1)
حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة، والرّجل قد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها».
{يَسْئَلُونَكَ} عن الساعة {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ} مبالغ في السؤال عنها، ومهتم بشأن زمنها، وعالم بها. قل لهم: لست أعلمها، {إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ} الذي يعلم الغيب في السّموات والأرض. و {أَيّانَ} معناه الاستفهام عن زمان المجيء، بمعنى متى.
وتكرار هذا الجواب: {عِلْمُها عِنْدَ اللهِ} بعد تكرار السؤال مبالغة في التأكيد، بل ليس هذا تكريرا، ولكن أحد العلمين لوقوعها، وهو الجواب الأول عن سؤالهم عن وقت قيام الساعة، والآخر لكنهها، وهو الجواب الثاني عن سؤالهم عن كنه ثقل الساعة وشدّتها ومهابتها. فالسؤال الأوّل عن وقت قيام الساعة، والثاني عن مقدار شدّتها ومهابتها.
وعبّر هنا بلفظ الجلالة الله إشارة إلى استئثار الله بعلمها لذاته، كما عبّر هناك بلفظ ربي للتّنبيه على أنّ الساعة من شؤون ربوبيّته.
ونقل عن ابن عباس تفسير {حَفِيٌّ عَنْها} بأنه حفيّ ببرّهم وفرح بسؤالهم، وكأن بينك وبينهم مودّة، وكأنك صديق لهم؛ لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة، فأسرّ إلينا بوقت الساعة.
{وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أنه العالم بها، وأنه المختصّ بالعلم بها، وسرّ إخفائها، أو سبب عدم معرفة الخلق وقتها المعيّن، وحكمة ذلك، وإنما يعلم ذلك القليلون، وهم المؤمنون بالقرآن وبما أخبر به النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان عن عمر رضي الله عنه حينما سأله جبريل عن الساعة، فقال:«ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» أي أنا وأنت سواء في جهل هذا الأمر. ولكن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن قرب
(1)
يليط: يطلي حوضه أو حجارته بجصّ ونحوه ليمسك الماء.