الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{وَإِذْ قِيلَ} واذكر إذ قيل {الْقَرْيَةَ} بيت المقدس {حِطَّةٌ} أي أمرنا حطة أي حط عنا أوزارنا وخطايانا {الْبابَ} أي باب القرية {سُجَّداً} سجود انحناء {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بالطاعة ثوابا {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا..} . فقالوا: حبة في شعرة، ودخلوا يزحفون على أستاههم {رِجْزاً} عذابا.
المناسبة:
بعد أن عدد الله تعالى أحوال بني إسرائيل وأصناف النعم التي أنعم بها عليهم، وجحودهم لها وظلمهم أنفسهم، ناسب أن يذكر نوعا آخر من أنواع العصيان أو الظلم ومخالفة أمر الله، وهو دخول القرية بقول معين (حطة) وهيئة معينة (ساجدين) فالمناسبة بين الآيات واضحة وهي تبيان أحوال الظلم من هؤلاء القوم، لذا ختمت الآيتان بإثبات صفة الظلم فيهم.
التفسير والبيان:
سبق بيان هذه القصة في سورة البقرة في الآيتين (59، 58) مع اختلاف في الألفاظ فقط، ليتناسب ذلك مع بلاغة القرآن وكمال الإعجاز؛ لأن تكرار اللفظ نفسه غير بليغ، والبلاغة تقتضي إبراز المعنى الواحد بأساليب مختلفة وألفاظ متنوعة.
وقد ذكر الرازي ثمانية وجوه للمخالفة في الألفاظ بين السورتين
(1)
، وهي ما يأتي، علما بأنه لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض، ولا تناقض فيهما:
1 -
هنا قال: {اُسْكُنُوا} وهناك قال {اُدْخُلُوا} والفائدة هنا أتم؛
(1)
تفسير الرازي: 34/ 15 وما بعدها.
لأن السكنى تستلزم الدخول دون العكس، فمن يسكن يدخل قطعا، وليس العكس.
2 -
قال هنا: {وَكُلُوا} وهناك قال: {فَكُلُوا} لأن بدء الأكل يكون عقب الدخول، فيحسن ذكر فاء التعقيب بعده. وأما الواو فيدل على أن الأكل حاصل مع السكنى لا بعده.
3 -
وصف الأكل هناك بقوله: {رَغَداً} أي واسعا هنيئا، ولم يذكر الوصف هنا؛ لأن الأكل للقادم في أول الدخول يكون ألذ وأمتع، وتهفو النفس إليه عادة، أما بعد طول المقام والانتظار فلا يحدث إلا عند الحاجة الشديدة وتكامل اللذة، فترك قوله:{رَغَداً} فيه.
4 -
قدم هنا قول {حِطَّةٌ} على الدخول، وعكس الأمر هناك، ولا فرق بين التعبيرين؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، فسواء دعوا أولا ثم أظهروا الخضوع بالسجود أي تنكيس الرؤوس، أو أعلنوا التواضع والخضوع أولا ثم دعوا بقولهم:
{حِطَّةٌ} ؛ لأن المقصود تعظيم الله تعالى، وإظهار الخضوع والخشوع.
5 -
قال هنا: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ} وقال هناك: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ} وكلا الجمعين سواء، وفيهما إشارة إلى أن مغفرة الذنوب تشمل القليل والكثير.
6 -
قال هنا: {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بدون واو، وهناك ذكر الواو:
{وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بالعطف، والمعنى واحد، لكن ترك الواو الذي يفيد الاستئناف أدل على أن زيادة الإحسان مستقلة عن المغفرة بعد الدعاء، تفضلا من الله تعالى، وأن الموعود به شيئان: المغفرة وزيادة الحسنة.
7 -
قال هنا: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً} وقال هناك في سورة البقرة
{فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} والإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها، فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل، ثم جعله كثيرا.
8 -
قال هنا: {بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} وقال هناك: {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} إشارة إلى حصول الوصفين منهم، فهم ظالمو أنفسهم، وهم فاسقون خارجون عن طاعة الله تعالى، ثم إن الظلم فيه معنى الاعتداء على الغير، والفسق فيه معنى الخروج عن الدين.
وزيد هنا كلمة {مِنْهُمْ} في قوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ولم تذكر هناك، وزيادتها تأكيد في البيان. ومعنى التبديل أنهم تجرؤوا على المخالفة التامة بالقول والفعل، دون اجتهاد ولا تأويل.
والمعنى العام للآية: أن الله تعالى يذكّر بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما حصل من أسلافهم، وهم ملومون مثلهم لرضاهم بأفعال الأسلاف، فقد أمرهم الله بأن يدخلوا القرية وهي بيت المقدس أو قرية غيرها، والعرب تسمي المدينة قرية، داعين الله أن يغفر ذنوبهم، ومظهرين الخضوع والخشوع لله تعالى، وقد وعدهم الله بشيئين: الغفران وزيادة الإحسان. ولكن طبيعة اليهود التي يغلب عليها العصيان والتمرد أبت عليهم إلا تحدي الأمر الإلهي، والتنكر له، والتجرؤ على المخالفة بالقول والفعل، فقالوا: حبّة في شعرة، بدل حطة وزحفوا على أستاههم، بدل تنكيس رؤوسهم وخشوعهم وتواضعهم لله، شكرا له على نعمه عند دخول القرية، والتنعم بخيراتها من طعام وفاكهة وشراب.
وماذا كانت النتيجة المنتظرة؟ النتيجة أن الله تعالى صب عليهم عذابا من السماء صبا، بسبب ظلمهم أنفسهم وغيرهم، وفسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى إلى طاعة أهوائهم وشياطينهم، ولسخريتهم من أوامر الله تعالى.