الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى ابن جرير وغيره عن جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه، واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: إن محمدا يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله:{لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ} لكنه حديث غريب جدا، مما يدل على أن الأصح نزول الآية في أبي لبابة.
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى أنه رزق العباد من الطيبات وأنعم عليهم بالنعم الجليلة، منعهم هنا من الخيانة في الغنائم وغيرها من التكاليف الشرعية.
التفسير والبيان:
يوجب الله تعالى في هذه الآية أداء التكاليف الشرعية بأسرها على سبيل التمام والكمال، من غير نقص ولا إخلال.
يا أيها المؤمنون المصدقون بالله ورسله وقرآنه، لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه أو تتعدوا حدوده ومحارمه، ولا تخونوا الرسول بأن لا تستنوا به ولا تأتمروا بما أمركم به أو لا تنتهوا عما نهاكم عنه، وتتبعوا أهواءكم وتقاليد آبائكم الموروثة، ولا تخونوا أماناتكم التي تأتمنونها فيما بينكم، بأن لا تحفظوها، وذلك يشمل الودائع المادية، والأسرار العامة للأمة والخاصة بالأفراد، فتطلعوا على الأولى الأعداء، وتفشوا الثانية بين الناس. والأمانة: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد من الفرائض والحدود، وخيانتها: تعطيل فرائض الدين، والتحلل من أحكامه والاستنان بسنته، وتضييع حقوق الآخرين.
وأنتم تعلمون أنكم تخونون، وتعلمون تبعة ذلك ووباله، وتميزون بين الحسن
والقبيح وتعرفون مفاسد الخيانة، يعني أن الخيانة: هي التي توجد منكم عن تعمد، لا عن سهو.
والخيانة: تعمّ الذنوب الصغار والكبار الملازمة للإنسان والمتعدية الضرر إلى الآخرين.
والأمانة من صفات المؤمنين، والخيانة من صفات المنافقين،
روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قلما خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا قال: «لا إيمان لمن لا عهد له» .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» .
ثم إنه لما كان سبب الإقدام على الخيانة هو حبّ الأموال والأولاد، نبّه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن مضار ذلك الحب، فقال:{أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي إن الأموال والأولاد محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده، وسبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب؛ لأنها تشغل القلب بالدنيا، وتحجب عن عمل الآخرة. والسبب هو أن الإنسان مفطور على حب المال، طماع في كسبه وادخاره، فيبخل به، ولا يؤدي منه حقوق الله، ولا يحسن به إلى الفقراء ولا ينفقه في أعمال البر والخير والإحسان. وحب الأولاد مما فطر عليه الإنسان أيضا، وقد يحمل هذا الحب إلى كسب المال الحرام من أجلهم، لذا وجب على المؤمن الحذر من المال والولد، فيكسب المال الحلال، وينفقه في مستحقاته وفي سبيل البر والإحسان، ويطعم أولاده حلالا، حتى لا ينبت جسدهم من السحت والحرام، ولا يكون الولد سببا للجبن والبخل، ولا يقصر الوالد في تربية أولاده على الخلق الفاضل والالتزام بأحكام الدين، والبعد عن المعاصي والمحرمات.