الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن ضرب الله المثل للمنسلخ من الدين الخارج منه، ليتعظ أولئك الضالون، ويتركوا ضلالهم، ويعودوا إلى الحق، بيّن أسباب الهدى والضلال، من استعمال العقل والحواس، واستخدام هداية الفطرة في سلوك أحد السبيلين:
الخير والشر، كما قال تعالى:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 10/ 90].
التفسير والبيان:
من يوفقه الله للإيمان والخير واتباع الشرع والقرآن باستعمال عقله وحواسه، فهو المهتدي حقا لا سواه، ومن يخذله ولا يوفقه، ولا يهديه إلى الخير واتباع القرآن، بسبب تعطيل عقله وحواسه في فهم آياته الكونية والشرعية، فهو الخاسر البعيد عن الهدى، الذي خسر الدنيا والآخرة.
وبما أن الهداية الإلهية نوع واحد والضلالة أنواع متعددة، أفرد الله المهتدي، وجمع الخاسرين، فقال:{فَهُوَ الْمُهْتَدِي} ثم قال: {فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} .
ثم أوضح تعالى ما أجمله بالنسبة لأهل الضلالة فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا} أي أن الله تعالى يقسم بأنه خلق أو أوجد خلقا {كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} مستعدين لعمل يستحق دخول جهنم، وخلق أيضا خلقا آخرين مستعدين لعمل يدخلهم الجنة، كما قال في بيان مآل الفريقين:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى 7/ 42] وقال في بيان مصيرهم يوم القيامة: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود 105/ 11].
وأسباب استحقاق أهل النار دخول جهنم: هي أنهم لا يستعملون عقولهم استعمالا صحيحا للوصول إلى حقيقة الإيمان، وإدراك لذة السعادة الدنيوية
والأخروية، وأن الخير فيما أمر الله به، وأن الشر فيما نهى عنه الله، وإنما نظرتهم ظاهرية، كما قال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} [الروم 7/ 30] فهم بمنزلة من لا يفقه؛ لأنهم لا ينتفعون بقلوبهم الواعية، ولا يعقلون ثوابا ولا يخافون عقابا.
وهم أيضا لا ينظرون بأعينهم نظر تبصر واعتبار وإمعان في آيات الله الكونية وآياته القرآنية التي ترشدهم إلى ما فيه سعادتهم.
ولا يسمعون بآذانهم سماع تدبر وإصغاء آيات الله المنزلة على أنبيائه، ولا يسمعون أخبار التاريخ والأمم الغابرة، وكيف كان مصيرهم بسبب إعراضهم عن هداية الله وإرشاد الرسل. وليس الغرض من نفي السمع والبصر نفي الإدراكات عن حواسهم، وإنما المقصود بيان حجبها عن إبصار الهدى وسماع المواعظ.
ونظير ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ، أَفَلا يَسْمَعُونَ. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ، فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ، أَفَلا يُبْصِرُونَ} [السجدة 26/ 32 - 27].
أولئك الموصوفون بما ذكر من تعطيل عقولهم وحواسهم هم كالأنعام (البقر والإبل والغنم) لا همّ لهم إلا الأكل والشرب والتمتع بلذات الحياة والدنيا، {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} منها؛ لأن الأنعام تحرص على ما ينفعها، وتنفر مما يضرها، ولا تسرف في أكلها وشربها، وهؤلاء يقدمون على النار معاندة، وهم مسرفون في جميع اللذات، ولا يهتدون إلى ثواب، ولا قدرة للحيوانات على تحصيل الفضائل، وأما الإنسان فأعطي القدرة على تحصيلها.
أولئك هم كاملو الغفلة عن آيات الله وعن استعمال مشاعرهم وعقولهم فيما