الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
بعد أن أقر موسى بأن لا إله إلا الله تعالى، أعلن أن الله ولينا أي القائم بأمورنا والمتولي شؤوننا، والولي يدفع الضر ويجلب النفع، لذا طلب منه المغفرة والرحمة لدفع الضر، المقدم على تحصيل النفع، ثم طلب منه تحقيق النفع وهو سؤاله الحسنة في الدنيا والآخرة.
ويناسب هذه الأشياء اشتغال العبد بالتوبة والخضوع والخشوع، لذا قال موسى عليه السلام:{إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ} أي تبنا ورجعنا إليك.
فتحقق بهذا مجموع أمرين لا بد منهما: وهما تقرير عزة الربوبية، أي كون الله تعالى إلها وربا ووليا، والاعتراف بذل العبودية أي كون العباد له تائبين خاضعين خاشعين.
ثم أجاب الله موسى مبينا أن عذابي أعذب به من أشاء، وليس لأحد على اعتراض؛ لأن الكل ملكي، ومن تصرف في خالص ملكه، فليس لأحد أن يعترض عليه.
وأما رحمتي فهي عامة لا نهاية لها، ولا حد لسعتها، وسعت كل شيء، حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: جاء أعرابي، فأناخ راحلته، ثم عقلها (ربطها بالحبل) ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى راحلته، فأطلق عقالها (حبلها)، ثم ركبها، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا تشرك في رحمتنا أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أتقولون: هذا أضل أم بعيره، ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا: بلى، قال: «لقد حظّرت رحمة واسعة، إن الله عز وجل خلق مائة
رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنّها وإنسها وبهائمها، وأخّر عنده تسعا وتسعين رحمة، أتقولون: هو أضل أم بعيره».
وروى مسلم عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله عز وجل مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة» .
ثم ذكر الله تعالى أوصافا ثلاثة لمن يستحق رحمته، وهم المتقون، المؤتون الزكاة، المؤمنون بآيات الله تعالى.
قال بعض المفسرين: طمع في هذه الآية-أي {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} كل شيء حتى إبليس، فقال: أنا شيء؛ فقال الله تعالى: {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} فقالت اليهود والنصارى: نحن متقون؛ فقال الله تعالى:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} الآية. فخرجت الآية عن العموم.
وهذه الأوصاف الثلاثة التي خصصت بها الآية شملت كل ما يصدر عن الإنسان وهو التروك والأفعال، أما التروك فهي الأشياء التي يجب على الإنسان تركها، والاحتراز عنها والاتقاء منها، وأما الأفعال فهي إما متوجهة على مال الإنسان أو على نفسه، الأول-الزكاة، والثاني-الإيمان، وهو يدخل فيه ما يجب على الإنسان علما وعملا، أما العلم فالمعرفة بالله، وأما العمل فبالإقرار باللسان والعمل بالأركان، ويدخل فيها الصلاة.
وأما صفات محمد صلى الله عليه وآله وسلم المقررة في التوراة والإنجيل فهي:
1 -
كونه رسولا نبيا أميا: والرسول أخص من النبي، وقدم الرسول اهتماما بمعنى الرسالة، وإلا فمعنى النبوة هو المتقدم، وكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا؛ لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ، وافترقا في أمر خاص وهي الرسالة.
وأميته لإبطال دعاوى اختلاق القرآن من عند نفسه، فكانت من المعجزات، كما قال تعالى:{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت 48/ 29] ومع أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يكتب وما كان يقرأ، كان يتلو كتاب الله بتعليم الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير، فكان ذلك أيضا معجزة، كما قال تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} [الأعلى 6/ 87].
وكانت أمة العرب أميّة،
روي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«إنا أمة أميّة، لا نكتب ولا نحسب» .
2 -
صفاته موجودة في التوراة والإنجيل: وهذا يدل على أن نعته وصحة نبوته مكتوب في التوراة والإنجيل؛ لأن ذلك لو لم يكن مكتوبا، لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفّرات لليهود والنصارى عن قبول قوله؛ لأن الإصرار على الكذب والبهتان من أعظم المنفرات، ويترفع عنه العاقل، وذلك من أعظم الدلائل على صحة نبوته.
4، 3 - مهمته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال عطاء: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} بخلع الأنداد (الشركاء)، ومكارم الأخلاق، وصلة الأرحام.
{وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} عبادة الأصنام، وقطع الأرحام.
ويجمع الأمر بالمعروف
قوله عليه الصلاة والسلام: «التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله» والنهي عن المنكر يشمل النهي عن عبادة الأوثان، والقول في صفات الله بغير علم، والكفر بما أنزل الله على النبيين، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين.
5 -
{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ} : قيل: المراد بالطيبات: الأشياء التي حكم الله بحلها. ومذهب مالك: أن الطيبات هي المحلّلات، فكأنه وصفها بالطيب؛
إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا. ورد الرازي على ذلك باستبعاد هذا القول؛ لأنه يترتب عليه التكرار، فتصير الآية: ويحل لهم المحللات، وبه تخرج الآية عن الفائدة؛ لأنا لا ندري أن الأشياء التي أحلها الله ما هي وكم هي؟ بل الواجب أن يكون المراد من الطيبات: الأشياء المستطابة بحسب الطبع، وذلك لأن تناولها يفيد اللذة، والأصل في المنافع الحل فكانت هذه الآية دالة على أن الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع السليم الحل، إلا لدليل. وهذا مذهب الشافعي أن الطيبات هي من جهة الطعم.
واحتج بهذه الآية بعض العلماء الذين ذهبوا إلى أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها. وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته.
6 -
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ} : أي يمنعهم من اقتراب المستخبثات وهي كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس، ويكون تناوله سببا للألم، والأصل في المضار الحرمة. ومقتضاه: أن كل ما يستخبثه الطبع فالأصل فيه الحرمة إلا لدليل.
والخبائث في مذهب مالك هي المحرمات، ويقتضي ذلك أنه أحل المتقذرات كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها. وقد عرفنا وجه الضعف في ذلك، وأن مذهب الشافعي هو تحريم المحرمات والمتقذرات، فتحرم العقارب والخنافس والوزغ ونحوها.
7 -
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ} أي يرفع عن بني إسرائيل التكاليف والأحكام الشاقة التي كانت مقررة عليهم، مثل تحريم الغنائم، وتحريم مجالسة الحائض وقرض موضع النجاسة، والقصاص من القاتل بلا دية، وقتل النفس علامة للتوبة، فكانوا إذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء