الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وموضوع الآيات: تحديد موعد لموسى لمكالمة ربه، واستخلاف هارون على بني إسرائيل في غياب موسى، وطلب موسى رؤية الله عز وجل، وإنزال التوراة المتضمنة أصول الشريعة.
التفسير والبيان:
امتن الله على بني إسرائيل بما ظفروا به من الهداية، بتكليمه موسى عليه السلام، وإعطائه التوراة وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم.
والمعنى: وعد الله تعالى موسى مكالمته، في تمام ثلاثين ليلة، وأمره بصومها، فصامها، وهي شهر ذي القعدة، فلما تمت أنكر موسى رائحة فمه، فاستاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى أن يكمل صيام عشرة أيام أخرى من ذي الحجة، وأن يلقى الله صائما، فأصبح موعد اللقاء في تمام أربعين ليلة، ذكرت في سورة البقرة مجملة، وفصلت هنا.
وإنما قال: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} إزالة لتوهم أن ذلك العشر من الثلاثين: لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين، كأنه كان عشرين، ثم أتمه بعشر، فصار ثلاثين، فأزال هذا الإيهام
(1)
.
روي عن أبي العالية أنه قال في بيان زمان الموعد: يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة، فمكث على الطور ليلة، وأنزل عليه التوراة في الألواح، فقرّبه الرب نجيا، وكلمه وسمع صريف القلم.
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى عليه السلام، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى:
(1)
تفسير الرازي: 226/ 14، أحكام القرآن للجصاص: 34/ 3.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة 3/ 5]
(1)
.
وقال موسى حين أراد الذهاب إلى الطور لميقات ربه لأخيه هارون الأكبر منه سنا: كن خليفتي في القوم مدة غيابي، وأصلح أمر دينهم، ولا تتبع سبيل أهل الفساد والضلال، وهو يشمل مشاركتهم في أعمالهم الفاسدة. وهذا تنبيه وتذكير وتأكيد، وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على الله.
وكان هارون وزيرا لموسى بسؤاله ربه: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه 29/ 20 - 32]. وكانت الرياسة في بني إسرائيل لموسى عليه السلام.
ولما جاء موسى لميقات الله تعالى المحدد له للكلام مع ربه وإعطائه الشريعة، وكلمه ربه بلا واسطة كلاما سمعه من كل جهة وسمعه السبعون المختارون للميقات، رغب في الجمع بين فضيلتي الكلام والرؤية، فقال: أرني ذاتك المقدسة، وقوّني على النظر إليك، فقال الله له: لن تراني الآن ولا في المستقبل في الدنيا؛ إذ ليس لبشر القدرة على النظر إلى في الدنيا،
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: «حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه-أنواره- ما انتهى إليه بصره من خلقه» .
ثم أبان له أنه لا يطيق الرؤية فقال مستدركا: ولكن انظر إلى الجبل، فإن ثبت مكانه عند التجلي الأعظم عليه، فسوف تراني. وإذا كان الجبل في قوته وثباته لم يستطع أن يثبت، فكيف أنت يا موسى؟ فلما تجلى ربه للجبل، وما تجلى منه إلا قدر الخنصر، جعله ترابا مدكوكا، وخرّ-سقط -موسى مغشيا عليه.
(1)
تفسير ابن كثير: 243/ 2.
فلما أفاق من إغماءته وغشيانه أو صعقته، قال: سبحانك، أي تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراك أحد في الدنيا إلا مات.
إني تبت إليك من طلب الرؤية أي أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين في زماني من بني إسرائيل بعظمتك وجلالك، وفي رواية عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
ثم طيب الله خاطره وأبان له مكانته، فقال له: يا موسى إني اخترتك على ناس زمانك وآثرتك عليهم بتكليمي إياك وبإعطائك رسالاتي المتنوعة، فخذ ما أعطيتك من الشريعة وهي التوراة، وكن من جماعة الشاكرين نعمي، المظهرين لإحساني إليك وفضلي عليك.
{مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} الموعظة: تشمل كل ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة من المعصية، والتفصيل: بيان أقسام الأحكام، أي وأعطيناه ألواحا كتبنا له فيها أنواع الهداية والمواعظ المؤثرة، والأحكام المفصلة المبينة للحلال والحرام وأصول العقيدة والآداب، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة، وهي أول ما أوتيه من التشريع.
{فَخُذْها بِقُوَّةٍ} أي فقلنا له: خذها عطفا على {كَتَبْنا} أي فخذها بقوة وجد وعزيمة، أي وعزم على الطاعة ونية صادقة، {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} ، أي يعملوا بالأوامر ويتركوا النواهي، ويتدبروا الأمثال والمواعظ.
ومعنى {بِأَحْسَنِها} أي بحسنها وكلها حسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر، فليأخذوا بما فيه الحسن والصواب، كقوله تعالى:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر 55/ 39].
{سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} أي سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، وكيف يصير إلى الهلاك والدمار.