الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو الله تعالى. {وَإِنْ يَعُودُوا} إلى قتاله. {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} أي تقررت سنّتنا في الذين تحزّبوا على الأنبياء بالتّدمير والهلاك، فكذا نفعل بهم.
{حَتّى لا تَكُونَ} توجد. {فِتْنَةٌ} لا يوجد فيهم شرك. {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ} وحده ولا يعبد غيره وتضمحلّ عنهم الأديان.
{فَإِنِ انْتَهَوْا} عن الكفر {فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيهم به على انتهائهم عن الكفر وإسلامهم.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى صلاة المشركين وعباداتهم البدنيّة، ثم عباداتهم المالية، وصدّهم عن سبيل الله وقتال رسوله والمؤمنين، أرشدهم إلى طريق الصّواب، ورغّبهم في دخول الإسلام وفتح لهم باب الرّحمة الواسعة والفضل الكبير، فقال:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ يَنْتَهُوا} الآية.
التفسير والبيان:
قل أيّها الرّسول لأجل الذين كفروا كأبي سفيان وأصحابه: إن ينتهوا عما هم فيه من الكفر والعناد ومعاداة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويدخلوا في الإسلام والطّاعة والإنابة، يغفر لهم ما قد سلف، أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما
جاء في الصّحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر» .
وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة ما كان قبلها» .
وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فلما جعل الله الإيمان في قلبي أتيت النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فقبضت
يدي، قال: مالك؟ قلت: أردت أن أشترط. قال: ماذا تشترط؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحجّ يهدم ما كان قبله؟».
وإن يعودوا إلى حظيرة الكفار والصّدّ والعناد والقتال، أي يستمروا على ما هم عليه، أجريت عليهم سنّتي المطردة في تدمير وإهلاك المكذّبين السّابقين الذين كذّبوا أنبيائي وتحزّبوا ضدّهم، كما حدث لقريش يوم بدر وغيره، وظهر وعد الله القائل:{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ} [غافر 51/ 40].
وهذا وعيد شديد لهم بالدّمار إن لم يتركوا الكفر والعناد.
ثم بيّن الله تعالى حكم هؤلاء الكفار إن عادوا للكفر واستمروا عليه، فهم متوعّدون بسنّة الأولين، وحكمهم: أن الله أمر بقتالهم إذا أصرّوا فقال:
{وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي وقاتلوا أيها المسلمون قتالا عنيفا أعداءكم المشركين، حتى لا يبقى شرك أبدا، ولا يبعد إلا الله وحده، ولا يفتن مؤمن عن دينه، ويخلص التّوحيد لله، فيقال: لا إله إلا الله، وتضمحل الأديان الباطلة، ولا يبقى إلاّ دين الإسلام، وذلك في أرض مكّة وما حواليها من جزيرة العرب،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي من حديث مالك عن الزهري:
«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ، قال الرّازي: ولا يمكن حمله على جميع البلاد؛ إذ لو كان ذلك مرادا لما بقي الكفر فيها، مع حصول القتال الذي أمر الله به
(1)
.
فيكون الغرض من القتال هو التّمكين من حرية التّدين، فلا يكره أحد على ترك عقيدته، كما قال تعالى:{لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة 256/ 2].
(1)
تفسير الرّازي: 164/ 15