الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصر أمام القلة، فقد يحدث العكس إذا اقترن فعل القلة بالصبر والثبات والإيمان والثقة بالله تعالى.
{وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} بالنصر والتأييد والتوفيق إلى النجاح، فلو جمعتم ما قدرتم من الجموع، فإن من كان الله معه، فلا غالب له، كما قال تعالى:{وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} [الصافات 173/ 37] وقال: {فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ} [المائدة 56/ 5] وقال: {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ} [المجادلة 19/ 58].
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات الأحكام التالية:
1 -
تحريم الفرار من القتال أمام العدو إلا في حالتين: التحرف لقتال، أو التحيز إلى فئة. ولكن هذا الحكم مقيد عند الجمهور بألا يزيد عدد الأعداء عن ضعف المسلمين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين، فالفرض ألا يفروا أمامهم، فمن فر من اثنين فهو فارّ من الزحف، ومن فرّ من ثلاثة فليس بفارّ من الزحف، ولا وعيد عليه، لقوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ، وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ} [الأنفال 66/ 8] فالمسلم مطالب بالثبات أمام اثنين من الأعداء، وهذا ما استقر عليه التشريع.
والفرار معصية كبيرة موبقة، بظاهر القرآن وإجماع أكثر الأئمة للحديث المتقدم عن السبع الموبقات، التي منها
أما الهرب من الزحف إذا زاد عدد الأعداء عن ضعف المسلمين فهو مباح؛ لما
رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحاص الناس حيصة،
فكنت فيمن حاص-أي هرب-، فقلنا: كيف نصنع، وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة، ثم بتنا، ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال:«من القوم؟» فقلنا: نحن الفرارون، فقال:«لا، بل أنتم العكّارون-الكرارون العطافون-أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين» .
وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه-فيما رواه محمد بن سيرين-في أبي عبيدة، لما قتل على الجسر، بأرض فارس، لكثرة الجيش، من ناحية المجوس، فقال عمر: لو تحيّز إليّ لكنت له فئة» وقال مجاهد: قال عمر: «أنا فئة كل مسلم» .
لكن وإن جاز الانهزام، فالصبر أحسن، بدليل أن جيش مؤتة، وهم ثلاثة آلاف، وقف في مقابلة مائتي ألف، منهم مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة من لخم وجذام.
ووقع في تاريخ الأندلس: أن طارقا مولى موسى بن نصير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة؛ فالتقى وملك الأندلس: لذريق، وكان في سبعين ألف عنان-فرس-فزحف إليه طارق، وصبر له، فهزم الله الطاغية لذريق، وكان الفتح.
قال ابن وهب: سمعت مالكا يسأل عن القوم يلقون العدو، أو يكونون في محرس يحرسون، فيأتيهم العدو وهم يسير، أيقاتلون أو ينصرفون، فيؤذنون أصحابهم؟ قال: إن كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم، وإلا انصرفوا إلى أصحابهم فآذنوهم.
وحكم الفرار من الزحف ليس مختصا بمن كان انهزم يوم بدر، كما يرى بعض الصحابة والتابعين (أبي سعيد الخدري، والحسن البصري وقتادة والضحاك) وإنما
هذا الحكم عام في جميع الحروب، لقوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهو عام، فيتناول جميع الحالات، كل ما في الأمر أنه نزل في واقعة بدر، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
والآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب، وهذا رأي مالك والشافعي وأكثر العلماء.
قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فرّ من الزحف، ولا يجوز لهم الفرار، وإن فرّ إمامهم؛ لقوله عز وجل:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية: وفيها أنه استحق غضب الله ونار جهنم. وقال أيضا: ويجوز الفرار من أكثر من ضعفهم، وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا، فإن بلغ اثني عشر ألفا، لم يحل لهم الفرار، وإن زاد عدد المشركين على الضعف؛
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو بشر وأبو سلمة العاملي: «ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة» إلا أن فيه راويا متروكا.
فإن فرّ فليستغفر الله عز وجل،
لما رواه الترمذي عن بلال بن يسار بن زيد قال: حدثني أبي عن جدّي، سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه، غفر الله له، وإن كان قد فرّ من الزحف» .
2 -
استدل أهل السنة بقوله تعالى: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؛ لأنه تعالى قال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ} ومن المعلوم أنهم جرحوا الأعداء، فدل هذا على أن حدوث تلك الأفعال إنما حصل من الله. وقوله تعالى عن النبي عليه الصلاة والسلام:{وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} أي وما رميت خلقا ولكن رميت كسبا. وعلى كل حال فمذهب أهل
السنة ثابت بصريح قوله تعالى: {اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر 62/ 39].
3 -
المؤمن مطالب بتعاطي الأسباب الظاهرية، والقيام بالتكليف الذي كلفه الله، ثم يتوكل على الله ويفوض الأمر إليه، أما تحقيق النتائج والأهداف فهو متروك قطعا لله عز وجل، لا بقوة الإنسان وقدرته، لهذا صح النفي والإثبات في قوله:{وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى} أي أن صورة الرمي صدرت من الرسول عليه الصلاة والسلام، وأثرها إنما صدر من الله.
وحادثة رمي الأعداء بحفنة من الحصباء حدثت يوم بدر في الأصح كما قال ابن إسحاق؛ لأن الآية نزلت عقيب بدر والسورة بدرية، وتكررت يوم أحد ويوم حنين.
4 -
كان الإخلاص في الجهاد، وصدق اللقاء، والثقة بالله سبب رضوان الله على أهل بدر، وإعطائهم البلاء الحسن، أي الإنعام عليهم، أي ينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصرة والغنيمة والأجر والثواب.
5 -
إن كل قوى الكفار تتبدد أمام قدرة الله وإرادته ونصره عباده المؤمنين، فأوهن الله كيدهم وألقى الرعب في قلوبهم، وفرّق كلمتهم، وأطلع المؤمنين على عوراتهم، وخزاهم وأذلهم، وهددهم بالعودة إلى خذلانهم إن عادوا لمحاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، وأنبأهم بدحر قواتهم مهما كثرت، وأن الله مؤيد بنصره المؤمنين، ولكن مع كل هذا فتح الله باب الأمل أمامهم بالعودة عن الكفر والشرك والمعاداة إلى الإيمان والطاعة والإسلام واتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومؤازرته وتأييده، رحمة منه بعباده، والله رؤف بالعباد.
6 -
لقد تحقق مطلب أبي جهل حينما قال: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر، وقول المشركين حينما أرادوا الخروج إلى بدر، وأخذوا بأستار الكعبة: