الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجعلكم خلفاء في الأرض من بعدهم، فينظر عملكم الكائن منكم، حسنه وقبيحه، وشكر النّعمة وكفرانها، وسيجازيكم على حسب ما يوجد منكم، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
وهذا حضّ لهم على العزم على الشكر عند حلول النّعمة، وزوال النّقمة.
وعبّر بالرّجاء دون الجزم بذلك، لتفويض المشيئة لله تعالى، ولئلا يتركوا العمل ويتّكلوا على ذلك. قال سيبويه: عسى: طمع وإشقاق. وقال الزّجاج: وما يطمع الله تعالى فيه فهو واجب.
فقه الحياة أو الأحكام:
لم يختلف واقع التّاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل بالنّسبة للأقوياء والضّعفاء، فإن صاحب القوّة والسّلطة يعتمد على سلطانه وبأسه، فيشيع بين الناس الرّهبة والذّعر والخوف، ويعلن الإنذار والتّهديد والوعيد.
المنتفعون من السّلطة لسان حالهم ومقالهم وفعلهم فعل تلك السّلطة، لذلك حرّض السّادة والأشراف من قوم فرعون على موسى وبني إسرائيل.
وكانت استجابة فرعون الطاغية للتحريض فورية، فجدّد تنكيله ببني إسرائيل وهو قتل أولادهم بعد الولادة، وتشديد قبضة السّلطة عليهم، ليظلّوا مقهورين أذلاّء خائفين خاضعين له.
أمّا موسى فكان فرعون كلما رآه خافه أشدّ الخوف، لذا لم يتعرّض له، مع أنّ قومه لم يعرفوا ذلك، فحملوه على أخذه وحبسه، ولكنه لم يحبسه لعدم الاهتمام به، ولعدم خوفه في الظاهر منه.
وأمّا المستضعفون بقيادة موسى فلا أمل لهم إلا بالله، ولا ملجأ إلا إليه، لذا طلب موسى من قومه أن يطلبوا العون والتّأييد من الله تعالى، وأن يتذرّعوا
بالصّبر، فإن صدقوا في إيمانهم، وصبروا على بلائهم، حقّق الله لهم الغلبة والنّصر، وجعل العاقبة الحسنة لهم لتقواهم.
أمرهم موسى بشيئين، وبشّرهم بشيئين:
أمّا اللّذان أمر موسى عليه السلام بهما: فهما الاستعانة بالله تعالى، والصّبر على بلاء الله. وإنّما أمرهم أوّلا بالاستعانة بالله، فلأن من عرف أنه لا مدبّر في العالم إلا الله تعالى، انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى، وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنّه إنما حصل بقضاء الله تعالى وتقديره.
وأمّا اللّذان بشّر بهما، فالأوّل: وراثة الأرض، وهذا إطماع من موسى قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه، وذلك معنى الإرث: وهو جعل الشيء للخلف بعد السّلف.
والثّاني: قوله: {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي العاقبة الحسنى والمصير الأفضل لكلّ من اتّقى الله تعالى وخافه، سواء في الدنيا والآخرة، أما في الدّنيا فهو الفتح والنّصر على الأعداء، وأمّا في الآخرة فهو نعيم الجنة
(1)
.
ولكن النّفس البشرية تخاف عادة من تهديد صاحب السّلطة، فخاف بنو إسرائيل؛ لأنهم كانوا قبل مجيء موسى عليه السلام مستضعفين في يد فرعون، فكان يأخذ منهم الجزية، ويستعملهم في الأعمال الشّاقة، ويمنعهم من التّرفّه والتّنعّم، ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم. فلما بعث موسى عليه السلام قوي رجاؤهم في زوال تلك المضار والمتاعب، فلما سمعوا إعادة تهديد فرعون، عظم خوفهم وحزنهم، فقالوا:{أُوذِينا مِنْ قَبْلِ..} ..
(1)
تفسير الرّازي: 212/ 14.