المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حاموا عنه {النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} أي القرآن، وإنما أنزل - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٩

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌بقية قصة شعيب مع قومهمحاورته الملأ وعقابهم بالزلزلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سنة الله في التضييق والتوسعة قبل إهلاك الأمم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترغيب بالإيمان لزيادة الخير والترهيب من الكفربالعذاب المبكّر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌العبرة من قصص أهل القرى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع فرعون والملأ من قومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة

- ‌أضواء من التاريخ:

- ‌ما يستفاد من قصة موسى عليه السلام:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيمان السّحرة بربّ العالمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد فرعون للسّحرة وإصرارهم على الإيمان بالله

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشّبهة الأولى:

- ‌والشّبهة الثانية:

- ‌تمالؤ فرعون وملئه على موسى وقومهونصيحة موسى لقومه وحوارهم معه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع عذاب الدّنيا بآل فرعون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اللجوء إلى موسى لرفع العذاب ونقض العهد وإغراق فرعون وقومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وراثة بني إسرائيل أرض مصر والشامبعد الفراعنة والعمالقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جحود بني إسرائيل نعم الله عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناجاة موسى لربهأو مكالمة موسى ربه وطلبه رؤية الله وإنزال التوراة عليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقوبة التكبر والكفر بصرف المتكبرين عن فهم أدلة العظمة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة اتخاذ السامري العجل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غضب موسى وتعنيفه هارون لاتخاذ العجل إلها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الظالمين باتخاذ العجل وقبول توبة التائبين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نهاية قصة اتخاذ العجل إلها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اختيار موسى سبعين رجلا لميقات الكلام والرؤيةومناجاته ربه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بقية دعاء موسى عند مشاهدة الرجفةوربط الإيمان برسالته برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عموم الرسالة الإسلامية

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اتباع الحق لدى بعض قوم موسى ونعم الله على بني إسرائيل فيصحراء التيه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أمر بني إسرائيل بسكنى القرية (بيت المقدس)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حيلة اليهود على صيد الأسماك يوم السبتوعقاب المخالفين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من التاريخ على القصة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رفع الجبل فوق اليهود وإذلالهم إلى يوم القيامة وتفريقهم فيالأرض واستثناء الصالحين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الميثاق العام المأخوذ على بني آدم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة بلعم بن باعوراء وأمثاله الضالين المكذبين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسباب الهداية والضلالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسماء الله الحسنى

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المهتدون والمكذبون من أمة الدعوة الإسلامية

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل التّفكّر أفضل أو الصّلاة

- ‌علم السّاعة عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمور كلّها بيد الله وحده وعلم الغيب مختصّ بالله تعالى وحقيقة الرّسالة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بالنشأة الأولى والأمر بالتوحيد واتباع القرآنوالنهي عن الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌واقع الأصنام والأوثان المعبودة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول الأخلاق الاجتماعية ومقاومة الشيطان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اتّباع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي الإلهي وخصائص القرآن

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستماع للقرآن وطريقة الذّكر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل يحتاج السّاجد إلى تحريم ورفع يدين وتكبير وتسليم

- ‌سورة الأنفال

- ‌ومناسبتها لسورة الأعراف:

- ‌ما اشتملت عليه هذه السّورة:

- ‌السّور المكيّة والمدنيّة:

- ‌أما السّور المكيّة:

- ‌وأما السّور المدنيّة:

- ‌وأمّا سورة الأنفال:

- ‌السؤال عن حكم قسمة الغنائم وبيان أوصاف المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (1):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كراهية بعض المؤمنين قتال قريش في بدر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من السيرة على موقعة بدر:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإمداد بالملائكة في معركة بدر وإلقاء النعاس وإنزال المطر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفرار من الزحف والنصر من عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (19):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بطاعة الله والرسول والتحذير من المخالفة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستجابة لما فيه الحياة الأبدية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خيانة الله والرسول وخيانة الأمانة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقوى الله وفضلها

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌ألوان الكيد والمؤامرة من المشركين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (30):

- ‌نزول الآية (31):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌طلب المشركين الإتيان بالعذاب ومنع تعذيبهم إكراما للنّبي صلى الله عليه وآله وسلموأوضاع صلاتهم عند البيت الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌نزول الآية (32):

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول الآية (35):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إهدار ثواب الإنفاق للصّدّ عن سبيل الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المغفرة للكفّار إذا أسلموا وقتالهم إذا لم يسلموا لمنع الفتنة في الدّين

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: حاموا عنه {النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} أي القرآن، وإنما أنزل

حاموا عنه {النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} أي القرآن، وإنما أنزل مع جبريل، فالمراد: أنزل مع نبوته، وصارت نبوته مصحوبة بالقرآن.

‌التفسير والبيان:

هذا من تتمة دعاء موسى عليه السلام عند مشاهدة الرجفة، فأعلن أولا أنه لا ولي إلا الله بقوله:{أَنْتَ وَلِيُّنا} والمتوقع من الولي والناصر أمران: دفع الضرر، وتحصيل النفع، ولما كان دفع الضرر مقدما على تحصيل النفع، بدأ بطلب دفع الضرر، فقال:{فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا} ثم أتبعه بطلب تحصيل النفع بقوله: {وَاكْتُبْ} .

أي أوجب لنا وأثبت لنا بفضلك ورحمتك حسنة، أي حياة طيبة في الدنيا بتوفير نعمة الصحة والعافية، وسعة الرزق، والتوفيق في العمل، والاستقلال في الأمور العامة، ومثوبة حسنة في الآخرة بدخول جنتك والظفر برضوانك وفيض إحسانك، وذلك كقوله تعالى:{رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة 201/ 2].

{إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ} أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك، أي ندمنا على ما طلبه قومنا من اتخاذ الآلهة وعبادة العجل ورؤية الله جهرة ونحو ذلك من فعل السفهاء، ورجعنا إلى الإيمان المقرون بالعمل.

قال الله: {عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ} من الكفار والعصاة، أما رحمتي فقد وسعت كل شيء في العالمين، والعذاب مما يترتب على صفة العدل، ولكن الرحمة أشمل، ولولا عموم الرحمة لهلك الكفار والعصاة عقب كفرهم وعصيانهم، كما قال تعالى:{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر 45/ 35] وقال عز وجل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف 58/ 18].

ص: 118

والمراد من آية العذاب هنا: أني أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك. ثم قرن ذلك بما يطمئن العباد وهو أن الرحمة تسبق الغضب، وهي أعم وأشمل منه، فهذه آية عظيمة الشمول والعموم، كقوله تعالى عن حملة العرش ومن حولهم أنهم يقولون:{رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} [غافر 7/ 40].

ثم وصف الله تعالى مستحقي الرحمة وذكر من تثبت لهم: وهم الذين يتصفون بهذه الصفات وهم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي:

1 -

الذين يتقون الشرك والمعاصي أو الذنوب.

2 -

والذين يؤتون الزكاة التي تتزكى بها نفوسهم، وتشمل زكاة الأنفس وزكاة الأموال. وخصت الزكاة بالذكر لعلاج مرض الماديين النفعيين وهم اليهود وأمثالهم، ولأن النفوس شحيحة بها غالبا.

3 -

والذين يؤمنون، أي يصدّقون بآياتنا الدالة على توحيدنا، وكفاية شريعتنا وسموها وصلاحيتها للعمل والتطبيق، وصدق رسلنا.

وهؤلاء الموصوفون بهذه الصفات الثلاث هم متبعو ملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وها هي صفاته في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثته، وأمروهم بمتابعته، وأوصافه عندهم سبعة وهي:

1 -

الرسول النبي الأمي: أي الذي لم يقرأ ولم يكتب، فالأمية آية من آيات نبوته، وأن القرآن المعجز منزل عليه من عند الله، فهو مع أميته أتى بأكمل العلوم وأجداها في العقيدة والعبادة والسياسة والاجتماع والاقتصاد والأخلاق والأعمال. واتباعه: باعتقاد نبوته والعمل برسالته. وهذه الصفة يمكن أن تتنوع إلى صفات ثلاث: هي الرسول: أي المرسل من الله إلى الخلق لتبليغ التكاليف.

والنبي وهو يدل على كونه رفيع القدر عند الله تعالى، والأمي.

ص: 119

2 -

وهو الذي يجدون اسمه وصفته كتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لذا آمن به بعض علماء اليهود مثل عبد الله بن سلام، وبعض علماء النصارى مثل تميم الداري. فأما المستكبرون فكانوا يكتمون البشارات به في كتبهم، ويؤولونها.

روى الإمام أحمد عن أبي صخر العقيلي قال: حدثني رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغت من بيعي قلت: لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال:

فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت، كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟» فقال برأسه هكذا، أي لا، فقال ابنه: إي، والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله فقال:«أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه

(1)

.

وجاء في الباب الثالث والثلاثين في التوراة من سفر تثنية الاشتراع: «جاء الرب من سينا، وأشرق من ساعير، واستعلى من جبال فاران ومعه ألوف الأطهار، في يمينه قبس من نار» ومجيئه من سينا: إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام، وإشراقه من ساعير: إعطاؤه الإنجيل لعيسى عليه، واستعلاؤه من جبال فاران: إنزاله القرآن؛ لأن فاران من جبال مكة.

وجاء في الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا: «فأما إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق، فهو يشهد لي، وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء» والفارقليط بالعبرية: معناه أحمد، كما

(1)

قال ابن كثير في تفسيره (251/ 2): هذا حديث جيد قوي، له شاهد في الصحيح عن أنس.

ص: 120

قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف 6/ 61].

4، 3 - إنه يأمر بالمعروف: وهو ما تعرفه العقول الرشيدة وتألفه الطباع السليمة، وقد ورد به الشرع، وهو ينهاهم عن المنكر: وهو ما تنكره النفوس الصافية. فهو عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بالخير، ولا ينهى إلا عن الشر، كما قال عبد الله بن مسعود: إذا سمعت الله يقولها: يا أيها الذين آمنوا، فأرعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.

ومن أهم ما أمر الله به: عبادة الله وحده لا شريك له؛ ومن أهم ما نهى عنه: عبادة ما سواه، كما أرسل به جميع الرسل قبله، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} [النحل 36/ 16].

6، 5 - وإنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث: أي يحل لهم ما تستطيبه الأنفس من الأطعمة: {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} [البقرة 172، 57/ 2، والأعراف 160/ 7، وطه 81/ 20] ويحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم، ويحرم عليهم ما تأباه النفوس، كالميتة والخنزير والدم المسفوح، وما يؤخذ من الأموال بغير حق كالربا والرّشوة والغصب والخيانة. قال ابن عباس: الخبائث كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى. قال بعض العلماء: فكل ما أحل الله تعالى من المآكل، فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين.

7 -

وإنه يضع عنهم الإصر والأغلال: أي يرفع عنهم التكاليف الشاقة، كالقصاص في القتل، العمد أو الخطأ، من غير شرع الدية، وقتل النفس عند التوبة، أي التقاتل وإهدار الدماء، وقطع الأعضاء المذنبة، وقرض موضع

ص: 121

النجاسة من الجلد والثوب، وتحريم السبت.

أي إنه جاء بالتيسير والسماحة، كما

ورد في الحديث الذي رواه الخطيب عن جابر: «بعثت بالحنيفية السمحة»

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: «بشّرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا» .

ومن مظاهر التيسير:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب الستة عن أبي هريرة: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به،

وقوله فيما رواه الطبراني عن ثوبان: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

ولهذا أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً، كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، وَاعْفُ عَنّا، وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا، أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} [البقرة 286/ 2]. وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت، قد فعلت.

أما اليهود فقد شدد الله عليهم في الأحكام الشرعية في العبادة والمعاملة والعقوبة، ثم خفف المسيح عليه السلام في بعض الأمور المادية، وشدد في الأحكام الروحية.

فالذين آمنوا بالنبي الأمي وبرسالته، وعزروه أي منعوه من الأعداء، ونصروه أي عظموه ووقروه، وأيدوه باللسان والسّنان، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلّغا إلى الناس، أولئك هم المفلحون في الدنيا والآخرة، الناجون الفائزون بالرحمة والرضوان، دون من سواهم من حزب الشيطان الذين يخذلهم الله في الدنيا والآخرة. ويدخل في ذلك قوم موسى الذين يتحقق فيهم هذا الوصف العام.

ص: 122