الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ} طلبوا منه الماء للسقيا في التيه. {فَانْبَجَسَتْ} انفجرت. {اِثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً} بعدد الأسباط. {كُلُّ أُناسٍ} سبط منهم. {وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ} جعلنا الغمام يظلهم في التيه، والغمام: سحاب رقيق أو أبيض أو السحاب مطلقا. {الْمَنَّ} مادة بيضاء تنزل على ورق الشجر وغيره كالندى، حلوة المذاق كالعسل. {وَالسَّلْوى} طير يشبه السّماني، لكنه أكبر منه.
المناسبة:
بعد أن رغب الله سبحانه بني إسرائيل باتباع ملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق إنزال الرحمة عليهم ووصفهم بأنهم المفلحون، ذكر ثلاثة أحوال لهم، الحال الأولى: أن بعضهم اتبعوا موسى بحق واتبعوا أيضا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، والتزموا الحق وقضوا به، والحال الثانية: قسمتهم اثنتي عشرة فرقة بعدد أسباطهم الاثني عشر، والحال الثالثة: انفجار الحجر اثنتي عشرة عينا بقدر عدد الأسباط لما طلبوا السقيا من موسى عليه السلام، وتظليلهم بالغمام، وإنزال المن والسلوى عليهم.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى بأن طائفة من بني إسرائيل يتبعون الحق ويعدلون به، وهم المؤمنون التائبون من بني إسرائيل، آمنوا بموسى عليه السلام، وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهم جماعة قوموا أنفسهم بالإيمان، وأرشدوا الناس إليه ودلوهم عليه، وهدوهم بالحق الذي جاءهم من عند الله، ويعدلون بالحق بينهم في الحكم، لا يجورون، كما قال تعالى:{مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ، يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ، وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران 113/ 3] وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ..} . الآية [آل عمران 199/ 3] وقال عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً} [آل عمران 75/ 3].
والخلاصة: الخبر في هذه الآية متعلق بجماعة مؤمنة من بني إسرائيل في عصر موسى، وبعد عصره، وهم أصناف ثلاثة: صنف أدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمنوا به، وهم المشار إليهم في آية:{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة 121/ 2]. وصنف آمنوا بموسى واتبعوا من بعده من الأنبياء، وهم المذكورون في الآية هنا، وصنف محتمل للقسمين، كما في الآية المتقدمة:
وهذه شهادة عظيمة من الله تعالى تثبت وجود أهل الحق والعدل في كل أمة، وهذه هي الحال الأولى لبني إسرائيل.
والحال الثانية: أنه تعالى صيّر قوم موسى اثنتي عشرة فرقة أو قبيلة تسمى أسباطا، أي أمما وجماعات، تمتاز كل جماعة منهم بنظام خاص بها في المعيشة وممارسة شؤون الحياة.
والحال الثالثة: حال الأسباط إزاء نعم الله تعالى عليهم، والنعمة الأولى:
إغاثة الله لهم، حينما طلبوا من موسى السقيا، وقد عطشوا في التيه، فأوحى الله إلى موسى:{أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ} ، فضربه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من الماء بقدر عدد أسباطهم، كل سبط له عين خاصة به {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ} أي سبط مشربهم منه. والفرق بين الانبجاس والانفجار أن الأول:
خروج الماء بقلة، والثاني: خروجه بكثرة.
والنعمة الثانية: تظليل الغمام، فكانوا إذا اشتد عليهم الحر في الصحراء، يسخر الله تعالى لهم الغمام أي السحاب، يظلهم بظله الظليل، رحمة من الله.
والنعمة الثالثة: إنزال المن والسلوى: فكان الطعام الشهي ينزل عليهم بسهولة، دون عناء ولا مشقة، وهو المن الذي كان يقوم مقام الخبز عندهم وهو