الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنا ربّكم وربّها، ولذا قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} . والواو في قوله {وَيَذَرَكَ} : قيل: إنّها حالية، أي أتذروه وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك؟ وقيل: هي عاطفة، أي أتدعهم يصنعون من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك.
{سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} المولودين. {وَنَسْتَحْيِي} نستبقي. {نِساءَهُمْ} أحياء كما فعلنا بهم من قبل. {وَإِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ} قادرون، ففعلوا بهم ذلك، فشكا بنو إسرائيل. {يُورِثُها} يعطيها. {وَالْعاقِبَةُ} المصير المحمود. {لِلْمُتَّقِينَ} الله.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل السّابع من قصّة موسى مع فرعون، يخبر فيه الله تعالى عن تمالؤ فرعون وملئه على موسى وقومه، وما أضمروه لهم من الأذى والبغضاء، بعد إيمان السّحرة بموسى وانضمامهم له على مشهد من الجموع الغفيرة.
والمعنى: وقال أشراف قوم فرعون لفرعون: أتترك موسى وقومه أحرارا، فيتمكّنوا من إفساد رعيّتك، بإدخالهم في دينهم، أو جعلهم تحت سلطانهم وقيادتهم، ويدعوهم إلى عبادة ربّهم دونك، ويتركك مع آلهتك فلا يعبدونك ولا يعبدونها كما قررت؟! ومن المعروف في التّاريخ المصري القديم أنه كان للمصريين آلهة كثيرة منها (الشمس) ويسمّونها (رع) وفرعون عندهم سليل الشّمس وابنها.
قال الحسن البصري: كان فرعون يعبد الأصنام، فكان يعبد ويعبد. قال التّيمي: كان يعبد شيئا كان قد جعله في عنقه. فأجابهم فرعون: سنقتّل أبناء بني إسرائيل تقتيلا، ونستبقي نساءهم أحياء، كما كنّا نفعل من قبل، فلا يتكاثرون حتى ينقرضوا، وإنّا مستعلون عليهم، قاهرون لهم، فلا يقدرون على أذانا ولا الإفساد في أرضنا، ولا الخروج من سلطاننا.
وفي موقف آخر همّ فرعون بقتل موسى كما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَ
فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى، وَلْيَدْعُ رَبَّهُ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ} [غافر 40/ 26].
وحين قال فرعون: {سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} وسمع الإسرائيليّون ذلك، فزعوا وجزعوا وتضجّروا، فطمأنهم موسى ونصحهم وقال لهم: استعينوا بالله وحده، واطلبوا العون والتّأييد منه على رفع ذلك الوعيد عنكم، واصبروا ولا تحزنوا، فالله هو المعين على الشّدائد، والصّبر سلاح المؤمن ومفتاح الفرج، واعلموا {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} . وهذا وعد لهم بالنّصر، وأنّ الدّار ستصير لهم.
واللام في {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ} يجوز أن تكون للعهد، ويراد أرض مصر خاصة، كقوله تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} [الزّمر 74/ 39]، ويجوز أن تكون للجنس، فيتناول أرض مصر؛ لأنها من جنس الأرض. ثمّ بشّرهم بحسن الخاتمة والعاقبة، فقال:
واعلموا أن العاقبة الحسنى والخاتمة المحمودة لمن اتّقى الله، والنّصر للمؤمنين، لا كما يتوهّم فرعون وقومه.
ثم دار حوار بين بني إسرائيل وموسى، وكأنّ الوصية لم تؤثّر فيهم، ولشدّة فزعهم من فرعون وقومه، فقالوا: أوذينا من قبل مجيئك وقبل ولادتك، ومن بعد إرسالك، وفعلوا بنا مثلما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك، فقتلوا أولادنا، وعذّبونا وأساؤوا لنا، واليوم يتكرر ما كان في الماضي، وتعود المأساة، كما تسمع من الوعيد والتّهديد.
فأجابهم موسى مؤكّدا نصر الله لهم، وما يصيرون إليه في المستقبل القريب، وثقته بالله تعالى، ومبشّرا بهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر: أملي بالله ورجائي بفضله، والله محققه بمشيئته:{أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون وقومه،