الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحارث، وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله، أسيري؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول» . قال:
وفيه نزلت هذه الآية: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا: قَدْ سَمِعْنا} الآية.
المناسبة:
لما ذكّر الله تعالى المؤمنين نعمه عليهم بقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} كذلك ذكّر رسوله نعمه عليه، وهو دفع كيد المشركين، ومكر الماكرين عنه.
التفسير والبيان:
واذكر أيها النبي حينما اجتمع المشركون لتدبير مؤامرة خطيرة عليك وعلى دعوتك، فذلك أمر يستحق الشكر على النعمة، ويدعو للعبرة والعظة، ويدل على صدق دعوتك وتأييد ربك لك في وقت المحنة العصيبة.
لقد دبروا لك إحدى مكائد ثلاث: إما الحبس الذي يحول بينك وبين دعوة الناس، وإما القتل بطريق جميع القبائل، وإما الطرد والإخراج من البلاد.
إنهم يمكرون ويدبرون في السرّ أمرا مكروها لإيقاعه بك من حيث لا تحتسب، ولكن الله عزت قدرته يحبط مكرهم ويبطل تآمرهم ويذهب كيدهم هباء، فقد أخرجك مهاجرا سليما من بينهم دون أي أذى، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والله خير المدبرين وأعلمهم ولا خير في مكرهم. فمعنى قوله:
{وَيَمْكُرُونَ} : يخفون المكايد له، ومعنى:{وَيَمْكُرُ اللهُ} : ويخفي الله ما أعدّ لهم حتى يأتيهم بغتة، ومكر الله: هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم {وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أي مكره أنفذ من مكر غيره، وأبلغ تأثيرا، وأحق بالفعل المدبّر؛ لأن تدبيره نصر للحق وعدل، ولا يفعل إلا ما هو مستوجب.
وفي هذا دلالة على أن موقف الكفار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته موقف متميز دائما بالإساءة والأذى.
وبعد أن حكى الله مكرهم لذات محمد، حكى مكرهم لدينه وكتابه، فقال:
{وَإِذا تُتْلى..} . أي إذا تليت آيات القرآن الواضحة، قالوا جهلا وعنادا وسفها واستكبارا:{لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} ، وهو اعتراف ضمني بعجزهم عن الإتيان بمثل القرآن، وقد تحداهم للإتيان بأقصر سورة منه، ولكنه التمويه والخداع والإيهام، كما يفعل الضعيف الجبان أمام البطل الشجاع المغوار، يدعي أنه قادر على قتله، وهو مجرد كلام هراء.
وكان قائل هذا القول: هو النضر بن الحارث، روي أن النضر بن الحارث خرج إلى الحيرة تاجرا، واشترى أحاديث كليلة ودمنة، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم، فيقرأ عليهم أساطير الأولين، وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمد من قصص الأولين.
إنه كان يذهب إلى أرض فارس، فيسمع أخبارهم عن رستم وإسفنديار وكبار العجم، ويمرّ باليهود والنصارى، فيسمع منهم التوراة والإنجيل، ثم يأتي ليحدث أهل مكة بما سمع.
ثم عللوا قولهم الكاذب بما هو أكذب، فقال: ما هذا القرآن إلا أخبار وأكاذيب وأحاديث الأولين، مثل قصص الأمم السابقين. ونظير الآية قوله تعالى:{وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان 5/ 25] ومعنى {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي كتب المتقدمين اقتبسها، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس. وهذا هو الكذب البحت، كما أخبر الله عنهم في الآية التالية:{قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان 6/ 25].