الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيء يعمي ويصمّ». لذا قال تعالى مؤكدا ضلالهم: {اِتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ} أي إنهم اتخذوه إلها بلا دليل ولا برهان، بل عن جهل وتقليد لغيرهم، كالمصريين الذين يعبدون العجل:«أبيس» والأقوام العاكفين على عبادة الأصنام في فلسطين، فكانوا بذلك ظالمين لأنفسهم؛ إذ عبدوا ما لا ينفعهم، وإنما يضرهم.
ولما عاد موسى من مناجاة ربه أو من الميقات، وكان قد أخبره الله تعالى، وهو على الطور، باتخاذ قومه عبادة العجل كما قال تعالى:{قالَ: فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ} [طه 85/ 20] لما عاد، ندم بنو إسرائيل على ما فعلوا، وهذا هو معنى قوله:{وَلَمّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} ورأوا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل، فتابوا واستغفروا ربهم، وقالوا: إن لم يرحمنا ربنا بقبول توبتنا، ومغفرة ذنبنا، لنكونن من الهالكين، ومن الذين خسروا سعادة الدنيا وهي الحرية والاستقلال في أرض الموعد، وخسروا سعادة الآخرة وهي الإقامة في جنات النعيم.
وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.
فقه الحياة أو الأحكام:
يتبين من الآية أن بني إسرائيل يصعب عليهم الاستقرار على حال واحدة، وإن كانت هذه الحال من أسعد الأحوال، فهم قوم متناقضون، مترددون، متحيرون لا يدرون ماذا يفعلون، كثيرو الشكوى والضجر، قليلو الحمد والشكر على النعمة، نظرتهم أحيانا سطحية ساذجة، وتفكيرهم بدائي متأثر بالتقليد، والتقليد داء يسري في الأمة كما يسري في الفرد من حيث لا يشعر، أرادوا تقليد المصريين الذين عاشوا معهم في عبادة الأصنام والأوثان، وأكد حنينهم للوثنية ما وجدوه من عكوف على الأصنام عند الأقوام الذين سبقوهم في فلسطين.
ووجد موسى السامري رغبتهم باتخاذ العجل إلها، فصاغه لهم بذكائه من الحلي، ولكنهم لم يفكروا في جدارة العجل للألوهية، وظلموا أنفسهم؛ إذ إن هذا
العجل لا يمكنه أن يكلمهم، ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، فهو إما جماد وإما حيوان عاجز، وفي الحالين فإنه لا يصلح للألوهية.
ثم تابوا وندموا على سوء فعلهم، واستغفروا ربهم، وطلبوا منه قبول التوبة والمغفرة على ذنبهم العظيم، وتأكدوا كونهم من الخاسرين إن لم يغفر الله لهم.
وهذا إقرار واضح بالعبودية، واعتراف بألوهية الإله الحق، وفي قراءة حمزة والكسائي: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء. وفي ذلك أيضا دلالة على اعترافهم بعظيم الجرم الذي أقدموا عليه، وأنه لا ملجأ من الله في إقالة عثرتهم إلا إليه.
واحتج أهل السنة بآية: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ..} . على أن من لا يكون متكلما ولا هاديا إلى السبيل، لم يكن إلها؛ لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلما، فمن لا يكون متكلما لم يصح منه الأمر والنهي. وبما أن العجل عاجز عن الأمر والنهي لم يكن إلها.
وبمناسبة اتخاذ السامري العجل إلها لبني إسرائيل يذكر علماء التوحيد مقارنة لطيفة تدل على أن السعادة والشقاوة في علم الله من الأزل، فموسى بن عمران عليه السلام ربّاه فرعون، فكان مؤمنا بإلهام من الله تعالى، وموسى السامري ربّاه جبريل وكان في النهاية كافرا، وقال بعضهم:
إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل
…
فقد خاب من ربّى وخاب المؤمّل
فموسى الذي ربّاه جبريل كافر
…
وموسى الذي رباه فرعون مرسل
وهذا لا يعني أن التربية والتوجيه لا أثر لهما، وإنما للبيئة كما هو معروف
في حديث «كلّ مولود يولد على الفطرة»
(1)
تأثير كبير، وللتربية دور مهم جدا،
(1)
رواه أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن الأسود بن سريع.