الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحذروا أن تكونوا مثل الذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، وهم المنافقون والمشركون، فإنهم يتظاهرون بالسماع والاستجابة، وليسوا كذلك، والحال أنهم لا يسمعون أبدا.
ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء أنهم شر الخلق والخليقة، فقال:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ..} . أي إن شر المخلوقات التي تدب على الأرض عند الله الصم الذين لا يسمعون الحق فيتبعونه، ولا ينطقون بالحق ولا يفهمونه، ولا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والإسلام والكفر، أي فكأنهم لتعطيلهم هذه الحواس فيما فيه المنفعة والفائدة والخير، فقدوا هذه القوى والمشاعر المدركة، وهم لو استخدموا عقولهم متجردين عن التقليد والعصبية الجاهلية، لاهتدوا إلى الحق والصواب، وأدركوا الصالح المفيد لهم وهو الإسلام، إلا أنهم في الواقع كالبهائم لا يعقلون الأمور، كما قال تعالى:{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ، وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق 37/ 50].
ثم أخبر الله تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح، فلو علم الله في نفوسهم ميلا إلى الخير والاستعداد للإيمان والاهتداء بنور الإسلام والنبوة، لأفهمهم، وأسمعهم بتوفيقه كلام الله ورسوله سماع تدبر وتفهم واتعاظ؛ ولكن لا خير فيهم؛ لأنه يعلم أنه لو أسمعهم أي أفهمهم، لتولوا عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك، وهم معرضون عنه من قبل ذلك بقلوبهم عن قبوله والعمل به، فهم لا خير فيهم أصلا.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى شيئين: الأمر بطاعة الله والرسول، والتحذير من مخالفة أمرهما ونهيهما.
وشأن المؤمنين سماع الحق، والاهتداء بنوره، وإطاعة الأوامر، واجتناب
النواهي والزواجر. وهؤلاء هم فئة المؤمنين المصدقين، وأكمل الناس وأرشدهم.
وطاعة الله والرسول شيء واحد، وطاعة الرسول طاعة لله، ونظير الآية قوله تعالى:{وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة 62/ 9] وقول المؤمن: سمعت وأطعت لا فائدة منه ما لم يظهر أثر ذلك عليه بامتثال الفعل المأمور به، واجتناب المنهي عنه. أما من قصر في الأوامر واقتحم المعاصي فهو غير مطيع.
أما من ليسوا بمؤمنين ولا مصدقين كاليهود أو المنافقين أو المشركين، فهم لا يسمعون الحق سماع تدبر وتفهم وتأمل، لذا أخبر تعالى أن هؤلاء الكفار شر خلق الله، وشر ما دبّ على الأرض.
أما المنافق فيظهر الإيمان ويسرّ الكفر، فهو يتظاهر بالسماع، وهو في الحقيقة لا يتدبر ولا يفهم شيئا.
وأما اليهودي والنصراني فيجادل في الحق بعد ما تبين له، تمسكا بالموروث المتداول، فهو يصم الأذن، ويعطل العقل عن التفكير والتأمل في الدين الحق، إصرارا على ما توارثه.
وأما المشركون فهم معاندون لا يسمعون أبدا، ويصدون الناس أيضا عن سماع القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويصمون آذانهم عن سماع الحق، ويتمسكون بتقليد الآباء والأجداد دون تأمل.
وكل هؤلاء لا يعقلون الفروق بين الحق والباطل، والخير والشر، والإسلام والكفر، لذا كانوا بحق شر خلق الله، وشرا من الدواب؛ لأنهم يضرون، والبهائم لا تضر.