الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلقت من أجله، وهو الاستفادة من المسموعات، والانتفاع من المبصرات، وهم الأغبياء الجاهلون الذين لا ينظرون إلى المستقبل، وإنما انصرفوا إلى الحياة الدنيا، وتركوا الاشتغال بما يؤهلهم للخلود في نعيم الحياة الآخرة. وعلى هذا تكون غفلتهم بمعنى ترك التدبر، والإعراض عن الجنة والنار.
أما العقلاء الفطنون فهم الذين عملوا للآخرة، ولم يهملوا ما تتطلبه الدنيا، كما قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الْآخِرَةَ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ، وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص 77/ 28].
فقه الحياة أو الأحكام:
يرى المعتزلة أن الهداية والضلالة باختيار الإنسان، وأما هذه الآية:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ} فهي في المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم، ونظرا لإيغالهم في الكفر وإصرارهم عليه، وأنه لا يأتي منهم إلا أفعال أهل النار، جعلهم الله مخلوقين للنار، فالآية تدل على توغلهم في موجبات النار، وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخولها
(1)
.
ويرى أهل السنة أن الآية تدل على أن الهداية من الله، وأن الضلال من الله تعالى، فمن هداه الله، فإنه لا مضل له، ومن أضله فقد خاب وخسر لا محالة، فإنه تعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
(1)
الكشاف: 588/ 1.
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله»
(1)
.
قال البيضاوي عن قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} : تصريح بأن الهدى والضلال من الله، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض
(2)
.
وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا} فيدل في رأي أهل السنة على أن الله تعالى خلق الأفعال أو الأعمال، فإن أولئك الكفار استعملوا عقولهم وحواسهم في مصالح الدنيا، ولم يستخدموها في مصالح الدين، فما كانوا يفقهون بقلوبهم ما يحقق مصالح الدين، وما كانوا يبصرون ويسمعون ما يرجع إلى مصالح الدين. والمعنى أن الله خلق في المؤمن القدرة على الإيمان، وخلق في الكافر القدرة على الكفر
(3)
، والعبد وجّه تلك القدرة إما إلى الإيمان وإما إلى الكفر، ولم يجبره تعالى على اختيار أحد الأمرين، وإلا لما كان عدلا حسابه وعقابه.
قال ابن كثير في تفسير آية: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا} أي خلقنا وهيأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة،
كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» .
والخلاصة: يرى المعتزلة أن الإنسان يخلق أفعال نفسه، وأن الإنسان مخيّر مطلقا، ويرى أهل السنة والجماعة أن الله تعالى هو الذي يخلق أفعال العبد، وأن
(1)
تفسير ابن كثير: 267/ 2.
(2)
تفسير البيضاوي: ص 229.
(3)
تفسير الرازي: 60/ 15 - 63.