الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{أَهْلَ الْقُرى} الذين أرسل إليهم الرسل فكذبوا {آمَنُوا} بالله ورسلهم {وَاتَّقَوْا} الكفر والمعاصي {لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ} لسهلنا عليهم بركات من السماء بالمطر ونحوه من حرارة الشمس لتوفير الخصب في الأرض {وَالْأَرْضِ} بالنبات والمعادن ونحوها {وَلكِنْ كَذَّبُوا} الرسل {فَأَخَذْناهُمْ} عاقبناهم.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} المكذبون {بَأْسُنا} عذابنا {بَياتاً} ليلا {وَهُمْ نائِمُونَ} غافلون عنه {ضُحًى} نهارا، وأصل معنى الضحى: وقت ارتفاع الشمس وإضاءة الدنيا أول النهار {يَلْعَبُونَ} يلهون {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ} استدراجه إياهم بالنعمة وأخذهم بغتة. والمكر: التدبير الخفي الذي يؤدي إلى ما لا يحتسبه الإنسان.
{أَوَلَمْ يَهْدِ} يتبين، يقال: هداه السبيل، وهداه له وإليه، أي دلّه عليه وبيّنه له {يَرِثُونَ الْأَرْضَ} بالسكنى {مِنْ بَعْدِ أَهْلِها} أي بعد هلاك أهلها {أَصَبْناهُمْ} بالعذاب {وَنَطْبَعُ} نختم {فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} الموعظة سماع تدبر.
المناسبة:
لما أبان الله تعالى في الآية السابقة أن الذين عصوا وتمردوا من أهل القرى أخذهم الله بغتة، أبان في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخير، ثم أنذرهم بالعذاب المبكّر ليلا أو نهارا، إذا كذبوا الرسل، تأكيدا لما سبق.
التفسير والبيان:
هذا إخبار عن سنة أخرى من سنن الله في عباده، وتلك السنة أنه لو آمن أهل القرى كأهل مكة وغيرهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واتقوا ما نهى الله عنه وحرمه من الشرك والفساد في الأرض بارتكاب الفواحش والآثام، لأنزل عليهم الخيرات الكثيرة من السماء كالمطر، وأخرج لهم خير الأرض من نبات ومعادن وكنوز، وآتاهم من العلوم والمعارف والإلهامات الربّانية لفهم سنن الكون.
أي فلو آمنوا ليسّر الله لهم كل خير من كل جانب من فوقهم ومن تحتهم ومن ذواتهم وأفكارهم.
وفي هذا دلالة على أن الإيمان الصحيح سبب للسعادة والرخاء.
ولكنهم كذبوا رسلهم ولم يؤمنوا ولم يتقوا، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم والشرك المفسد نظام الحياة.
وفيه دلالة على أن العقاب نتيجة لازمة لكسب المعاصي.
ثم إنه تعالى أعاد التهديد والتخويف بعذاب الاستئصال، والتحذير من مخالفة أوامره، والتجرؤ على زواجره فقال:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} وهو استفهام بمعنى الإنكار عليهم، والمقصود التعجب من حالهم وغفلتهم، والمراد: أبعد ذلك أمن أهل القرى الكافرة كأهل مكة وأمثالهم نزول العذاب والنكال بهم في حال الغفلة وهو النوم ليلا.
أو هل أمنوا أن ينزل بهم العذاب في حال شغلهم وغفلتهم وهو أثناء اللعب واللهو في النهار. ويلاحظ أن انشغالهم في أعمالهم التي لا فائدة منها كأنها ألعاب أطفال.
وذلك في الحالين تخويف من نزول العذاب بهم في أوقات الغفلة: وهو حال النوم بالليل، وحال الضحى بالنهار؛ لأنه يغلب على المرء التشاغل باللذات فيه. والمعنى المراد: فإن أمنتم حالا لم تأمنوا الحال الآخر.
قال الرازي: قوله: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يحتمل التشاغل بأمور الدنيا، فهي لعب ولهو، ويحتمل خوضهم في كفرهم؛ لأن ذلك كاللعب في أنه لا يضر ولا ينفع
(1)
.
(1)
التفسير الكبير للرازي: 185/ 14.
ثم كرر الله تعالى الاستفهام الإنكاري لزيادة التوبيخ، بعد قوله:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} وعطف عليه بالفاء، فقال:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ} أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم. ومكر الله: جزاؤه وأخذه العبد من حيث لا يشعر، مع استدراجه. إن كانوا أمنوا مكر الله وعقابه، فلا يأمن مكر الله إلا الذين خسروا أنفسهم، قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
ومجموع معنى الآيتين: أكان سبب أمنهم أن يأتيهم العذاب في وقت غفلتهم ليلا أو نهارا، أو كان سبب أمنهم غفلتهم عن مكر الله بهم، أي جزاؤه الذي ينزله بهم؟ إن ظنوا ذلك فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أنفسهم.
وبعد بيان حال الكفار الذين أهلكهم الله بالاستئصال، أبان تعالى أن الهدف من ذكر هذه القصص حصول العبرة لجميع المكلفين في مصالح أديانهم وطاعاتهم، فقال:{أَوَلَمْ يَهْدِ..} ..
أي أو لم يتبين للناس، وخصوصا قريشا الذين يخلفون غيرهم في سكنى الأرض ووراثتها مع الديار، بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها: أن شأننا معهم كشأننا مع من سبقهم، فلو نشاء أصبناهم وعذبناهم بذنوبهم وأعمالهم السيئة، كما عذبنا أمثالهم من قبل، وفعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، فأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين.
فإن لم نهلكهم بالعذاب نختم على قلوبهم، فهم لا يسمعون الموعظة والتذكير سماع تدبر، ولا يقبلون ولا يتعظون ولا ينزجرون، كما قال تعالى:{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس 101/ 10] وأما المؤمنون فشأنهم الاتعاظ والاعتبار بما حدث لمن قبلهم، كما قال تعالى في آيات كثيرة موضوعها واحد،