الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بعلة ثابتة وهي تكذيبهم بآيات الله المنزلة على رسله، وغفلتهم عن النظر بما فيها، وإعراضهم عن العمل بها.
ومجمل حال هؤلاء المتكبرين أن الله لم يخلقهم مطبوعين على الكفر والضلال، ولم يجبرهم عليه، بل حدث ذلك باختيارهم؛ إذ أنهم كذبوا بالآيات، وانغمسوا بأهوائهم وشهواتهم في بؤر الضلال والانحراف، وحجبوا أفهامهم عن إدراك الحق والهدى وسلوك سبيل السعادة والنجاة، فهم كما قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ} [الأعراف 179/ 7].
ثم أوضح الله تعالى مآل ما قد يعملونه من أعمال خيّرة في الدنيا: وهو إحباطها وإبطالها وتلاشي آثارها، وعدم ترتيب الثواب عليها، فقال: والذين كذبوا بآياتنا المنزلة على رسلنا، ولم يؤمنوا بها، ولم يصدقوا بالآخرة والبعث وما فيه من جزاء على الأعمال ثوابا على الخير وعقابا على الشر، واستمروا على وضعهم هذا إلى الممات، بطلت أعمالهم، وذهبت سدى، لفقد شرط القبول وهو الإيمان، ولأن من سنته تعالى جعل الجزاء في الآخرة بحسب أعمالهم التي أسلفوها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وكما تدين تدان.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه أحوال المتكبرين عن طاعة الله وعلى الناس، الظانين أنهم أفضل الخلق، وهو ظن باطل، لقوله تعالى:{بِغَيْرِ الْحَقِّ} فلا يتبعون نبيا، ولا يصغون إليه لتكبرهم.
يصرفهم الله تعالى عن التفكير في آيات الله الدالة على عظمته وشريعته
وأحكامه، بالطبع على قلوبهم، وإلقاء الغفلة على نفوسهم، وشغلهم بأهوائهم وشهواتهم، وهم في تركهم تدبر الحق كالغافلين عنه.
إنهم يمنعون في معاداة الأنبياء، ويكذبون بالآيات المنزلة على الرسل، وينكرون وجود الآخرة، ولا يصدقون بكل آية، ويتركون طريق الرشاد، ويتبعون سبيل الغي والضلال، أي يتخذون الكفر دينا.
واحتج أهل السنة بآية {سَأَصْرِفُ} على أنه تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصد عنه.
وقالت المعتزلة: لا يمكن حمل الآية على ذلك، فليس المراد منها صرفهم عن الإيمان بآيات الله ولا خلق الكفر فيهم؛ لأن قوله:{سَأَصْرِفُ} يتناول المستقبل، والكفر حدث منهم في الماضي، مما يدل على أنه ليس المراد من هذا الصرف الكفر بالله، وإنما المراد العقوبة على التكبر والكفر.
ولأنه لو صرفهم عن الإيمان وصدهم عنه، فكيف يمكن أن يقول مع ذلك:
{فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} ؟ {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} ؟ {وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا} ؟ [الانشقاق 20/ 84، المدثر 49/ 74، الإسراء 94/ 17]
(1)
.
ودل قوله تعالى: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} على أن الجزاء من جنس العمل، فمن آمن وعمل الصالحات فله الجنة، ومن كفر وعمل السيئات فله النار.
(1)
تفسير الرازي: 2/ 15 - 3.