الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنّ بقية النهار للعمل وكسب الرّزق، ولأنّ هذين الوقتين وقتا هجوع وسكون.
جاء في الصّحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: رفع الناس أصواتهم بالدّعاء في بعض الأسفار، فقال لهم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم:«يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنّ الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» .
{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} تأكيد للأمر بالذّكر، فهو نهي عن الغفلة عن ذكر الله، والواجب جعل القلب على صلة دائمة مع الله، وأن يشعر القلب الخضوع لله والخوف من قدرته وعظمته إذا غفل الإنسان عنه.
ثمّ أكّد الله تعالى الأمر والنّهي السّابقين بما يرغّب في الذّكر، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ..} . أي إنّ الملائكة المقرّبين من الله، لا يتكبّرون عن عبادة الله، وينزّهونه عن كلّ ما يليق بعظمته وكبريائه، وله وحده يصلّون ويسجدون، فلا يشركون معه أحدا.
وهذا تذكير بفعل الملائكة، ليقتدى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، لهذا شرع لنا السّجود هاهنا وفي بقية سجدات التّلاوة، وهذه أول سجدة في القرآن فيشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع،
روى ابن ماجه عن أبي الدّرداء عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عدّها في سجدات القرآن.
والآية ترشد إلى أن الأفضل إخفاء الذّكر،
روى أحمد وابن حبّان عن سعد عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خير الذّكر الخفي» .
فقه الحياة أو الأحكام:
الأدب مع القرآن الكريم أمر مطلوب شرعا، وتعظيم الله واجب عقلا
وشرعا، وذكر الله تعالى همزة وصل القلب والنفس مع الله، وشأن الملائكة دوام العبادة والتّسبيح (تنزيه الله عما لا يليق).
والصّحيح وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل الأحوال وعلى جميع الأوضاع في الصّلاة وغيرها.
لكن اختلف العلماء على آراء ثلاثة في قراءة المأموم خلف الإمام، هل يسقط عنهم فرض القراءة في الصلاة الجهريّة والسّريّة، أو يجب، وهل الوجوب خاص في السّريّة دون الجهريّة؟ 1 - الحنفيّة: رأوا أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام مطلقا، جهرا كان يقرأ أو سرّا؛ لظاهر هذه الآية، فإن الله طلب الاستماع والإنصات، وفي الجهريّة يتحقّق الأمران معا، وفي السّريّة يتحقق الإنصات؛ لأنه الممكن؛ لأن الإمام يقرأ، فعليه التزام الصّمت. ويؤيّده
ما أخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا» ورواه مسلم عن أبي موسى كما تقدّم،
وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن جابر أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كان له إمام، فقراءته له قراءة» وهذا الحديث وإن كان مرسلا فإنه يحتج به عند الحنفيّة، وقد رواه أبو حنيفة مرفوعا بسند صحيح.
وهو مذهب كثير من الصحابة: علي، وابن مسعود، وسعد، وجابر، وابن عباس، وأبي الدّرداء، وأبي سعيد الخدري، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأنس رضي الله عنهم.
2 -
المالكية والحنابلة: رأوا أن المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أسرّ، ولا يقرأ إذا جهر، وهو قول عروة بن الزّبير، والقاسم بن محمد، والزّهري.
ودليلهم حديثان: الأول-
ما رواه مالك وأبو داود والنّسائي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد منكم آنفا؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله، فقال:«إني أقول ما لي أنازع القرآن؟!» فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما جهر فيه من الصّلوات بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والثاني-ما روى مسلم عن عمران بن حصين قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنا صلاة الظهر أو العصر، فقال:«وأيّكم قرأ خلفي بسبّح اسم ربك الأعلى؟» فقال رجل: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«قد علمت أن بعضكم خالجنيها» .
وروي عن عبادة بن الصّامت قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف، قال:«إنّي لأراكم تقرؤون وراء إمامكم؟» ، قال:
قلنا: يا رسول الله، أي والله، قال:«فلا تفعلوا إلا بأمّ القرآن» .
لكن يلاحظ أن هذين الحديثين يدلان على مذهب الشّافعية، لا على مذهبي المالكية والحنابلة.
3 -
الشّافعية: يقرأ المصلّي بفاتحة الكتاب مطلقا، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، في صلاة جهريّة أو سريّة. واستدلّوا بالحديثين السّابقين كما لاحظنا، وبقوله تعالى:{فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل 20/ 73]،
وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم-فيما رواه الجماعة: أحمد وأصحاب الكتب الستّة عن عبادة بن الصامت: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . وهذا ما اختاره البخاري والبيهقي.
ودلّت آية: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ..} . على أن رفع الصّوت بالذّكر ممنوع.
وأرشدت آية: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} على طلب السّجود ممن قرأ هذه الآية أو سمعها، وقد شرع سجود التّلاوة إرغاما لمن أبى السّجود من المشركين، واقتداء
بالملائكة المقرّبين.
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السّجدة، فسجد، اعتزل الشّيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسّجود فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسّجود، فأبيت فلي النّار» .
وإذا سجد يقول في سجوده كما
كان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيما رواه ابن ماجه عن ابن عباس: «اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا» ، و
في رواية: «اللهم لك سجد سوادي، وبك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني، وعملا يرفعني» .
واختلف العلماء في وجوب سجود التّلاوة، فقال مالك والشّافعي وأحمد:
ليس بواجب؛
لحديث عمر الثابت في صحيح البخاري: أنه قرأ آية سجدة المنبر، فنزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها في الجمعة الأخرى، فتهيأ الناس للسّجود، فقال:«أيها الناس على رسلكم! إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء» وذلك بمحضر الصحابة من الأنصار والمهاجرين رضي الله عنهم.
ومواظبة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم تدلّ على الاستحباب. وأما
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أمر ابن آدم بالسّجود» فإخبار عن السّجود الواجب.
وقال أبو حنيفة: سجود التلاوة واجب؛ لأن مطلق الأمر بالسّجود يدل على الوجوب،
ولقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قرأ ابن آدم سجدة، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله»
وفي رواية أبي كريب: «يا ويلي» ، و
قوله عليه الصلاة والسلام أيضا إخبارا عن إبليس فيما رواه مسلم: «أمر ابن آدم بالسّجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسّجود فأبيت فلي النّار» .
ولا خلاف في أنّ سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصّلاة من طهارة حدث ونجس ونيّة واستقبال قبلة ووقت.