الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السحر، في قوله تعالى:{قالَ مُوسى: ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ، إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ، إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس 81/ 10 - 82].
ومعنى قوله تعالى: {فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ..} . أي لما ألقوا حبالهم وأخشابهم، سحروا أعين المتفرجين، ومنهم موسى الذي خيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وجاؤوا بسحر عظيم المظهر، كبير التأثير في أعين الناس.
روي أنهم لوّنوا حبالهم وخشبهم وجعلوا فيها ما يوهم الحركة، قيل: جعلوا فيها الزئبق.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت آيات قصة موسى على ما يأتي:
1 -
آية {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا} دلت على أن النبي لا بد له من آية ومعجزة يمتاز بها عن غيره؛ إذ لو لم يكن مختصا بهذه الآية لم يكن قبول قوله أولى من قبول قول غيره.
ودلت أيضا على أنه تعالى آتاه آيات كثيرة ومعجزات كثيرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول آياته: العصا ثم اليد.
ودلت كذلك على أن فرعون وجماعته ظلموا بالآيات التي جاءتهم، فاستحقوا العقاب الشامل وهو الإغراق في البحر؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وإنهم وضعوا الإنكار في موضع الإقرار. والكفر في موضع الإيمان، فكان ذلك ظلما منهم لتلك الآيات.
2 -
دل قوله: {إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} على وجود الإله؛ لأن العالم
محتاج إلى إله يوجده ويخلقه، ومتصف بصفات كالضعف والتغير ونحوها تجعله مفتقرا إلى ربّ يربّيه.
3 -
وقوله: {حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} يشير إلى أن الرسول لا يقول إلا الحق.
4 -
إن طلب موسى عليه السلام إرسال شعب بني إسرائيل معه الذي رتبه على كونه رسولا طلب ليس من السهل على حاكم تلبيته، لاحتمال تكوين خصوم ضده، من طريق تبليغهم الحكم الإلهي، وإعدادهم لمجابهة فرعون.
5 -
قوله: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} هو المعجزة الظاهرة القاهرة، وقد طلب فرعون من موسى إظهار تلك المعجزة:{إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها.} . دليلا على صدقه فيما يدعيه من الرسالة المرسل بها من الله. وكانت المعجزة قلب العصا ثعبانا، وإظهار اليد البيضاء.
6 -
اختار الطاغية الكافر: فرعون وجماعته تكذيب هذه المعجزة الخارقة، وادعى كون موسى ساحرا، فتشاور مع كبار رجال دولته، فأشاروا بالمبارزة بين سحرة صعيد مصر المهرة وبين موسى.
وتم جمع السحرة من أنحاء المملكة، قيل: كانوا سبعين رجلا أو ثلاثة وسبعين. ودل قوله: {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ} على أن السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان.
7 -
دل قوله: {فَأَلْقى عَصاهُ..} . وقوله: {وَنَزَعَ يَدَهُ} على أنه تعالى يجعل معجزة كل نبي من جنس ما كان غالبا على أهل ذلك الزمان، فلما كان السحر غالبا على أهل زمان موسى عليه السلام، كانت معجزته شبيهة بالسحر، وإن كان مخالفا للسحر في الحقيقة. ولما كان الطب غالبا على أهل زمان عيسى
عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد عليه الصلاة والسلام كانت معجزته القرآن أبلغ الكلام من جنس الفصاحة.
8 -
دل قوله: {وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا..} . على أن كل الخلق كانوا عالمين بأن فرعون كان عبدا ذليلا مهينا عاجزا، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام. ودل أيضا على أن السحرة ما كانوا قادرين على قلب الأعيان أو الأشياء، فلم يتمكنوا من قلب الحبال والعصي حيات فعلية، كما لم يتمكنوا من قلب التراب ذهبا، وأن يجعلوا أنفسهم ملوك العالم، ولو كانوا قادرين على ذلك لما احتاجوا إلى طلب الأجر والمال من فرعون.
والمقصود من هذه الآيات تنبيه الإنسان لهذه الدقائق، وألا يغتر بكلمات أهل الأباطيل والأكاذيب.
9 -
قوله: {وَإِمّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله، من قولهم:{نَكُونَ} وتأكيد الضمير المتصل بالمنفصل وهو {نَحْنُ} وتعريف الخبر وهو {الْمُلْقِينَ} بقصد كسب الشهرة واجتذاب أنظار الناس.
وقد جاراهم موسى في رغبتهم ازدراء لشأنهم وقلة المبالاة بهم، وثقته بالتأييد الإلهي، وأن المعجزة لن يغلبها شيء.
10 -
دل قوله تعالى: {فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ} على أن السحر محض التمويه. ولو كان السحر حقا، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم. وكل ما في الأمر أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة، مع أن الأمر في الحقيقة خلاف ذلك. ودل قوله:{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} على أن العوام خافوا من حركات تلك الحبال والعصي.
وأما خوف موسى فليس كخوف العوام، وإنما لعله خاف من وقوع التأخير في ظهور حجته على سحرهم.
11 -
السحر كما دلت الآية مجرد خيال وتمويه لا حقيقة فيه، لذا يسمى بالشّعوذة والدجل، وهو إما أن يعتمد على بعض خواص المادة كتمدد الزئبق الذي وضعه سحرة فرعون في حبالهم وعصيهم، وإما أن يستعان فيه بخفة اليد في إخفاء بعض الأشياء وإظهار بعضها، وإما أن يلجأ فيه إلى تأثير النفس القوية في إرادة النفس الضعيفة، وقد يستعان حينئذ بأرواح الشياطين، ومنه ما يسمى في عصرنا بالتنويم المغناطيسي.
12 -
الفرق بين السحر والمعجزة: أن المعجزة حقيقة تظهر على يد مدعي النبوة، والسحر خيال يحدث على يد رجل فاسق.
لذا أخطأ من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر، وأن السحر أثّر فيه، حتى قال:
«إنه يخيّل إلي أني أقول الشيء وأفعله، ولم أقله ولم أفعله» وإن امرأة يهودية سحرته في وعاء طلع النخل ووضعته تحت الحجر الذي يقف عليه المستقي من البئر، حتى أتاه جبريل فأخبره بذلك، فاستخرج وزال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا كله من وضع الملحدين الذين يحاولون العبث بالنبوة وإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام.
وهذا ينافي قوله تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى} . وجائز أن تفعل المرأة اليهودية ذلك بجهلها، ثم أطلع الله نبيه على فعلها، لا أن ذلك ضره وخلط عليه أمره.