الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخير والهدى، لا يتبعوكم إلى مرادكم وطلبكم، ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله، ويدل عليه قوله تعالى:{فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [الأعراف 194/ 7].
سواء لديكم دعاؤكم إياهم، أو سكوتكم عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم، ولا خير يرتجى منهم، إذ هم لا يفهمون الدعاء، ولا يسمعون الأصوات، ولا يعقلون الكلام.
ومثل من كانت هذه صفته، لا يصلح ربا معبودا، وإنما الرب الموجود المعبود هو السميع البصير، العليم الخبير، الناصر القادر، النافع من يعبده، الضار من يعصيه، الهادي إلى الرشاد، المنقذ من الردى، المجيب المضطر إذا دعاه.
وعبر بالجملة الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار: {أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ} بدلا عن الجملة الفعلية المشعرة بالتجدد المتكرر: «أم صمتم» لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر، دعوا الله دون أصنامهم، كقوله:{وَإِذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ} فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم، فقيل لهم: إن دعوتموهم، لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم، وبين ما أنتم عليه من الاستمرار على سكوتكم ومن عادة صمتكم عن دعائهم
(1)
. أي فلا فرق بين تجديد دعاء الأصنام بفعل متجدد وبين الاستمرار والثبات على حال الصمت وعدم دعائها، وبذلك صلح عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية الذي لا يجوز إلا لفائدة وحكمة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
الناس في الأصل مخلوقون من نفس واحدة، المشهور أنها نفس آدم.
(1)
الكشاف: 592/ 2.
وحواء مخلوقة من نفس آدم: وخلق منها زوجها على معنى أنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم، وحكمة ذلك أن الجنس أميل إلى الجنس، والجنسية علة الضم واللقاء والألفة بين الرجل والمرأة. واستشكل الرازي هذا الكلام؛ فإن الله قادر على أن يخلق حواء خلقا مستقلا كما خلق آدم ابتداء، فلماذا يقال: إنه تعالى خلق حواء من جزء من أجزاء آدم؟ ثم رجح أن المراد من كلمة «من» في قوله: {وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها} خلق حواء من نوع آدم ومن جنسه في الإنسانية، وجعل زوج آدم إنسانا مثله
(1)
.
2 -
من رحمة الله تعالى بالأم أن جعل خلق الجنين واكتمال الحمل على مراحل متدرجة من الأخف إلى الأثقل، كيلا تشعر بالثقل المفاجئ، ولتظل قائمة بأعمالها المعتادة دون إرهاق.
3 -
يفهم من ظاهر قوله تعالى: {دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما} أن الحمل مرض من الأمراض، ولأجل عظم الأمر جعل موتها شهادة،
كما ورد في حديث تعداد الشهداء الذي رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم: «الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة» أي تموت وفي بطنها ولد. فيكون حال الحامل في رأي الإمام مالك حال المريض في أفعاله بعد مضي ستة أشهر من الحمل، أي المريض مرض الموت، وهو الذي لا تنفذ تبرعاته من هبة ومحاباة في بيع إلا في ثلث ماله. وقال الأئمة الثلاثة: إنما يكون ذلك في الحامل بحال الطّلق، فأما قبل ذلك فلا؛ لأن الحمل عادة، والغالب فيه السلامة. ورد المالكية بقولهم: كذلك أكثر الأمراض غالبة السلامة، وقد يموت من لم يمرض.
(1)
تفسير الرازي: 89/ 15.
ويعد الزاحف في الصف للقتال والمحبوس للقتل في قصاص بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه، ما كان بتلك الحال، في رأي الإمام مالك، فلا يتبرع إلا في الثلث.
4 -
الأوثان لا تصلح للألوهية؛ لأنها مخلوقة، وغير قادرة على خلق شيء أو إيجاد نفع أو ضر فكيف يعبد ما لا يقدر على أن يخلق شيئا؟! والمقصود من الآية إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للألوهية.
5 -
ليس المراد من قوله تعالى: {فَتَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ} ما ذكر من قصة إبليس مع آدم عليه السلام السابق ذكرها؛ إذ لو كان المراد ذلك، لكانت هذه الآية غريبة عن تلك القصة غرابة كلية، وأدى الأمر إلى إفساد النظم والترتيب، وإنما المراد بها الرد على عبدة الأوثان، كما ذكر القفال، فهي بيان لخلق الرجل والمرأة من جنس واحد ومن أصل واحد في الإنسانية، ثم التنديد بفعل بعض الأزواج، فلما تغشى الزوج زوجته (واقعها) وظهر الحمل، دعا الزوجان ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} نعمائك، فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا، جعلا لله {شُرَكاءَ فِيما آتاهُما} ؛ لأن الأزواج تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، كما هو قول الطبيعيين، وتارة إلى الكواكب، كما هو قول الفلكيين، وتارة إلى الأصنام والأوثان، كما هو قول عبدة الأصنام.
6 -
احتج أهل السنة بقوله: {أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً، وَهُمْ يُخْلَقُونَ} على أن العبد لا يخلق ولا يوجد أفعاله، وإنما الذي يخلق هو الإله، فلو كان العبد خالقا لأفعال نفسه، كان إلها.
7 -
دل قوله: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً..} . على أن الأصنام لا تنصر من أطاعها، ولا تنتصر ممن عصاها. والمعبود يجب أن يكون قادرا على إيصال النفع، ودفع الضرر، وهذه الأصنام عاجزة عن ذلك، فكيف يليق بالعاقل عبادتها؟!