الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن انتهوا عن الكفر وعن قتالكم، فكفّوا عنهم وإن لم تعلموا بواطنهم، {فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، أي فإن الله عليم بأعمالهم، يجازيهم عليها بحسب علمه.
وإن تولوا وأعرضوا عن سماع دعوتكم، ولم ينتهوا عن كفرهم، فلا تهتموا بأمرهم، واعلموا أن الله متولّي أموركم وناصركم، فلا تبالوا بهم، ومن كان الله مولاه وناصره، فلا يخشى شيئا، إنه نعم المولى، ونعم النصير، فلا يضيع من تولاه، ولا يغلب من نصره الله.
ولكن نصر الله مرهون بأمرين: الإعداد المادي والمعنوي للجهاد كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال 60/ 8] ونصرة دين الله وتطبيق شرعه وتنفيذ أحكامه، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} [محمد 7/ 47].
أما الاتّكال على مجرد الاتّصاف بالإسلام قولا لا عملا، وطلب النّصر بخوارق العادات، والأدعية فقط، دون إعداد ولا تحقيق الصفة الإسلامية الحقّة التي اتّصف بها السّلف الصالح، فلا يحقق شيئا من النّصر المرتجى على العدو في فلسطين وغيرها من بلاد الإسلام المعتدى عليها، أو المحتلّة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآية الأولى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} على مزيد فضل الله وفتح باب رحمته أمام الكفار، فإنهم إن يسلموا يغفر الله لهم ما سلف من كفر، وما ارتكبوا من ذنوب، وما قصروا من أداء واجبات نحو ربّهم، فلا يطالبون بقضاء العبادات البدنيّة والماليّة، ويبدءون صفحة جديدة مشرقة بالإسلام النّقي الطّاهر،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم:
قال مالك: من طلّق في الشّرك ثم أسلم، فلا طلاق له، ومن حلف فأسلم، فلا حنث عليه، فهو مغفور له. ولو زنى وأسلم، أو اغتصب مسلمة، ثم أسلم، سقط عنه الحدّ. ولا خلاف في إسقاط ما فعله الكافر الحربي في حال كفره في دار الحرب. أما لو دخل إلينا بأمان فقذف مسلما، فإنه يحدّ، وإن سرق قطع، وكذلك الذّمي إذا قذف، حدّ ثمانين جلدة، وإذا سرق قطع، وإن قتل قتل، ولا يسقط الإسلام ذلك عنه لنقضه العهد حال كفره.
أمّا المرتد إذا أسلم، وقد فاتته صلوات، وأصاب جنايات، وأتلف أموالا، فقال أبو حنيفة ومالك: ما كان لله يسقط، وما كان للآدمي لا يسقط؛ لأن الله تعالى مستغن عن حقّه، والآدمي مفتقر إليه، ولأن إيجاب قضاء العبادات ينافي ظاهر هذه الآية. وفي قول الشافعي: يلزمه كلّ حقّ لله عز وجل وللآدمي بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه، فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى.
فإن عاد الكفار إلى قتال المسلمين، قوتلوا.
والصّحيح-كما ذكر الرّازي-أن توبة الزّنديق مقبولة، لأن هذه الآية:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا.} . تتناول جميع أنواع الكفر، ولقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ} [الشورى 25/ 42]. ولأن أحكام الشّرع مبنيّة على الظواهر؛ لأن القاعدة تقول: «نحن نحكم بالظاهر، والله يتولّى السّرائر» .
واحتجّ الحنفيّة بهذه الآية على أنّ الكفار حال كفرهم ليسوا مخاطبين بفروع الشرائع، بدليل أنهم لا يؤاخذون بشيء مما ارتكبوه في زمان الكفر.
ودلّت آية: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} على وجوب القتال، حتى تزول فتنة المسلم عن دينه، وتتأكد حرية الاعتقاد والتّديّن. وأما قوله تعالى:
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ} فهو إما أن يقيّد في جزيرة العرب، فلا يجتمع فيها
دينان كما بيّنا، وإما أن يكون الغرض النّظري لا الفعلي هو إنهاء الكفر من جميع العالم، وهذا كما ذكر الرّازي مجرّد أمل وغرض أو هدف؛ لأنه ليس كلّ ما كان غرضا للإنسان، فإنه يحصل، فسواء حصل أو لم يحصل، يكون الأمر بالقتال لتحصيل هذا الغرض، وإن لم يتحقق في الأمر نفسه.
نهاية الجزء التاسع ولله الحمد