الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما لما ينتهوا، قال المسلمون: إنا لا نساكنكم، فقسموا القرية بجدار، للمسلمين باب، وللمعتدين باب، ولعنهم داود عليه السلام، فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم، ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن للناس شأنا، فنظروا، فإذا هم قردة، ففتحوا الباب، ودخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسباءهم من الإنس، والإنس لا يعرفون أنسباءهم من القرود، فجعل القرد يأتي نسيبه، فيشم ثيابه ويبكي، فيقول: ألم ننهك؟ فيقول برأسه: بلى. وقيل: صار الشباب قردة والشيوخ خنازير.
وعن الحسن البصري: أكلوا والله أوخم أكلة أكلها أهلها، أثقلها خزيا في الدنيا، وأطولها عذابا في الآخرة، هاه، وايم الله، ما حوت أخذه قوم فأكلوه، أعظم عند الله من قتل رجل مسلم، ولكن الله جعل موعدا، {وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ}
(1)
.
التفسير والبيان:
واسأل يا محمد يهود عصرك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، والسؤال للتوبيخ والتقريع، وبيان أن كفر المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس جديدا، بل هو موروث، فإن أسلافهم ارتكبوا الذنب العظيم، وخالفوا أوامر الله تعالى.
وحذرهم من مخالفتك لئلا يحل بهم ما حل بسلفهم.
اسألهم عن أهل المدينة التي كانت قريبة من البحر على شاطئه، وهي أيلة على شاطئ البحر الأحمر، بين مدين والطور، حين اعتدوا حدود الله، وتجاوزوها يوم السبت الذي يعظمونه، بترك العمل فيه، وتخصيصه للعبادة،
(1)
انظر القصة في الكشاف: 584/ 2 - 585.
فخالفوا أمر الله فيه بالوصية لهم به إذ ذاك، واصطادوا السمك فيه، وقد نهوا عنه.
فكان السمك يأتيهم كثيرا على سطح الماء يوم تعظيم السبت، ولا يحتاج صيده إلى عناء.
ويوم لا يسبتون، في سائر الأيام غير السبت، تختفي الأسماك ولا تظهر، ولا تأتيهم كما كانت تأتيهم يوم السبت.
فاحتالوا على صيدها بإقامة الأحواض حيث يأتي المد بالسمك ثم إذا انحسر الماء بالجزر، تبقى الأسماك في الأحواض، فيأخذونها يوم الأحد.
مثل ذلك البلاء بظهور السمك يوم السبت المحرم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في الأيام التي يحل لهم صيده، نبلو أي نختبر السابقين والمعاصرين، ونعاملهم معاملة من يختبر حالهم، ليجازى كل واحد على عمله، بسبب فسقهم المستمر وخروجهم عن طاعة الله؛ لأن من سنة الله أن من أطاعه، سهل له أمور الدنيا، وأثابه في الآخرة، ومن عصاه، ابتلاه بأنواع المحن والمصائب.
وحين ظهور المعصية فيهم، انقسم أهل تلك القرية فرقا ثلاثا، هي فرقة المؤيدين، وفرقة المعارضين الواعظين، وفرقة المحايدين الذين لم يجدوا فائدة من الوعظ ولاموا الواعظين قائلين لهم: لم تعظون قوما قد قضى الله بإهلاكهم وإفنائهم، وقد علمتم أن الله سيهلكهم ويعاقبهم في الدنيا والآخرة.
فأجابهم الواعظون: نعظهم لنبرئ أنفسنا من السكوت عن المنكر، ونعتذر إلى ربكم بأننا أدينا واجبنا في الإنكار عليهم، ونحن لا نيأس من صلاحهم وعودتهم إلى الحق، ولعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم.