الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الحديث نص أن المني قبل الأربعين لا يكون قد تهيأ للحياة، وإنما هو نطفة، هو والعزل سواء، بخلاف بعد الأربعين فقد بدأ بالتخلق، وهو مرحلة كونه علقة. والله أعلم
دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل التخلق
.
قالوا: إذا لم يتخلق بظهور الأعضاء الدالة على كونه آدمياً، فلا يثبت له حكم الآدمي من وجوب صيانته وحرمة الاعتداء عليه، وعليه فلا إثم في إسقاطه
(1)
.
دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل أن ينفخ فيه الروح
.
قال ابن عقيل: ما لم تحله الروح يجوز إسقاطه؛ لأنه ليس وأداً؛ لأن الوأد لا يكون إلا بعد التارات السبع {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} إلى قوله {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}
(2)
.. قال ابن مفلح: وهذا منه فقه عظيم، وتدقيق حسن، حيث سمع {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}
(3)
. وهذا لما حلته الروح؛ لأن ما لم تحله الروح لا يبعث، فيؤخذ منه أنه لا يحرم إسقاطه. وله وجه. اهـ
(4)
.
الراجح جواز إلقاء النطفة بشروط:
(1)
رد المحتار (5/ 276).
(2)
المؤمنون، آية: 12 - 14.
(3)
التكوير، آية:19.
(4)
الفروع (1/ 281).
أولاً: ألا يكون في ذلك ضرر على الأم، لا حالاً، ولا مآلاً.
ثانياً: أن يكون ذلك برضى الزوج؛ لأن له حقاً في طلب الولد.
ثالثاً: أن يكون في ذلك تحقيق مصلحة، أو دفع مفسدة. وإن قَلَّت؛ لأن إلقاء النطفة إذا كان خلواً من المصلحة كان منافياً لمقصود الشارع من تكثير النسل.
رابعاً: ألا يكون الحامل على ذلك سوء ظن بالله، وذلك خوفاً من العالة والفقر.
ثم اطلعت على مراحل تكوين الجنين من جهة الطب، فرأيت أن تحريم إلقاء النطفة أقرب من الإباحة، وأن النطفة لا تستوي هي والعزل من كل وجه.
يذكر الأطباء أن ماء الرجل يحتوي على عدة مئات من الملايين من الحيوانات المنوية
(1)
، ويجب عليهم أن يعبروا المهبل، ومختنق عنق الرحم، وبعد ذلك يتوجهوا إلى قناة فالوب، وهي مسافة تبلغ (15 - 18) سم، ثم يستعدوا لاقتحام غشاء البويضة، ثم النزول إلى الرحم لتعلق في جداره، وتأخذ في النمو. وإليك رحلة الحيوان المنوي:
ومن المعلوم أن كل الف حركة يبذلها ذيل الحيوان المنوي يقطع خلالها الحيوان المنوي مسافة قدرها سنتيمتراً واحداً، وفي حالة عدم وجود عوائق فإنه يستطيع قطع مسافة (10) سم في نصف ساعة، ومن يستهين بهذه المسافة فليعلم
(1)
يقول الدكتور محمد علي البار في كتابه (خلق الإنسان بين الطب والقرآن)(ص: 159): "في كل دفقة مني ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي".
أنها تفوق طول الحيوان المنوي أربعة الأف ضعف
(1)
.
وتسير تلك الحيوانات المنوية باحثة عن البويضة (نطفة المرأة) لا تدري أين هي، عن يمين أو يسار، فتخترق مجموعة منها القناة الرحمية، وتسير مجموعة منها عبر القناة الرحمية اليسرى، تدعى أيضاً قناة فالوب، فيهلك من يهلك، ويشاء الله سبحانه وتعالى بقدرته أن يقترب من البويضة مئات الحيوانات المنوية، بينما تحتوي الدفقة الواحدة من المني مئات الملايين تهلك معظمها قبل الوصول إلى البويضة، ويختار الله سبحانه وتعالى بحكمته واحداً من مئات الحيوانات، فيصل سالماً إلى البويضة، فتفتح له البويضة كوة في جدارها، حتى يلج، فإذا ما دخل أغلق الثقب حالاً، ولن يسمح لحيوان منوي آخر بالدخول في البويضة، وإذا ما دخل الحيوان المنوي هشت له نواتها، كما أن نواة الحيوان المنوي المتجمعة في رأسه تفعل الشيء ذاته.
ورأس الحيوان المنوي لا يزيد عن خمسة ميكرونات (والميكرون: واحد على المليون من الميتر، ويحتوي هذا الرأس على أسرار الوراثة كاملة ينقلها من الأب إلى الأبن أو البنت على هيئة 23 جسيماً ملوناً (كروموسوماً)
وتحتوي البويضة على 23 جسيماً ملوناً مثلما يحتوي الحيوان المنوي على نفس العدد، فإذا اجتمعا معاً صارت البويضة الملقحة تحتوي على 46 جسيماً ملوناً، مثل بقية الخلايا.، فيعتبر كلا من الحيوان المنوي والبويضة نصف خلية
(1)
انظر الآيات العجاب في رحلة الإنجاب (ص: 54).
فقط من ناحية العدد الكروموسومات، وعند تكون النطفة الأمشاج يكتمل عدد الكروموسومات الحاملة للصفات الوراثية من الأب والأم، وعبر هذه الكروموسومات تنتقل الصفات الوراثية، وحالما يتم التخصيب، وتتكون النطفة الأمشاج من الحيوان المنوي والبويضة يخلق الله سبحانه وتعالى جداراً سميكاً مصمتاً لا يمكن لأي حيوان منوي آخر اختراقه، ومنذ تلك اللحظة تبدأ العمل الجاد، وتبدأ بالانشطار: الخلية تصبح خليتان، الخليتان أربع، وهكذا دواليك حتى تتكون مئات الخلايا على هيئة ثمرة التوت، وعندئذ تسمى التوتة MORULLA كبرت الكرة قليلاً، صار ما بداخلها مجوفاً، وبه سائل رقيق .. وعندئذ تدعى بالتكور الجرثومي أو البلاستولا BLASTULA وفي هذه الأثناء لا تكف البويضة الملقحة أو النطفة الأمشاج عن الحركة بواسطة شعيرات قناة الرحم، وتقلصات جداره، وإن كانت حركة بطيئة فهي تنتقل من الثلث الوحشي لقناة الرحم (قناة فالوب) حيث يتم التلقيح وتتجه عبر القناة الرحمية حيث تقترب من الرحم، وفي خلال خمسة أيام أو أسبوع على الأكثر تكون قد وصلت إلى الرحم، وتنظر أين تتوسد وتنغرز
وتوجهها عناية الله بها إلى أن خير مكان لها هو النصف العلوي من الرحم، وخاصة جداره الخلفي، وهناك تنشب، وتَعْلَق في جدار الرحم الذي قد أعد لاستقبالها بفرش الطنف والوسائد .. وجعل جداره مليئاً بالأوعية الدموية حتى يغذيها وينميها ..
وعندما تنغرز الكرة الجرثومية تكون قد تحولت من نطفة الأمشاج إلى
علقة، وتبدأ عندئذ مرحلة جديدة في حياة الجنين .. وهي مرحلة العلقة
(1)
.
كل هذه الأمور تحدث للنطفة في العشرة الأيام الأولى على أكثر تقدير، فكيف يقال: إن هذا والعزل سواء.
(1)
انظر بتصرف يسير خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 197)، الآيات العجاب في رحلة الإنجاب (ص: 54).