الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: خلاف العلماء في المستحاضة المتحيرة الناسية لعددها ووقتها
القول الأول: المذهب الحنفي:
قالوا: إذا استحيضت ونسيت عدد أيامها ومكانها فإنها أولاً: تتحرى، فإن وقع تحريها على طهر تعطى حكم الطاهرات، وإن كان على حيض تعطى حكمه. لأن غلبة الظن من الأدلة الشرعية عند تعذر اليقين.
ثانياً: إذا لم يمكنها التحري اغتسلت لكل صلاة على الصحيح.
وقيل: لوقت كل صلاة.
وتصلي المكتوبات، والواجبات، والسنن المؤكدة، ولا تصلي ولا تصوم تطوعاً
(1)
، ولا تقرأ شيئاً من القرآن خارج الصلاة، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، وأما الصوم فإنها تصوم كل شهر رمضان؛ لاحتمال طهارتها كل يوم، وتعيد بعد رمضان عشرين يوماً، ووجه كون القضاء عشرين يوماً، فإننا نعلم أن أكثر ما أفسد من صيامها عشرة أيام، وهو أكثر الحيض، وإنما لم يجزها صيام عشرة أيام، ولا بد من عشرين حتى تخرج من العهدة بيقين، لأننا نخشى أن يوافق ابتداء حيضها ابتداء القضاء فلا يجزيها صومها في عشرة أيام فإذا
(1)
فرق الحنفية بين الصلاة إذا كانت من السنن المؤكدة فتصليها المستحاضة، وبين غيرها من السنن فلا تصليها، قالوا إن السنن المؤكدة شرعت جبراً لنقصان يمكن في الفرض، فيكون حكمها حكم الفرائض. انظر حاشية ابن عابدين (1/ 288).
صامت عشرين يوماً خرجت مما عليها من القضاء بيقين
(1)
.
القول الثاني: المذهب الشافعي:
مذهب الشافعية في المرأة المستحاضة الناسية لعدد الحيض ووقتها لهم فيها قولان:
الأول: حكمها حكم المبتدأة. وقد علينا مذهبهم في المبتدأة، وأن لهم فيها قولين:
قيل: تجلس يوماً وليلة.
وقيل: تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً.
القول الثاني: وهو المشهور من مذهبهم: وجوب الاحتياط، والاحتياط أن لا يعتبر لها حيض ولا طهر بيقين.
فيحرم الوطء، ومس المصحف، والقراءة في غير الصلاة، وتصلي الفرائض أبداً، وكذا النفل في الأصح، وتغتسل لكل فرض.
وأما كيف تصوم المتحيرة بالعدد والوقت:
فقالوا: يجب أن تصوم شهر رمضان، وشهراً آخر كاملاً معه، فيحصل لها من كل شهر أربعة عشر يوماً .. فيكون مجموع ما صامته من الشهرين ثمانية وعشرين يوماً .. لأن غاية ما يفسده الحيض من كل شهر ستة عشر يوماً، وذلك أن الحيض لا يمكن أن يزيد على خمسة عشر يوماً، وقد يطرأ الحيض في أثناء يوم،
(1)
البحر الرائق (1/ 221، 220)، المبسوط (3/ 193)، شرح ابن عابدين (1/ 286 - 287).
وينقطع في أثناء يوم فيكون مجموع ما فسد عليها ستة عشر يوماً
…
ويبقى عليها يومان حتى تصوم شهراً كاملاً بيقين.
وحتى تصومهما بيقين، يجب أن تضاعفهما، وتضم إليهما يومين فيصير مجموع ما تصوم ستة أيام .. وكيفية صيام هذه الستة، قالوا: حتى يحصل لها يومان بيقين، يجب أن تصوم ثلاثة أيام،، ثم تفطر اثني عشر يوماً، فالمجموع خمسة عشر يوماً، ثم تصوم السادس عشر والسابع عشر، والثامن عشر، فيحصل لها اليومان يقيناً؛ لأن الحيض إن طرأ في أثناء اليوم الأول من صومها، انقطع في أثناء السادس عشر، فيحصل لها صيام اليومين بعده، أو طرأ في اليوم الثاني انقطع في السابع عشر، فيحصل لها صيام اليوم الأول والأخير، أو طرأ في اليوم الثالث فيحصل اليومان الأولان، أو طرأ في اليوم السادس عشر انقطع في اليوم الأول، فيحصل لها الثاني والثالث، وهكذا لا بد أن يحصل لها يومان بيقين، هذا فيما يتعلق بالصيام.
وأما الصلاة فإنها تلزمها الصلوات الخمس أبداً، هذا لا خلاف فيه عند الشافعية؛ لأن كل وقت يحتمل طهرها، فمقتضى الاحتياط وجوب الصلاة.
قال النووي: ظاهر نص الشافعي أنه لا يجب؛ لأنه نص على وجوب قضاء الصوم، ولم يذكر قضاء الصلاة.
والتعليل لعدم وجوب القضاء أن المستحاضة المتحيرة إن كانت حائضاً فلا صلاة عليها، وإن كانت طاهراً فقد صلت.
واختار بعض الشافعية وجوب قضاء الصلاة كالصيام، لجواز انقطاع
الحيض في أثناء الصلاة، أو بعدها في الوقت، وعللوا ذلك بأنه مقتضى الاحتياط، والشافعي كما لم يذكر القضاء لم ينفه، ومقتضى مذهبه الوجوب.
وأجاب القائلون بعدم القضاء بأنه لا يلزم المتحيرة كل ممكن لأنه يؤدي إلى حرج شديد، والشريعة تحط عن المكلف أموراً بدون هذا الضرر والدليل على أنه لا يلزمها كل ممكن أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، ولا تقعد إلى اليأس.
وأما الغسل.
قال النووي: أن علمت وقت انقطاع الحيض، بأن قالت: أعلم أن حيضتي كانت تنقطع مع غروب الشمس، لزمها الغسل كل يوم مع غروب الشمس، وليس عليها في اليوم والليل غسل سواه وتصلي بذلك الغسل المغرب، وتتوضأ لما سواه من الصلوات، لأن الانقطاع عند كل مغرب محتمل، ولا يحتمل فيما سواه، وإن لم تعلم وقت انقطاعه لزمها أن تغتسل لكل فريضة لاحتمال الانقطاع قبلها.
الدليل على هذا العنت والتشديد.
قال النووي: قال أصحابنا: وإنما أمرت بالاحتياط، لأنه اختلط حيضها بغيره وتعذر التمييز بصفة أو عادة، أو مرد كمرد المبتدأة، ولا يمكن جعلها طاهراً أبداً في كل شيء، ولا حائضاً أبداً في كل شيء، فتعين الاحتياط، ومن الاحتياط تحريم وطئها أبداً، ووجوب العبادات كالصوم، والصلاة، والطواف، والغسل لكل فريضة وغير ذلك
(1)
.
(1)
المجموع (2/ 458) وما بعدها، مغني المحتاج (1/ 116 - 117)، نهاية المحتاج
قلت: ينبغي أن تكون المستحاضة أولى بالتخفيف من غيرها، لأن المريض أولى بالعذر من الصحيح، ولا أعلم حرجاً في الشرع كإيجاب صيام شهرين وإيجاب الصلاة ثم إيجاب قضائها، وتحريم الوطء أبداً، وتحريم قراءة القرآن في غير الصلاة، إلى غيرها من الأمور التي تؤدي إلى تبغيض عبادة الله إلى عباد الله، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} .
القول الثالث: المذهب الحنبلي:
في المرأة إذا نسيت عددها ووقتها تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً.
فإن عرفت ابتداء الدم، بأن علمت أن الدم كان يأتيها في أول النصف الأخير من الشهر، فهو أول دورها، فتجلس منه، وإن جهلت كون موضعها في شيء من ذلك فإنها تجلس غالب الحيض من أول كل شهر هلالي كمبتدأة.
واستدلوا بحديث حمنة بنت جحش فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
"تحيضي ستة أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي وصلي أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة، وأيامها وصومي" فقدم حيضها على الطهر، ثم أمرها بالصلاة، والصوم إلى بقية الشهر.
وقيل: تتحرى وهو وجه في المذهب، فأي وقت أداها الجلوس فيه جلسته سواء كان ذلك الوقت من أول الشهر أو وسطه أو آخره
(1)
.
(1/ 346) وما بعدها.
(1)
كشاف القناع (1/ 210) الفروع (1/ 275) شرح منتهى الإرادات (1/ 117 - 118)
الراجح في المستحاضة عموماً.
أن يقال إذا أطبق الدم على المرأة وصارت مستحاضة نظر.
فإن كانت مبتدأة .. عملت بالتمييز إن كانت تميز دم الحيض من دم الاستحاضة، بأن ترى بعضه أسود وبعضه أحمر؛ لأن التمييز علامة ظاهرة واضحة.
فإن كان على صفة واحدة فإن لم يمكن التحري رجعت إلى عادة النساء من أقاربها: من أم، وأخت، وعمة، وخالة. فإن اختلفت عادتهن فالاعتبار بالغالب منهن، فإن لم يوجد غالب في النساء القريبات تحرت واجتهدت فإن لم تستطع فغالب النساء في بلدتها
…
وإن كانت المرأة معتادة قدمنا العادة على التمييز فجلست عادتها.
وإن كانت المرأة لا عادة لها، فإن كان لها تمييز عملت به.
وإن كانت لا تمييز لها رجعت إلى عادة النساء القريبات، فإن اختلفت تحرت، فإن لم تستطع فالاعتبار بغالب النساء عموماً.
الممتع شرح المقنع - التنوخي (1/ 293 - 294) الإنصاف (1/ 367).