المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف العلماء من حديث حذيفة وحديث ابن مسعود: - موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط ٢ - جـ ٨

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامس: حكم الخلع في زمن الحيض

- ‌تعريف الخلع:

- ‌خلاف العلماء في جواز الخلع

- ‌الفصل السادس: خلاف العلماء في خلع الحائض

- ‌دليل من قال: إن الخلع طلاق مطلقاً نوي أو لم ينو

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌أدلة القائلين بأن الخلع فسخ

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال الخلع فسخ إلا إن نوى به الطلاق

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الباب السابع: في أحكام الاستحاضة

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستحاضة

- ‌تعريف الاستحاضة لغة:

- ‌تعريف الاستحاضة في الاصطلاح:

- ‌تعريف المالكية:

- ‌تعريف الشافعية:

- ‌تعريف الحنابلة:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:

- ‌تعريف الاستحاضة في الطب:

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌الفصل الأول: في حكم المستحاضة إذا كانت مبتدأة

- ‌المبحث الأول: تعريف المبتدأة، ومتى تكون مستحاضة

- ‌المبحث الثاني: خلاف العلماء في المستحاضة المبتدأة

- ‌الفرع الأول: خلاف العلماء في المستحاضة المبتدأة إذا كانت مميزة

- ‌دليل الحنفية: بأنها تجلس عشرة أيام فقط

- ‌دليل الجمهور على العمل بالتمييز

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل أبي يوسف على وجوب الاغتسال بعد ثلاثة أيام وتصوم وتقضي

- ‌الفرع الثاني: خلاف العلماء في المستحاضة المبتدأة إذا كانت غير مميزة

- ‌دليل من قال تجلس عشرة أيام

- ‌دليل من قال: تجلس خمسة عشر يوماً

- ‌دليل من قال: تقعد أيام لداتها

- ‌دليل من قال: تقعد أيام لداتها ثم تستظهر بثلاثة أيام

- ‌دليل من قال: تجلس يوماً وليلة

- ‌دليل من قال تجلس ستة أيام أو سبعة أيام غالب عادة النساء

- ‌الفصل الثاني: خلاف العلماء في تقدير طهر المستحاضة

- ‌دليل من قدر الحيض والطهر في الشهر مرة واحدة

- ‌دليل من قدر طهر المستحاضة بستة عشر يوماً

- ‌دليل من قدر طهر المستحاضة بثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين يوماً

- ‌دليل المالكية على أن الطهر يستمر إلى إقبال دم جديد غير الدم الذي كان عليها

- ‌الفصل الثالث: في المستحاضة المعتادة

- ‌المبحث الأول: خلاف العلماء في المستحاضة المعتادة المميزة

- ‌دليل من قال: تعمل المستحاضة بالعادة دون التمييز

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الأول

- ‌دليل من قال: تعمل بالتمييز ولا عبرة بالعادة

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل المالكية على أنها إذا كانت مميزة جلست منه قدر عادتها، وإن لم تكن مميزة فهي طاهر أبداً

- ‌المبحث الثاني: خلاف العلماء في المستحاضة المعتادة غير المميزة

- ‌دليل الجمهور على اعتبار العادة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال: تجلس عادتها وتستظهر بثلاثة أيام

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني

- ‌دليل من قال: تقعد المستحاضة المعتادة خمسة عشر يوماً:

- ‌الفصل الرابع: في المرأة المستحاضة المتحيرة

- ‌المبحث الأول: خلاف العلماء في المستحاضة المتحيرة بالعدد

- ‌المبحث الثاني: خلاف العلماء في المستحاضة المتحيرة بالوقت فقط

- ‌المبحث الثالث: خلاف العلماء في المستحاضة المتحيرة الناسية لعددها ووقتها

- ‌الفصل الخامس: في طهارة المستحاضة

- ‌المبحث الأول: في خلاف العلماء في وجوب الوضوء من دم الاستحاضة

- ‌دليل القائلين بوجوب الوضوء لكل صلاة

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل القائلين بوجوب الوضوء لوقت كل صلاة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل الشافعية على وجوب الوضوء لكل فريضة دون النافلة

- ‌أدلة المالكية على استحباب الوضوء للمستحاضة وأنه غير واجب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌أدلة الشافعية والحنابلة على وجوب غسل الفرج

- ‌أدلة الحنفية على أنه لا يجب الاستنجاء ومنه غسل الفرج من دم الاستحاضة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الأدلة على وجوب التلجم والتحفظ

- ‌الدليل الأول:

- ‌[الدليل الثاني]

- ‌الفصل السادس: خلاف العلماء في وجوب الغسل على المستحاضة

- ‌أدلة من قال يجب عليها الغسل لكل صلاة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌أدلة من قال تغتسل لكل صلاتين مجموعتين وتغتسل للفجر غسلاً واحداً

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل من قال: تغتسل في كل يوم غسلاً واحداً

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال: تغتسل من الظهر إلى الظهر

- ‌الفصل السابع: خلاف العلماء في وطء المستحاضة

- ‌أدلة الجمهور على جواز وطء المستحاضة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌دليل من منع وطء المستحاضة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال بالكراهة:

- ‌الباب الثامن: في أحكام النفاس

- ‌تمهيد

- ‌تعريف النفاس:

- ‌تعريف النفاس عند الأطباء

- ‌الفصل الأول: بأي شيء يثبت حكم النفاس

- ‌تعليل من قال: يثبت النفاس إذا تبين فيه خلق إنسان

- ‌تعليل من قال: إذا وضعت علقة

- ‌تعليل من قال: إذا وضعت مضغة

- ‌تعليل من قال: إذا وضعت لأربعة أشهر فهو نفاس وإلا فلا:

- ‌الفصل الثاني: في أحكام السقط

- ‌المبحث الأول: في أسباب الإسقاط

- ‌المبحث الثاني: في الحكم التكليفي للإسقاط

- ‌الفرع الأول: في إسقاط الجنين بعد نفخ الروح

- ‌الأدلة على تحريم الإسقاط بعد نفخ الروح

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل على أن نفخ الروح يكون بمد تمام أربعة أشهر

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفرع الثاني: حكم الإسقاط قبل نفخ الروح

- ‌أدلة القائلين بتحريم إسقاط النطفة

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل من أباح إسقاط النطفة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل التخلق

- ‌دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل أن ينفخ فيه الروح

- ‌الفرع الثالث: في حكم الإسقاط للضرورة بعد نفخ الروح

- ‌أدلة القائلين: لا يجوز إسقاط الجنين

- ‌دليل القائلين بجواز إسقاط الجنين إنقاذاً لأمه

- ‌المبحث الثالث: متى يبدأ الجنين بالتخلق

- ‌رأي الطب في العلقة:

- ‌رأي الطب في معنى مخلقة وغير مخلقة

- ‌موقف العلماء من حديث حذيفة وحديث ابن مسعود:

- ‌الفصل الثالث: في خلاف العلماء في الدم مع الولادة

- ‌دليل من لم يعتبره نفاساً

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال بأنه دم نفاس

- ‌التعليل الأول:

- ‌التعليل الثاني:

- ‌دليل من اشترط خروج أكثر الولد

- ‌الفصل الرابع: في خلاف العلماء في الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة

- ‌أدلة الجمهور على أن الدم قبل الولادة لا يعتبر نفاساً

- ‌دليل الحنابلة على أن الدم قبل الولادة بيوم أو يومين نفاس

- ‌الفصل الخامس: في النقاء المتخلل بين الدمين في مدة النفاس

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌القول الرابع:

- ‌القول الخامس:

- ‌الفصل السادس: إذا ولدت المرأة ولم تر دماً

- ‌دليل من قال: يجب عليها الغسل

- ‌دليل من قال: لا يجب الغسل

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل السابع: في جماع المرأة النفساء إذا طهرت قبل الأربعين

- ‌دليل الجمهور على إباحة الوطء

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل الحنابلة على كراهة الوطء

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل من قال: يحرم الوطء

- ‌الفصل الثامن: خلاف العلماء في أقل النفاس

- ‌أدلة الجمهور على أن النفاس لا حد لأقله

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌أدلة القائلين بأن أقل النفاس ثلاثة أيام

- ‌أدلة القائلين بأن أقله يوم

- ‌أدلة القائلين بأن أقله أربعة أيام

- ‌الفصل التاسع: في خلاف العلماء في أكثر النفاس

- ‌أدلة من قال: أكثر النفاس أربعون

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌أدلة القائلين بأن أكثر النفاس ستون

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌دليل من قال لا حد لأكثر النفاس

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌رأي الطب في أكثر النفاس

- ‌الفصل العاشر: إذا وضعت المرأة توأمين فالنفاس من أيهما

- ‌دليل من قال: ابتداء النفاس من الأول

- ‌دليل من قال: ابتداء النفاس من الولد الثاني

- ‌دليل من قال: ابتداؤه من الأول وتستأنف المدة من الثاني

- ‌الفصل الحادي عشر: في الأحكام المترتبة على النفاس

- ‌فصل: في سجود التلاوة والشكر للحائض

- ‌دليل الجمهور على اشتراط الطهارة

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال: لا تشترط الطهارة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌أدلة من قال بوجوب الطهارة

- ‌دليل من لم يشترط الطهارة

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌موقف العلماء من حديث حذيفة وحديث ابن مسعود:

‌موقف العلماء من حديث حذيفة وحديث ابن مسعود:

إما الترجيح وإما الجمع:

قال القاضي عياض وغيره: ليس هو على ظاهره، يعني حديث حذيفة، ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصويرها. إلخ أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر؛ لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة اهـ

(1)

.

قال ابن الصلاح: "أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن أسيد، إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه، وإما لكونه لم يره ملتئماً مع حديث ابن مسعود، وحديث ابن مسعود لا شك في صحته، وأما مسلم فأخرجهما معاً، فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما بأن يحمل إرسال الملك على التعدد، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية، فصورها، فإن ظاهر حديث ابن مسعود أن التصوير إنما يقع بعد أن تصير مضغة، فيحمل الأول على أن المراد أنه يصورها لفظاً وكتابة، لا فعلاً، أي يذكر كيفية تصويرها، ويكتبها، بدليل أن جعلها ذكراً

إلا أن سماع دقات القلب بوسائلنا العادية لا يكون قبل الأسبوع 22 من الحمل، وكذا تتشكل العينان، والأذنان والأنف، والشفتان، وبراعم الأسنان، وبعض العضلات، وتكون اليدان قصيرتين، والساقان أقصر، إلا أنها واضحت المعالم، وهكذا تصورت وتخلقت المضغة، وهذا ما أثبته الحديث الشريف الصحيح، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إلىها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم يقول: أي رب ذكر أم أنثى؟ اهـ.

(1)

نقلاً من الديباج على صحيح مسلم (6/ 8).

ص: 272

أو أنثى إنما يكون عند المضغة.

وقال ابن حجر متعقباً: "وقد نوزع في أن التصوير حقيقة إنما يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية، وتمييز الذكر من الأنثى، فعلى هذا فيحتمل أن يقال: أول ما يبتديء به الملك تصوير ذلك لفظاً وكتباً، ثم يشرع فيه فعلاً عند استكمال العلقة، ففي بعض الأجنة يتقدم ذلك، وفي بعضها يتأخر، ويكون بقي في حديث حذيفة أنه ذكر العظم واللحم، وذلك لا يكون إلا بعد أربعين العلقة

(1)

، فيقوي ما قاله عياض ومن تبعه"

(2)

.

قال ابن القيم في التبيان: فإن قيل: قد ذكرتم أن تعلق الروح بالجنين إنما يكون بعد الأربعين الثالثة، وإن خلق الجنين يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، وبينتم أن كلام الأطباء لا يناقض ما أخبر به الوحي من ذلك. فما تصنعون بحديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

يدخل الملك في النطفة بعد أن تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، أي رب، ذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله، وأثره، وأجله، ورزقه، ثم يطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص.

(1)

الثابت طبياً خلافه كما شرحت من قبل.

(2)

فتح الباري (11/ 592) ح 6594

ص: 273

قيل: نتلقاه بالقبول والتصديق، وترك التحريف، ولا ينافي ما ذكرناه إذ غاية ما فيه أن التقدير وقع بعد الأربعين الثالثة، وكلاهما حق، قاله الصادق صلى الله عليه وسلم، وهذا تقدير بعد تقدير.

فالأول: تقدير عند انتقال النطفة إلى أول أطوار التخليق، التي هي أول مراتب الإنسان. وأما قبل ذلك فلم يتعلق بها التخليق.

والتقدير الثاني: تقدير عند كمال خلقه ونفخ الروح، فذلك تقدير عند أول خلقه وتصويره، وهذا تقدير عند تمام خلقه وتصويره، وهذا أحسن من جواب من قال: إن المراد بهذه الأربعين التي في حديث حذيفة الأربعين الثالثة، وهذا بعيد جداً من لفظ الحديث، ولفظه يأباه كل الإباء، فتأمله.

فإن قيل فما تصنعون بحديثه الآخر الذي في صحيح مسلم،

(511)

فقد روى مسلم، حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبر في عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول:

الشقي من شقى في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره. فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً، فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب

ص: 274

أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص

(1)

.

وفي لفظ آخر في الصحيح أيضاً: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين، يقول: إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها، فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ أسوي أم غير سوي؟ ثم يقول: يا رب ما رزقه؟ وما أجله؟ وما خلقه؟ ثم يجعله الله عز وجل شقياً أم سعيداً.

وفي لفظ آخر في الصحيح أيضاً: "أن ملكاً موكلاً بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئاً بإذن الله لبضع وأربعين ليلة" ثم ذكر نحوه.

قيل: نتلقاه أيضاً بالتصديق والقبول، وترك التحريف وهذا يوافق ما أجمع عليه الأطباء من أن مبدأ التخليق والتصوير بعد الأربعين

(2)

.

فإن قيل: فكيف توفقون بين هذا، وبين حديث ابن مسعود، وهو صريح في أن النطفة: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين يوماً مضغة .. ومعلوم أن العلقة والمضغة لا صورة فيها، ولا جلد، ولا لحم، ولا عظم

وليس بنا حاجة إلى التوفيق بين حديثه هذا وبين قول الأطباء؛ فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقولهم عرضة للخطأ، ولكن الحاجة إلى التوفيق بين حديثه

(1)

مسلم (2645).

(2)

في كلام ابن القيم ما يشير إلى أنه في عهده كان إجماعاً من الأطباء على أن التصوير بعد الأربعين، وهذا ما فصله الطب الحديث بعد وصوله لعلم التصوير والتكبير. والله أعلم.

ص: 275

وحديث حذيفة المتقدم ..

قيل: لا تنافي بين الحديثين بحمد الله، وكلاهما خارج من مشكاة صادقة معصومة، وقد ظن طائفة أن التصوير في حديث حذيفة إنما هو بعد الأربعين الثالثة. وخطأ هذا ابن القيم، ثم قال: وظنت طائفة أن التصوير والتخليق في حديث حذيفة في التقدير والعلم، والذي في حديث ابن مسعود في الوجود الخارجي. والصواب يدل على أن الحد ما دل عليه الحديث من أن ذلك في الأربعين الثانية، ولكن هناك تصويران:

أحدهما: تصوير خفي، لا يظهر، وهو تصوير تقديري، كما تصور حين تفصل الثوب أو تنجر الباب: مواضع القطع، والفصل، فيعلم عليها، ويضع مواضع الفصل والوصل، وكذلك كل من يضع صورة في مادة لا سيما مثل هذه الصورة .. ينشئ فيها التصوير والتخليق على التدريج شيئاً بعد شيء، لا وهلة واحدة كما يشاهد بالعيان في التخليق الظاهر في البيضة.

أحدهما تصوير وتخليق علمي، لم يخرج إلى الخارج.

الثانية: مبدأ تصوير خفي، يعجز الحس عن إدراكه.

الثالثة: تصوير يناله الحس، ولكنه لم يتم بعد.

الرابعة: تمام التصوير الذي ليس بعده إلا نفخ الروح.

فالمرتبة الألى علمية .. والثلاث الآخر عينية.

وهذا التصوير بعد التصوير، نظير التقدير بعد التقدير .. فالرب تعالى قدر مقادير الخلائق تقديراً عاماً قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف

ص: 276

سنة.

وهنا كتب الشقاوة والسعادة والأعمال والأرزاق والآجال.

والثاني تقدير بعد هذا، وهو أخص منه. وهو التقدير الواقع عند القبضتين حين قبض تبارك وتعالى أهل السعادة بيمينه، وقال: هؤلاء إلى الجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، وقبض أهل الشقاوة باليد الأخرى، وقال: هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون.

والثالث: تقدير بعد هذا، وهو أخص منه عندما يمنى به، كما في حديث حذيفة بن أسيد المذكور.

والرابع: تقدير آخر بعد هذا .. وهو عندما يتم خلقه وينفخ فيه الروح، كما صرح به الحديث الذي قبله يعني: حديث ابن مسعود -

(1)

.

وفي الفتح: "وقال بعضهم يحتمل أن يكون الملك عند انتهاء الأربعين الأولى يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء بحسب الأعضاء، أو يقسم بعضها إلى جلد، وبعضها إلى لحم، وبعضها إلى عظم، فيقدر ذلك كله قبل وجوده، ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية، ويتكامل في الأربعين الثالثة.

وقال بعضهم: معنى حديث ابن مسعود أن النطفة يغلب عليها وصف المني في الأربعين الأولى، ووصف العلقة في الأربعين الثانية، ووصف المضغة في الأربعين الثالثة، ولا ينافي ذلك أن يتقدم تصويره.

(2)

(1)

التبيان في أقسام القرآن (ص: 345)

(2)

فتح الباري (11/ 592)6594.

ص: 277

وذهب بعضهم إلى أن قوله: مخلقة وغير مخلقة صفة للنطفة، وليست للمضغة، روي ذلك عن ابن مسعود بسند صحيح، رواه ابن جرير الطبري عنه.

(512)

فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة،

عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكاً، فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دماً، وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفتها ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟، قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، قال: فينطلق الملك، فينسخها، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها

(1)

.

هذا ما تيسر لي جمعه من أقوال أهل العلم في الجمع بين حديث ابن مسعود، وحديث حذيفة. والله أعلم.

(1)

والحديث وإن كان رجاله ثقات إلا أنه شاذ لمخالفته ما في الصحيحين، وقد سبق بيان المخالفة.

ص: 278