الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره، فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره
(1)
.
قال القرطبي: "فاستخرج منه علقة" أي قطعة دم. والعلقة: الدم.
رأي الطب في العلقة:
" اتفق الأطباء على أن العلقة هي المرحلة التي تعلق فيها النطفة الأمشاج (التوتة) بجدار الرحم، وتنشب فيه"
(2)
.
فيكون على هذا تسميتها علقة لكونها عالقة بجدار الرحم، وهذا التفسير له وجه في اللغة، جاء في تاج العروس:
العلوق: ما يعلق بالإنسان.
العَلَق: كل ما عُلَّق.
وأيضاً الطين الذي يعلق باليد.
والعلق: دويبة: وهي دويدة حمراء تكون في الماء تعلق في البدن
فقوله: تعلق في البدن إشارة إلى المناسبة من تسميتها علقة.
وعلقت الدابة: شربت الماء فعلقت بها العلقة. كما في الصحاح: أي لزمتها، وقيل: تعلقت بها.
وعُلِقَ: نشب العلق في حلقه عند الشراب.
(1)
رواه مسلم (261 - 162).
(2)
خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 204).
العلائق من الصيد: ما علق الحبل برجلها
(1)
.
يقول الدكتور محمَّد البار: فلفظ العلقة يطلق على كل ما ينشب ويعلق .. وكذلك تفعل العلقة إذ تنشب في جدار الرحم، وتنغرز فيه .. وتكون العلقة محاطة بالدم من كل جهاتها، وإذا عرفنا أن حجم العلقة عند انغرازها لا يزيد على مليمتر أدركنا على الفور لماذا أصر المفسرون القدامى على أن العلقة هي الدم الغليظ
…
فالعلقة لا تكاد ترى بالعين المجردة، وهي مع ذلك محاطة بالدم من كل جهاتها، فتفسير العلقة بالدم الغليظ ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة
(2)
، ولم يبعد بذلك المفسرون القدامى عن الحقيقة كثيراً، فالعالقة بجدار الرحم، والتي لا تكاد ترى بالعين المجردة محاطة بدم غليظ يراه كل ذي عينين.
وينتهي الدكتور إلى أن العلقة تنشب في الرحم وتعلق فيه في اليوم السابع من التلقيح بعد أن تكون أن تكون انقسمت الخلايا فيها، وصارت مثل الكرة تماماً أو مثل ثمرة التوتة، وقد فصلت القول فيها فيما سبق
(3)
.
الطور الرابع: المضغة.
اختلفوا في معنى المضغة:
(1)
انظر تاج العروس (13/ 344 - 354)، مختار الصحاح (ص: 189).
(2)
لا يظهر لي أن تفسير العلماء ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة، بل ناتج عن استعمال أحد معاني الكلمة، فالعلقة باللغة تطلق على الدم، وتطلق على ما يعلق، فالمفسرون اختاروا أحد معاني الكلمة، ولم يطلق المفسرون على هذا التفسير، فقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير المسمى علم التفسير: وقيل: سميت علقة لرطوبتها، وتعلقها بما تمر به" وقد نقله الدكتور البار في كتابه فيما سبق.
(3)
خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 205 - 206).
فقيل: هي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل،
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. الحديث
(1)
.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}
(2)
.
قال ابن كثير: "إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يوماً كذلك، يضاف إليها ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يوماً، ثم تستحيل فتصير مضغة قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط، ثم يشرع في التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس، ويدان، وصدر وبطن، وفخذان، ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط، ولهذا قال تعالى {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}
(3)
أي كما تشاهدونها. {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
(4)
. أي وتارة تستقر في الرحم لا
(1)
رواه البخاري (52)، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. رواه مسلم (1599).
(2)
الحج، آية:5.
(3)
الحج، آية:5.
(4)
السورة والآية السابقة.
تلقيها المرأة، ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى:{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قال: هو السقط مخلوق، وغير مخلوق، فإذا مضى عليها أربعون يوماً وهي مضغة أرسل الله تعالى ملكاً فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء الله عز وجل من حسن وقبيح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد كما ثبت في الصحيحين. وذكر حديث ابن مسعود السابق
(1)
.
فنأخذ من هذا ما يلي
أولاً: أن النطفة حتى تكون مضغة تحتاج إلى ثمانين يوماً.
وثانياً: أن المضغة منها ما هو مخلق أي قد ظهر فيه تخطيط، وتصوير، ومنها ما هو غير مخلق. أي ليس فيه تصوير. فمعنى ذلك أن الأربعين الأولى وهي مرحلة النطفة، والأربعين الثانية، وهي مرحلة العلقة لا تخطيط فيها، إنما التخطيط في مرحلة المضغة، وهي من بعد الثمانين. ولذلك قال سبحانه وتعالى {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}
(2)
. فجعل خلق العظام وكسوها باللحم يعقب المضغة، وعبر بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، أي ليس هناك تراخ طويل. وهو مقتضى حديث ابن مسعود في الصحيحين، حيث قال:"ثم يكون مضغة مثل ذلك: أربعين يوماً، ثم قال: "ثم ينفخ فيه الروح" وواضح أنه لا ينفخ فيه الروح إلا وقد أصبح بشراً سوياً، كما قال تعالى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} إذاً في الأربعين الثالثة هي مرحلة التخليق والتصوير الذي يسبق نفخ
(1)
تفسير ابن كثير (5/ 395).
(2)
المؤمنون، آية:14.
الروح. والله أعلم
(1)
القول الثاني: في معنى المخلقة.
ذهب بعض العلماء إلى أن قوله: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} هي من صفة النطفة، قال: ومعنى ذلك: فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة مخلقة وغير مخلقة، فقالوا: فأما المخلقة فما كان من خلق سويٍ، وأما غير المخلقة فما دفعته الأرحام من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقاً.
(508)
روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكاً، فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دماً، وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفة هذه النطفة؟، أذكر أم أنثى؟، ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟، قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، قال: فينطلق الملك، فينسخها، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.
[رجاله كلهم ثقات، ومثله لا يقال بالرأي، إلا أنه مخالف لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود المرفوع]
(2)
.
(1)
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (12/ 9) في معنى "مخلقة" إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة والعلقة والمضغة مخلقة؛ لأن الكل خلق الله تعالى، وإن رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال تعالى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} فذلك ما قال ابن زيد وقد ساق قوله قبل: وهو المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير المخلقة التي لم يخلق فيها شيء.
(2)
رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (24922)، وهذا الأثر على خلاف ما جاء في
القول الثالث:
ومنها أن المخلقة: هي ما ولد حياً. وغير المخلقة: هي ما كان من سقط: يعني سواء كان مخلقاً أو غير مخلق ..
وممن روي عنه هذا القول ابن عباس رضي الله عنهما، وقال صاحب الدر المنثور: أخرجه عنه ابن أبي حاتم، وصححه ونقله عنه القرطبي. وأنشد لذلك قول الشاعر.
أفي غير المخلقة البكاء
…
فأين الحزم ويحك والحياء
(1)
.
القول الرابع: معنى مخلقة: أي تامة، وغير مخلقة غير تامة.
حكاه ابن جرير الطبري بإسناده من طريقين عن قتادة.
قال الشنقيطي في تفسير معنى: تامة وغير تامة، قال والمراد بهذا القول عند قائله أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة سالم من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك. فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم، وطولهم، وقصرهم، وتمامهم ونقصانهم. اهـ فيكون معنى غير مخلقة: ليس السقط، ولكن معناه: أي غير سالم من العيوب: الخَلْقِية وغير الخلقية.
وممن روي عنه هذا القول قتادة كما نقله عنه ابن جرير وغيره، وعزاه الرازي لقتادة والضحاك
(2)
.
الصحيحين من حديث ابن مسعود، وما جاء في حديث مسلم من حديث حذيفة بأن الله يأمر الملك أن يكتب، ولا يحيله إلى أم الكتاب. والله أعلم.
(1)
أضواء البيان (5/ 21).
(2)
أضواء البيان (5/ 21).
القول الخامس: في معنى مخلقة وغير مخلقة.
معنى ذلك المضغة مصورة إنساناً، وغير مصورة، فإذا صورت فهي مخلقة، وإذا لم تصور فهي غير مخلقة: وهو السقط.
ذكر ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره من ثلاثة طرق، عن مجاهد، وحكاه عن عامر الشعبي، وعن أبي العالية
(1)
.
والفرق بينه وبين القول الأول: يتفقان أن كلا منهما كان سقطاً، إلا أن القول الأول حده بالنطفة إذا سقطت، وهذا لم يقيده، فهذا القول أعم منه. والله أعلم.
روجح ابن جرير هذا القول، فقال: وأولى الأقول بالصواب قول من قال: المخلقة: المصورة خلقاً تاماً، وغير المخلقة: السقط قبل تمام خلقه؛ لأن المخلقة وغير المخلقة من نعت المضغة، والنطفة بعد مصيرها مضغة لم يبق لها حتى تصير خلقاً سوياً إلا التصوير، وذلك هو المراد من قوله {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}
(2)
. خلقاً سوياً، وغير مخلقة بأن تلقيه الأم مضغة، ولا تصوير، ولا ينفخ فيها الروح
(3)
.
ورد هذا الشنقيطي رحمه الله، فقال: هذا القول الذي اختاره الإِمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، لا يظهر صوابه، وفي نفس الآية الكريمة قرينة تدل على ذلك، وهي قوله جل وعلا في أول الآية
(1)
تفسير الطبري (9/ 111، 110).
(2)
الحج، آية:5.
(3)
المرجع السابق.
{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} ولأنه على القول المذكور الذي اختاره الطبري يصير المعنى: ثم خلقناكم من مضغة مخلقة وخلقناكم من مضغة غير مخلقة، وخطاب الناس بأن الله خلق بعضهم من مضغة غير مصورة فيه من التناقض كما ترى فافهم.
فإن قيل: في نفس الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بغير المخلقة: السقط؛ لأن قوله {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
(1)
يفهم منه أن هناك قسماً آخر لا يقره الله في الأرحام إلى ذلك الأجل المسمى، وهو السقط. فالجواب: أنه لا يتعين فهم السقط من الآية؛ لأن الله يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره إلى أجل مسمى، فقد يقره ستة أشهر، وقد يقره تسعة، وقد يقره أكثر من ذلك كيف يشاء. أما السقط فقد دلت الآية على أنه غير مراد بدليل قوله {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} الآية لأن السقط الذي تلقيه أمه ميتاً ولو بعد التشكيل والتخطيط لم يخلق الله منه إنساناً واحداً من المخاطبين بقوله {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآية. فظاهر القرآن يقتضي أن كلاً من المخلقة وغير المخلقة يخلق منه بعض المخاطبين، بقوله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية
(2)
. وبذلك تعلم أن أولى الأقوال بالآية هو القول الذي لا تناقض فيه؛ لأن القرآن أنزل ليصدق بعضه بعضاً، لا ليتناقض بعضه مع بعض، وذلك هو القول الذي قدمنا عن قتادة والضحاك، وقد اقتصر عليه الزمخشري في
(1)
الحج، آية:5.
(2)
الحج، آية:5.