الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي عشر: في الأحكام المترتبة على النفاس
قال ابن قدامة: وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها، لا نعلم في هذا خلافاً، وكذلك تحريم وطئها، وحل مباشرتها، والاستمتاع بما دون الفرج منها، والخلاف في الكفارة بوطئها
(1)
.
وقال في المهذب: "ودم النفاس يحرم ما يحرمه الحيض، ويسقط ما يسقطه الحيض؛ لأنه حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل، فكان حكمه حكم الحيض
(2)
.
وقال في المعونة: وجميع ما ذكرناه من الظواهر - يعني من أحكام الحيض - وإن كان النص فيها متناولاً للحيض وحده، فإن النفاس ملحق به بالإجماع؛ لأن أحداً لم يفرق بينهما في هذه الأحكام، أو بالقياس، وهو أنه دم خارج من الفرج، لا يكون إلا مع البلوغ
(3)
.
وقال ابن رجب: ودم النفاس حكمه حكم دم الحيض، فيما يحرمه ويسقطه، وقد حكى الإجماع غير واحد من العلماء، منهم ابن جرير وغيره
(4)
.
وقال صاحب المجموع، وصاحب نيل المآرب يزيد بعضهم على بعض، قالا: والنفاس كحيض، فيما يحرم: كصلاة وصوم ووطء في فرج، وطلاق.
(1)
المغني (1/ 432).
(2)
المجموع (2/ 535).
(3)
المعونة (1/ 187).
(4)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 187).
وفيما يجب: كغسل،، وقضاء صوم، وكفارة بوطء فيه.
وفيما يسقط: كقضاء الصلاة، وطواف الوداع.
وفيما يحل: كاستمتاع بما دون فرج.
وفيما يمنع: صحة الصلاة، والصوم، والطواف، والاعتكاف، والغسل
(1)
.
وقال ابن حزم: "ودم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض، هذا لا خلاف فيه من أحد، حاشا الطواف بالبيت، فإن النفساء تطوف به؛ لأن النهي ورد في الحائض، ولم يرد في النفساء، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
(2)
، ثم استدركنا فرأينا أن النفاس حيض صحيح، وحكمه حكم الحيض في كل شيء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: أنفست؟ قالت: نعم. فسمى الحيض نفاساً، وكذلك الغسل منه واجب بإجماع"
(3)
.
فيجب على النفساء الاغتسال إذا طهرت.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن على النفاس الاغتسال عند خروجها من النفاس. اهـ
(4)
.
ومنها سقوط الصلاة عن النفساء.
لا تجب الصلاة على النفساء، ولا قضاء عليها، قال ابن حزم: "وأما
(1)
المجموع (2/ 536)، ونيل المآرب (1/ 112).
(2)
مريم، آية:64.
(3)
المحلى (مسألة: 261).
(4)
الأوسط (2/ 248).
الحائض والنفساء وإسقاط القضاء عنهما، فإجماع متيقن"
(1)
وقال النووي: حكى البغوي والمتولي وجهاً أنها لو شربت دواء ليسقط الجنين ميتاً، فأسقطته ميتاً وجب عليها قضاء صلوات أيام النفاس؛ لأنها عاصية. والأصح الأشهر أنه لا يجب
(2)
.
ومنه سقوط الصيام عن النفساء، ووجوب القضاء عليها.
ومنها صحة إحرام النفساء.
(528)
فقد روى مسلم رحمه الله، في صحيحه، فقال: حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه فامرها أن تغتسل، وتهل
(3)
.
قال ابن رجب: فيه دليل أن حكم النفاس حكم الحيض في الإهلال بالحج.
ويرى ابن حزم: وجوب الغسل للإحرام على النفساء.
قال رحمه الله: "والنفساء والحائض شيء واحد، فأيتهما أرادت الحج أو
(1)
المحلى (مسألة: 277).
(2)
المجموع (2/ 537).
(3)
صحيح مسلم (1210).
العمرة ففرض عليها أن تغتسل، ثم تهل"
(1)
.
وقال أيضاً: "الغسل عند الإحرام نستحبه للرجال والنساء، وليس فرضاً إلا على النفساء"
(2)
.
والصحيح أنه مستحب منها كغيرها.
ومنها صحة دخول النفساء المسجد
قال ابن حزم: جائز للحائض والنفساء أن يدخلا المسجد، وكذلك الجنب، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: المؤمن لا ينجس. وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم جماعة كثيرة، ولا شك في أن فيهم من يحتلم، فما نهوا قط عن ذلك
(3)
.
قلت: حكم النفساء حكم الحائض، وقد فصلت الخلاف في الحائض في باب عبادات الحائض، فارجع إليه إن شئت.
ومنه طهارة بدن النفساء
قال النووي بعد أن دلل على طهارة الآدمي، قال:"فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهران، سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء وهذا كله بإجماع المسلمين"
(4)
.
(1)
المحلى (مسألة: 184).
(2)
المحلى (مسألة: 824).
(3)
المحلى (مسألة 262).
(4)
شرح النووي لصحيح مسلم (4/ 89) ح 372.
صحة عقد النكاح على النفساء كالحائض
قال ابن حزم: جائز للحائض والنفساء أن يتزوجا
(1)
.
القول في كفارة وطء النفساء، كالحائض
قال ابن قدامة: النفساء كالحائض في كفارة الوطء في الحيض؛ لأنها تساويها في سائر أحكامها
(2)
.
ومنها تحريم طلاق النفساء،
قال النووي في المجموع: يحرم على الزوج طلاقها - يعني النفساء
(3)
.
وقال ابن حزم: "الطلاق في النفساء كالطلاق في الحيض"
(4)
.
وخالف في ذلك الحنفية.
قال ابن عابدين في حاشيته في الفروق بين الحيض والاستحاضة، فذكر منها:"وأنه لا يحصل به الفصل بين طلاق السنة والبدعة"
(5)
.
والراجح أن الطلاق حال النفاس لا يجوز، لأنه لا فرق بينهما وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم الحيض نفاساً كما مر معنا.
ومنها حكم الصفرة والكدرة في النفاس حكمه في الحيض
(1)
المحلى (مسألة: 262).
(2)
المغني، بتصرف يسير (1/ 419).
(3)
المجموع (2/ 536).
(4)
المحلى (مسألة: 1953).
(5)
حاشية ابن عابدين (1/ 299).
قال النووي: والصفرة والكدرة في النفاس كهي في الحيض، وفاقا وخلافاً، ثم قال: وقطع الماوردي: بأنها نفاس قطعاً؛ لأن الولادة شاهد للنفاس، بخلاف الحيض.
(1)
وتفترق النفساء عن الحائض في الأحكام الآتية:
الأول: الحيض دليل على بلوغ المرأة، والنفاس لا يكون دليلاً عليه؛ لأن المرأة لا تحمل إلا وقد حاضت.
الثاني: الاعتداد، وذلك أن انقضاء العدة بالقروء، والنفاس ليس بقرء. فإن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه، لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع فإنها تحتاج إلى ثلاث حيض ما خلا النفاس
(2)
.
الثالث: لا يحتسب النفاس في مدة الإيلاء. وهو المشهور من مذهب الشافعية
(3)
والمشهور عند الحنابلة
(4)
.
والإيلاء: أن يحلف الرجل على ترك جماع امرأته مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا حلف وطالبت الزوجة بحقها في الجماع ضرب له مدة أربعة أشهر، فإذا
(1)
الروضة (1/ 179).
(2)
انظر البناية (1/ 634)، حاشية ابن عابدين (1/ 299)، حاشية الدسوقي (1/ 175)، مغني المحتاج (1/ 120)، المجموع (2/ 536)، كشاف القناع (1/ 199)، المبدع (2/ 262).
(3)
المجموع (2/ 536)، مغني المحتاج (1/ 120).
(4)
كشاف القناع (1/ 199)، نيل المآرب (1/ 112)، المغني (1/ 432)، المبدع (8/ 22)، الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 247).
أنتهت خير بين الجماع أو الفراق بطلب الزوجة، فإذا مر بالمرأة نفاس لم يحسب على الزوج من الأربعة أشهر. وعللوا ذلك بأنه ليس بمعتاد، بخلاف الحيض فإنه يحسب من المدة باعتباره معتاداً، ولأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر، فيؤدي عدم احتسابه إلى إسقاط حكم الإيلاء
(1)
.
وقيل: يحتسب النفاس في مدة الإيلاء كالحيض، وعللوا ذلك بأن النفاس مثل الحيض في سائر الأحكام فكذلك في هذه المسألة. وهو وجه في مذهب الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
الرابع: قيل: النفاس يقطع التتابع في صوم الكفارة، بخلاف الحيض فإنه لا يقطعها. وهو مذهب الحنفية
(4)
، ووجه في مذهب الشافعية
(5)
، والحنابلة
(6)
.
ووجهه: قالوا: إنه فطرٌ أمكن التحرز منه، ولا يتكرر في العام، أشبه الفطر لغير عذر، ولا يصح قياسه على الحيض؛ لأنه أندر منه.
وقيل: النفاس كالحيض لا يقطع التتابع. وهو أصح الوجهين عند
(1)
كشاف القناع (1/ 199)، المبدع (8/ 22).
(2)
المجموع (2/ 536)، روضة الطالبين (8/ 253).
(3)
المبدع (8/ 22)، الكافي (3/ 247)
(4)
حاشية ابن عابدين (1/ 299)
(5)
المجموع (2/ 536)، روضة الطالبين (8/ 302).
(6)
المبدع (8/ 61).
الشافعية
(1)
والحنابلة
(2)
.
قال ابن مفلح الصغير: "أجمع أهل العلم، ونص عليه أحمد على أن الصائمة متتابعاً إذا حاضت قبل إتمامه، تقضي إذا طهرت وتبني؛ لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس، والنفاس كالحيض لأن أحكامهما واحدة
(3)
.
الخامس: أن أقل الحيض محدود عند الجمهور. ولا حد لأقل النفاس عندهم. والراجح أنه لا فرق بين الحيض والنفاس في هذه المسألة، كما بيناها في ثنايا البحث.
السادس: في المشهور عند الحنابلة إذا طهرت قبل تمام عادتها جاز لزوجها جماعها من غير كراهة، وأما في النفاس إذا طهرت قبل أربعين يوماً فإنه يكره لزوجها جماعها، وهو من مفردات مذهب أحمد، والجمهور على جوازه بلا كراهة، وهو الراجح، وقد فصلت القول في أدلة هذه المسألة فيما سبق.
وذكر ابن عابدين فى حاشيته سبعة فروق بعضها قد ذكرناه، وبعضها مرجوح.
فقال: وحكمه - يعني النفاس - إلا في سبعة: البلوغ، والاستبراء والعدة، وأنه لا حد لأقله، وأن أكثره أربعون يوماً، وأنه يقطع التتابع في صوم الكفارة،
(1)
روضة الطالبين (8/ 302)، المجموع (2/ 536).
(2)
الكافي (3/ 269)، المبدع (8/ 61).
(3)
المبدع (8/ 61).
وأنه لا يحصل به الفصل بين طلاق السنة والبدعة. اهـ
ويقصد في الاستبراء ما قاله ابن عابدين: وصورته في الاستبراء إذا اشترى جارية حاملاً، فقبضها، ووضعت عنده ولداً، وبقي ولد آخر في بطنها، فالدم الذي بين الولدين نفاس، ولا يحصل الاستبراء إلا بوضع الولد الثاني. اهـ.