الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: متى يبدأ الجنين بالتخلق
متى يبدأ الجنين بالتخلق.
ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله المراحل التي يمر بها الجنين.
(1)
.
(2)
.
(3)
.
(1)
المؤمنون آية: 14، 13، 12.
(2)
الحج، آية:5.
(3)
الزمر، آية:6.
فقوله سبحانه: خلقاً من بعد خلق إشارة إلى الأطوار التي يمر بها الجنين.
(1)
.
وقال سبحانه وتعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}
(2)
.
وقال {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}
(3)
.
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى}
(4)
.
(505)
وأما السنة، فقد روى البخاري، حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش عن زيد بن وهب: قال عبد الله: حدثنا رسول الله - وهو الصادق المصدوق - قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة
(5)
.
(1)
غافر، آية:67.
(2)
الإنسان، آية:2.
(3)
العلق، آية:2.
(4)
القيامة: آية: 38، 37.
(5)
البخاري (3208)، ومسلم (2643).
(506)
وروى مسلم، حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه، أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقى في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص
(1)
.
(1)
مسلم (2645). قال القاضي عياض وغيره: ليس هو على ظاهره، ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصويرها .... الخ أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر؛ لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة اهـ. كما في الديباج على صحيح مسلم (6/ 8). يقصد حديث ابن مسعود إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً
…
الخ
ولا يظهر لي جمع القاضي عياض، بل قد اطلعت على كتاب يصور مراحل الجنين، وكان يكبر العلقة، والمضغة عشرات المرات فكان يظهر فيها تخطيط، وحدود للجمجمة والأعضاء إلا أنه لا يتبين أنه خلق آدمي، وإنما هو خلق بدائي، فربما التخلق الذي في حديث حذيفة هو التخلق الخفي الذي لا يظهر بالعين المجردة وإنما عن طريق التكبير عشرات المرات،
وسوف يكون كلامنا في تناول هذه الآيات، والحديثين.
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى أطوار خلق الإنسان، فبين أن ابتداء خلقه من تراب، فالتراب هو الطور الأول.
والطور الثاني: هو النطفة.
والنطفة في اللغة: هو الماء القليل. ومنه قول الشاعر
وما عليك إذا أخبرتني دنفاً
…
وغاب بعلك يوماً أن تعوديني
وتجعلي نطفة في القعب باردة
…
وتغمسي فاك فيها ثم تسقيني
فقوله: وتجعلي نطفة: أي ماء قليلاً في القعب، والمراد بالنطفة في هذه الآية الكريمة: نطفة المني المختلطة من ماء الرجل، وماء المرأة خلافاً لمن زعم أنها من ماء الرجل وحده.
قال الزبيدي في تاج العروس: في التنزيل {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} قال الفراء: الأمشاج: هي الأخلاط: ماء الرجل، وماء المرأة، والدم والعلقة
(1)
.
والمقصود في حديث ابن مسعود هو التخلق الجلي الذي يظهر لكل الناس. والله أعلم. ثم وجدت من كلام أهل العلم ما يؤيد هذا، قال ابن القيم كما في فتح الباري: قوله "ثم تكون علقة مثل ذلك" فإن العلقة وإن كانت قطعة دم لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني، ويظهر التخطط فيها ظهوراً خفياً على التدريج، ثم يتصلب في الأربعين يوماً بتزايد ذلك التخلق شيئاً فشيئاً حتى يصير مضغة مخلفة ويظهر للحس ظهوراً لا خفاء به، وعند تمام الأربعين الثالثة والطعن في الأربعين الرابعة ينفخ فيه الروح.
(1)
ونقل البخاري هذا الكلام في صحيحه في تفسير سورة الإنسان (8/ 884) غير منسوب، وأوضح ابن حجر أن هذا الكلام للفراء. والله أعلم
وقال ابن السكيت: الأمشاج: الأخلاط. يريد النطفة؛ لأنها ممتزجة من أنواع، ولذلك يولد الإنسان ذا طبائع مختلفة
(1)
.
(1)
تاج العروس (3/ 487). وذكر ابن جرير الطبري في تفسيره (12/ 354 - 356): أربعة معان للنطفة الأمشاج، ورجح أن تكون الأمشاج بمعنى الأخلاط.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره
وقوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة. والنطفة: كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة أو غير ذلك كما قال عبد الله بن رواحة:
. . . . . . . . . . . .
…
هل أنت إلا نطفة في شنه
وقوله (أمشاج) يعني أخلاط، واحدها: مشج، ومشيج، مثل خدن وخدين ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يطرحن كل معجل نشاج
…
لم يكس جلدا في دم أمشاج
يقال منه: مشجت هذا بهذا إذا خلطه به، وهو ممشوج به ومشيج أي مخلوط به، كما قال أبو ذؤيب:
كأن الريش والفوقين منه
…
خلال النصل سيط به مشيج
واختلف أهل التأويل في معنى الأمشاج الذي عنى بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة
ذُكْرُ من قال ذلك:
(35742)
حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني عن عكرمة: أمشاج نبتليه، قال: ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر.
(35743)
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن عكرمة، قال: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان.
(35744)
قال ثنا أبو أسامة، قال: ثنا زكريا، عن عطية، عن ابن عباس، قال: ماء المرأة وماء الرجل يمشجان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(35746) قال ثنا عبد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس قال: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج.
(35747)
قال ثنا أبو أسامة، قال: ثنا المبارك، عن الحسن، قال: مشج ماء المرأة مع ماء الرجل.
(35748)
قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة وقد قال الله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى.
(35749)
قال: ثنا عبيد الله قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: خلق من تارات ماء الرجل وماء المرأة.
القول الثاني: قال آخرون: إنما عني بذلك إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة ثم عظما ثم كسي لحما.
ذُكْرُ من قال ذلك.
(35750)
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قوله إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه الأمشاج: خلق من ألوان خلق من تراب، ثم من ماء الفرج والرحم: وهي النطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما ثم أنشأه خلقاً آخر فهو ذلك.
(35751)
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية: أمشاج قال: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة ثم عظما.
القول الثالث: وقال آخرون عني بذلك اختلاف ألوان النطفة
ذِكْرُ من قال ذلك
(35755)
حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله أمشاج نبتليه يقول مختلفة الألوان
(35756)
حدثنا أبو هشام قال ثنا يحيى بن يمان قال ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألوان النطفة
القول الرابع: قال آخرون بل هي العروق التي تكون في النطفة
ذُكْرُ من قال ذلك.
وقال الشنقيطي: قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}
(1)
. ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة؛ بدليل قوله تعالى
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}
(2)
أي أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة
(3)
.
(35760) حدثنا أبو كريب وأبو هشام، قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه، عن عبد الله قال: أمشاجها عروقها.
(35761)
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا أسامة بن زيد، عن أبيه قال: هي العروق التي تكون في النطفة.
وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال معنى ذلك من نطفة أمشاج نطفة الرجل ونطفة المرأة لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج وهي إذا انتقلت فصارت علقة فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة وأما الذين قالوا إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة وأحسب أن الذين قالوا هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى. وانظر هذه الأقوال أيضاً في تفسير أبي السعود (9/ 70)، وتفسير السيوطي (8/ 368)، وتفسير القرطبي (19/ 120)، وزاد المسير (8/ 428).
(1)
النحل، آية:4.
(2)
الإنسان، آية:2.
(3)
يقول د. محمد علي البار في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 185 - 192): "لم تكن البشرية تعرف شيئاً عن النطفة الأمشاج - يقصد عن طريق علومها التجريبية - (وهي الأخلاط من الذكر والأنثى) فقد كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة والأطباء أن الجنين الإنساني إنما يتكون من ماء الرجل، وإن رحم المرأة ليس إلا محضناً لذلك
وقال صاحب الدر المنثور بعد ذكر بعض الروايات في تفسير الأمشاج بالأخلاط من ماء الرجل وماء المرأة. وأخرج الطستي عن ابن عباس: أن نافع ابن الأزرق
(1)
.، قال: أخبرني عن قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} قال: أخلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول:
كأن الريش والفوقين منه
…
خلال النصل خالطه مشيج
ونسب في اللسان هذا البيت لزهير بن حرام الهذلي، وأنشده هكذا:
كأن النصل والفوقين منها
…
خلال الريش سيط به مشيج
الجنين، وشبهوا ذلك بالبذرة ترمى في الأرض فتأخذ منها غذاءها، وتخرج شجرة يافعة وارفة الظلال يانعة الثمار، وليس للمرأة دور في إيجاد الجنين سوى رعايته وتغذيته ..
ثم ذكر نظريات الناس حول إيجاد الجنين من وقت ارسطو إلى القرن التاسع عشر، وقال بعد عرضها لها:
وهكذا يبدو بوضوح أن الإنسانية لم تعرف بواسطة علومها التجريبية أن الجنين الإنساني أو الحيواني يتكون من امتشاج واختلاط نطفة الذكر ونطفة الأنثى إلا في القرن التاسع عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في القرن العشرين، والاعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أنهما قد أكدا بما لا يدع مجالاً للشك أن الإنسان إنما خلق من نطفة مختلطة سماها النطفة الأمشاج {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} .
(1)
نافع بن الأزرق الحروري، له ترجمة في لسان الميزان (6/ 144)، وقال: ذكره الجوزجاني في كتاب الضعفاء. وكان نافع من رؤوس الخوارج، وإليه تنسب الطائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أوائل دولة يزيد بن معاوية، وكان قتله في جمادى الآخرة، سنة خمس وستين، وكان يطلب العلم وله أسئلة عن ابن عباس، في جزء من روايته عن نافع المذكور، وأخرج الطبراني بعضها في مسند ابن عباس من المعجم الكبير.
حتى قال: إذا عرفت معنى ذلك، فاعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب: وهو ماء الرجل. ومنه ما هو خارج من الترائب، وهو ماء المرأة
(1)
، وذلك في قوله جل وعلا:
(2)
. لأن المراد بالصلب: صلب الرجل، وهو ظهره. والمراد:
(1)
يقول د. محمد علي البار في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 120 - 122): الماء الذي يخرج من فرج المرأة لا علاقة له بتكوين الجنين؛ لأن الجنين إنما يتكون من الحيوان المنوي للرجل، وبويضة المرأة، ولكن العلم الحديث بكشف شيئاً مذهلاً:
إن الحيوان المنوي يحمله ماء دافق: هو ماء المني.
كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة جراف، محاطة بالماء، فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء على أقتاب البطن، وتلقفت أهداب البوق (قناة فالوب) البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم، حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج.
مما تقدم، أن للمرأة نوعين من الماء:
أولهما: ماء لزج، يسيل ولا يتدفق، وهو ماء المهبل، وليس له علاقة في تكوين الجنين سوى مساعدته في الإيلاج، وفي ترطيب المهبل، وتنظيفه من الجراثيم والميكروبات.
وثانيهما: ماء يتدافق، وهو يخرج مرة واحدة في الشهر حويصلة جراف بالمبيض عندما تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر - وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: أن ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر - من حافة المبيض، فتنفجر عند تمام نموها وكماله، فتندلق المياه على أقتاب البطن، ويتلقف البوق، البويضة، فيدفعها دفعاً رقيقاً حتى تلتقي بالحيوان المنوي الذي يلقحها في الثلث الوحشي من قناة الرحم.
هذا الماء يحمل البويضة تماماً كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية. كلاهما يتدفق، وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب: ماء دافق يحمل الحيوانات المنوية.
وماء دافق من حويصلة إجراف بالمبيض يحمل البويضة. وصدق الله العظيم حيث يقول: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .
(2)
الطارق، آية: 5 - 7.
بالترائب: ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها
(1)
. ومنه قول امرئ القيس:
(1)
اختلف في الترائب: هل المراد بها ترائب المرأة، أم المراد بها ترائب الرجل، والعلم الطبي يؤكد أن المراد بها ترائب الرجل والمرأة.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 158): "ولا خلاف أن المراد بالصلب: صلب الرجل. واختلف في الترائب:
فقيل: المراد بها ترائبه أيضاً. وهي عظام الصدر: ما بين الترقوة إلى الثندوة.
وقيل: المراد بها ترائب المرأة. قال ابن القيم: والأول: أظهر؛ لأنه سبحانه وتعالى قال {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ولم يقل: يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجاً من بين هذين الملتقين، كما قال في اللبن:{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} . وذكر نحو هذا في التبيان في أقسام القرآن (ص: 102 - 103).
وذكر القرطبي في تفسيره، والثعالبي في تفسيره (4/ 402): عن الحسن البصري بأنه يخرج من صلب الرجل وترائبه، وصلب المرأة وترائبها.
يقول د. محمد البار: الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه، والصلب: هو العمود الفقري. والترائب: هي الأضلاع. وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط: أي بين الصلب والترائب، ثم تنزل الخصية تدريجياً حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج الجسم) في أواخر الشهر السابع من الحمل، وبينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة، ولا ينزل أسفل من ذلك".
ثم يقول الدكتور وفقه الله: والآية الكريمة إعجاز علمي كامل حيث تقول: من بين الصلب والترائب، ولم تقل من الصلب والترائب، فكلمة (بين) ليست بلاغة فحسب، وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية، وقد أخطأ كثير من المفسرين القدامى حيث لم يهتموا بهذه اللفظة، وقالوا: إن المني يخرج من صلب الرجل، وماء المرأة يكون في ترائبها، وهذا خطأ علمي، وخطأ منهجي؛ حيث لم يعطوا الآية حقها فحذفوا كلمة (بين) ولذا وقعوا في الخطأ، والذي أوجب لهم هذا الخطأ أنهم رأوا أهل اللغة قالوا: الترائب: موضع القلادة من الصدر. قال الزجاج: أهل اللغة مجمعون على ذلك، وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة، بل يطلق على الرجل والمرأة. قال الجوهري: الترائب عظام الصدر، ما بين الترقوة إلى الثندوة
مهفهفة بيضاء غير مفاضة
…
ترائبها مصقولة كالسجنجل
واستشهد ابن عباس لنافع الأزرق على أن الترئب موضع القلادة يقول المخبل أو ابن أبي ربيعة
والزعفران على ترائبها
…
شرقاً به اللبات والبحر
فقوله هنا من بين الصلب والترائب يدل على أن الأمشاج هي الأخلاط المذكورة
(1)
.
أما رأي الطب: في النطفة الأمشاج:
يذكر الأطباء أنه فور دخول الحيوان المنوي البويضة، يأخذ الحيوان المنوي طريقه إلى الطبقة الشفافة، فيفرز إنزيم الأكروزين (ACROSIN) الذي يساعد على اختراق هذه الطبقة (15 - 25) دقيقة، بعدها يخترق الغشاء البلازيمي للبويضة في دقيقة واحدة، وينطلق رأس الحيوان المنوي صوب نواة البويضة، وينتفخ رأس الحيوان المنوي، وتصبح المادة الوراثية لكل من الأب والأم واضحة في النواة بعد (2 - 4) ساعات من الاقتحام، ولا يمكن التمييز بينهما حينئذ. وتسمى هذه النطفة التي تنشأ عن اختلاط نواتي البويضة والحيوان المنوي بالأمشاج، وذلك لأن الأمشاج يعني: الاختلاط
(2)
.
...... الخ كلامه وفقه الله انظر كتابه الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 113 - 119).
(1)
أضواء البيان (3/ 213).
(2)
بتصرف، الآيات العجاب في رحلة الإنجاب (ص: 84). وانظر بتوسع كتاب الإنسان هذا الكائن العجيب (1/ 101)، ويذكر المؤلف أن البويضة قلما تعيش أكثر من 36 ساعة بعد خروجها من المبيض، ونطفة الرجل تحتاج من 7 - 30 ساعة للوصول إلى البويضة
الطور الثالث: العلقة.
وهي القطعة من العلق، وهو الدم الجامد. فقوله سبحانه {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} أي قطعة دم جامدة
(1)
.
وقال الزبيدي: العلق: الدم عامة ما كان. أو هو الشديد الحمرة، أو الغليظ. أو الجامد قبل أن ييبس. قال تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}
(2)
. وفي حديث سرية بني سليم: فإذا الطير ترميهم بالعلق. أي بقطع الدم.
وفي التنزيل {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً}
(3)
وفي حديث ابن أبي أوفى: "أنه بزق علقة، ثم مضى في صلاته"
(4)
.
(507)
وروى مسلم، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني،
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في
لتلقيحها. وانظر روعة الخلق (ص: 50).
(1)
انظر تفسير أبي السعود (6/ 126، 93)، وتفسير الطبرى، سورة المؤمنون (. . .)، وتفسير القرطبي (12/ 6)، (20/ 119)، وتفسير ابن كثير (3/ 241)، وأضواء البيان (5/ 21)، وانظر مختار الصحاح (ص: 189).
(2)
العلق، آية:2.
(3)
المؤمنون، آية:14.
(4)
تاج العروس (13/ 344) وحديث سرية بني سليم، وابن أبي أوفى لم أقف عليهما مسندين، وقد ذكرهما ابن الأثير في النهاية (3/ 288). والله أعلم.