الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة
لا شك أن هناك فرقاً بين دم الحيض ودم الاستحاضة، لأن الشارع فرق بينهما في الأحكام، ولو كانا متماثلين لما فرق بينهما وسوف أسوق في هذا الفصل الفرق بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة سواء من خلال الأحاديث المرفوعة إن أمكن، أو من كلام أهل الفقه.
فالشرع صرح بأن الاستحاضة دم عرق .. إشارة إلى أن ذلك كالنزيف من هذا العرق الذي انفجر.
أما الحيض فهو دم جبلة وطبيعة، والحيض في نظر الأطباء وأهل الاختصاص بأنه ينزل من الغشاء المبطن لجدار الرحم في حالة عدم حدوث إخصاب للبويضة فبعد خروج البويضة من المبيض، يتأهب الغشاء المبطن لجدار الرحم، ويستعد لاستقبال وغرس البويضة الملقحة، فإذا لم يحدث جماع يؤدي إلى إخصاب البويضة، ينهدم هذا الغشاء، وينزل على شكل دم، ولهذا أطلق على دم الحيض، بأنه دموع الغشاء المبطن لجدار الرحم حزناً لما أصابه من خيبة أمل
(1)
.
ومن الفروق المحسوسة بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
الأول: اللون.
فدم الحيض دم يميل إلى السواد، ودم الاستحاضة أحمر يميل إلى الصفرة.
(1)
منقول من كتاب الحيض لإبراهيم الجمل (ص 13) نقله من مذكرات طبية للدكتور أحمد إسماعيل الجراح. بمستشفى أحمد ماهر بالقاهرة.
(447)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي
(1)
.
قال ابن رجب في شرحه للبخاري: وفي حديث عائشة ما يدل على أن دم الاستحاضة يتميز عن دم الحيض بلونه وصفرته
(2)
.
(448)
وروى ابن أبي شيبة
(3)
، قال: حدثنا إسماعيل بن عليه، عن خالد - يعني الحذاء - عن أنس بن سيرين قال: استحيضت امرأة من آل أنس، فأمروني
فسألت ابن عباس، فقال: أما ما رأت الدم البحراني، فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة من النهار فلتغتسل ولتصلي
(4)
.
[وسنده صحيح].
قال ابن الأثير: دم بحراني: شديدة الحمرة، كأنه نسب إلى البحر، وهو اسم قعر الرحم.
(1)
صحيح البخارى (2037).
(2)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 82)
(3)
المصنف (1/ 120) ح 1367.
(4)
ورواه الأثرم عن أحمد كما في شرح ابن رجب للبخاري (2/ 176) عن ابن علية به. ورواه الدارمي (800) أخبرنا محمد بن عيسى، ثنا ابن علية به.
وفي تاج العروس: دم بحراني: أي أسود، نسب إلى بحر الرحم، وهو عمقه. وقال قبل: البحر: عمق الرحم وقعرها، ومنه قيل للدم الخالص الحمرة بحراني
(1)
.
وقال ابن رجب: البحراني: هو الأحمر الذي يضرب إلى سواد
(2)
.
(449)
وروى أبو داود، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد - يعني: ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،
عن فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضيء وصلي
(3)
.
[الحديث إسناده منقطع، ومتنه منكر]
(4)
.
(1)
تاج العروس (6/ 35، 52).
(2)
شرح ابن رجب (2/ 176).
(3)
سنن أبى داود (304).
(4)
الحديث فيه اختلاف في إسناده ومتنه
…
أما الاختلاف في الإسناد
…
فقد قيل فيه: عن ابن شهاب عن عروة عن فاطمة.
وقيل: إن عروة لم يسمع من فاطمة.
وقيل: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، أن فاطمة فجعله من مسند عائشة.
ومدار هذين الاسنادين على محمد بن أبي عدي، عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب به.
ورجح بعضهم رواية ابن أبي عدي عن عروة عن فاطمة، لأنها في كتابه كذلك.
وقيل: عن ابن شهاب عن عروة عن أسماء بنت عميس، انفرد بها سهيل بن أبي صالح.
هذا الاختلاف في الإسناد، أما الاختلاف في المتن فإن حديث محمد بن عمرو انفرد على أن دم الحيض دم أسود
…
ومفهومه أن ما عدا الدم الأسود ليس بحيض، ولم يذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هذا جميع من رواه عن عروة في الصحيحين وغيرهما، كما أن الحديث صريح باعتبار التمييز لا العادة، وظاهر قصة فاطمة في الصحيحين أنه ردها إلى العادة، والقصة لا تحتمل التعدد، ومحمد ابن عمرو لا تحتمل مخالفته، ففد جاء في ترجمته:
قال ابن معين عنه: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له: وما علة ذلك؟
قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. الجرح والتعديل (8/ 30).
وقال الجوزجاني: ليس بقوي الحديث، ويشتهى حديثه. تهذيب الكمال (26/ 212)، وتهذيب التهذيب (9/ 333).
وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه، هو شيخ. الجرح والتعديل (8/ 30).
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطيء. الثقات (7/ 377).
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، يستضعف. الطبقات الكبرى (5/ 433).
وقال يعقوب بن شيبة: هو وسط، وإلى الضعف ما هو. تهذيب التهذيب (9/ 333).
وقال ابن عدي: له حديث صالح، وقد حدث عنه جماعة من الثقات، كل واحد منهم ينفرد عنه بنسخة، ويغرب بعضهم على بعض، وروى عنه مالك غير حديث في الموطأ وغيره، وأرجو أنه لا بأس به. الكامل - ابن عدي (6/ 224).
وقال علي: قلت ليحيى - يعني ابن القطان -: محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ قلت: لا: بل أشدد. قال: ليس هو ممن تريد، كان يقول حدثنا أشياخنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. قال يحيى: وسألت مالكاً عنه، فقال فيه نحو مما قلت لك. الكامل (6/ 224)، تهذيب الكمال (26/ 212).
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (9/ 333)
وقال في موضع آخر: ثقة. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق له أوهام.
وقوله: "إن دم الحيض دم أسود يعرف
…
" صريح أولاً بردها إلى التمييز.
وثانياً: أن ما عدا الدم الأسود ليس بحيض.
وقد جاء الحديث في الصحيحين ولم يذكر أحد منهم الدم الأسود وردها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عادتها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فروى البخاري (306) من طريق مالك عن هشام عن عروة عن عائشة قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة. فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي".
فقوله "فإذا ذهب قدرها" صريح باعتبار العادة
…
قال ابن رجب في شرح البخاري (2/ 58): "والأظهر - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ردها إلى العادة لا إلى التمييز، لقوله: "فإذا ذهب قدرها" اهـ.
ورواه البخاري (325): من طريق أبي أسامة عن هشام به بلفظ: "ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها".
ورواه أبو عوانة عن هشام به عند ابن حبان (1355): "تدع الصلاة أيامها".
ورواه البخاري (320) من طريق ابن عيينة عن هشام به بلفظ: "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي".
ورواه البخاري (331) من طريق زهير.
ورواه مسلم (333) من طريق وكيع عن هشام به بنفس اللفظ إلا أنه قال: "فاغسلي عنك الدم". وهذا الحديث علق الحكم بالإقبال والإدبار، فظاهر الحديث أنه يردها إلى التمييز، وهذا ما فهمه الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 539) ح 306 حيث قال:"والحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة، تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة" الخ كلامه رحمه الله.
والصحيح أنه محمول على ردها إلى العادة ولا تعارض بينه وبين ما سبق وقوله: "فإذا أقبلت" يعني: وقت الحيضة وزمنها، وقوله: "وإذا أدبرت: أي أدبر وقتها جمعاً بينهما، لأن في رواية أبي حمزة عن هشام به عند ابن حبان (1354): فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة عدد أيامك التي كنت تحيضين.
ففي هذه الرواية جمع بين قوله: "فإذا أقبل الحيض" وبين قوله: "فدعي الصلاة عدد أيامك" فلو كان يقصد من إقبال المحيض وإدباره التمييز، ما قال:"فدعي الصلاة عدد أيامك".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا واضح بين، فتبين من هذا التحرير أن حديث عروة عن عائشة في قصه استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش كما في الصحيحين ردها إلى العادة، بينما حديث محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة ردها إلى التمييز.
وثانياً: أن كل من روى الحديث في الصحيحين وفي غيرهما لم يذكر أحد منهم قوله: "إن دم الحيض دم أسود يعرف" إلا محمد بن عمرو، وهو ممن لا تحتمل مخالفته، ولهذا ضعف هذا الحديث بعض العلماء.
قال النسائي في السنن (1/ 123)، قد روى هذا الحديث غير واحد، ولم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عدي. اهـ يشير إلى إعلاله.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (117): سألت أبي .. وذكر الحديث فقال أبي: لم يتابع محمد ابن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر.
وقال ابن القطان في كتابه بيان الوهم والايهام (457): "وهو فيما أرى منقطع، وذلك أنه حديث انفرد بلفظه محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة، عن فاطمة أنها كانت تستحاض.
فهو على ذلك منقطع، لأنه قد حدث به مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه:"عن عائشة" فيما بين عروة وفاطمة فاتصل، فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة - أعني أنه يحدث به من حفظه مرسلاً ومن كتابه متصلاً - فأما هكذا فهو موضع نظر.
تخريج الحديث:
أخرجه أبو داود (304، 286)، ومن طريقه البيهقي في السنن (1/ 325).
وأخرجه النسائي (215) قالا: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن أبي عدي يعني:(من كتابه)، عن محمد - وهو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص - عن ابن شهاب، عن عروة ابن الزبير، عن فاطمة.
وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3/ 306)، والحاكم (1/ 174)، والدارقطني (1/ 325) كلهم من حديث محمد بن أبي عدي من كتابه عن محمد بن عمرو بن علقمة به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو داود (286)، والنسائي (363، 216)، والدارقطني (1/ 207) رقم 4.
وابن حبان (1348) من حديث ابن عدي من حفظه عن محمد بن عمرو، عن ابن
(450)
وروى الدارقطني، من طريق إبراهيم بن مهدي المصيصي، عن حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء، عن مكحول،
عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقل ما يكون المحيض عن الجارية البكر ثلاث، وأكثر ما يكون من المحيض عشرة أيام، فإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة، تقضي ما زاد على أيام أقرائها، ودم الحيض لا يكون إلا دماً أسود عبيطاً تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة رقيق تعلوه صفرة، فإن أكثر عليها في الصلاة فلتحتشي كرسفاً
…
الحديث
(1)
.
[وفيه العلاء بن كثير وهو متروك]
(2)
.
وقال أبو داود: وقال مكحول:
إن النساء لا يخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك، وصارت صفرة رقيقة، فإنها استحاضة، فلتغتسل ولتصلي
(3)
.
وساقه البيهقي مسنداً إلى أبي داود، ولم أقف على سنده إلى مكحول
(4)
.
(451)
وأخرجه الدارمي، قال: حدثنا حجاج بن نصير، ثنا قره، عن
شهاب، عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش.
وأما رواية سهل بن أبي صالح عن ابن شهاب عن عروة عن أسماء فسوف يأتي بيان الاختلاف فيها إن شاء الله في اغتسال المستحاضة.
(1)
سنن الدارقطني (1/ 218).
(2)
سبق تخريجه. انظر رقم (17).
(3)
رواه أبو داود بعد حديث (286).
(4)
سنن البيهقي (1/ 326).
الضحاك أن امرأة سألته فقالت:
إني امرأة استحاض؟ فقال: إذا رأيت دماً عبيطاً فأمسكي أيام أقرائك
(1)
.
[وسنده ضعيف من أجل حجاج].
الفارق الثاني: أن دم الحيض ثخين، ودم الاستحاضة رقيق.
قال الشافعي في الأم: "إذا كان الدم ينفصل، فيكون في أيام أحمر قانئاً ثخيناً محتدماً، وأيامٍ رقيقاً إلى الصفرة، أو رقيقاً إلى القلة، فأيام الدم الأحمر القاني المحتدم الثخين أيام الحيض، وأيام الدم الرقيق أيام استحاضة
(2)
.
قال المرداوي في الحاوي: المحتدم هو الحار المحترق، مأخوذ من قولهم: يوم محتدم، إذا كان شديد الحر، ساكن الريح
(3)
.
قلت: جاء في تاج العروس: احتدم فلان عليه غيظاً إذا تحرق، وكذا احتدم صدره: أي تغيظ وتحرق. وفي التهذيب: كل شيء التهب فقد احتدم. واحتدم الدم: اشتدت حمرته حتى يسود. اهـ
(4)
. وهذا موضع الشاهد.
فإذاً المقصود بالدم المحتدم إذا كان حاراً، وقد اشتدت حمرته حتى مال إلى السواد.
وقال الخرقي في مختصره كما في المغني: "فمن طبق بها الدم، فكانت ممن
(1)
سنن الدارمي (802).
(2)
الأم (1/ 61).
(3)
الحاوي (1/ 389).
(4)
تاج العروس (16/ 131).
تميز، فتعلم إقباله، بأنه أسود ثخين منتن، وإدباره رقيق أحمر، تركت الصلاة في إقباله، فإذا أدبر اغتسلت وتوضأت لكل صلاة وصلت"
(1)
.
ولا أعلم دليلاً على اعتبار كونه ثخيناً إلا أن يكون الاستدلال من حيث الواقع، أما شيء مرفوع فلا أعلم.
نعم جاء في كتب الأطباء ما يبين سبب ثخونة دم الحيض، وذلك أن دم الحيض ليس مجرد دم فقط، بل إن الدم ينزل ومعه قطع من الغشاء المبطن للرحم مفتتة
(2)
.
الفارق الثالث: الرائحة.
فدم الحيض منتن، كريه الرائحة، ودم الاستحاضة لا رائحة له.
وممن ذكر الرائحة فرقاً الشافعي كما في مختصر المزني،
(3)
والخرقي كما سقنا كلامه قبل قليل، وذكره ابن قدامة في المقنع
(4)
.
(1)
المغني (1/ 391).
(2)
يقول الدكتور البار في كتابه خلق الانسان بين الطب والقرآن (ص: 90): "وعند فحص دم الحيض بالمجهر فإننا نرى كرات الدم الحمراء والبيضاء وقطعاً من الغشاء المبطن للرحم". ويقول أيضاً (ص: 93): "وينزل دم الحيض محتوياً على قطع من الغشاء المبطن للرحم مفتتة".
(3)
(1/ 11).
(4)
انظر: المبدع (1/ 274). يقول الدكتور محمد البار في كتابه خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 91): "ولم أجد فيما لدي من كتب أمراض النساء شيئاً يذكر هذه الرائحة الخاصة .. فسألت بعض النسوة اللاتي يترددن على عيادتي: هل تجدن رائحة خاصة لدم الحيض فأجبن أن نعم" اهـ.
الفرق الرابع: التجمد.
فدم الحيض لا يتجمد إذا ظهر، لأنه تجمد في الرحم ثم انفجر وسال فلا يعود ثانية للتجمد، وأما دم الاستحاضة فإنه دم عرق إذا ظهر تجمد
(1)
.
فهذه أربعة فروق
…
اللون، الرقة، الرائحة، التجمد
…
ولم يأت مرفوعاً إلا التفريق باللون، ولم أقف على حديث مرفوع أو أثر موقوف على اعتبار ما عداه.
وحتى اللون لا يعتبر التمييز فيه فقط بالدم الأسود، بل ذكر صاحب مغني المحتاج: أن التمييز هو بين الدم القوي والضعيف، فقال: إن الأحمر ضعيف بالنسبة للأسود، وقوي بالنسبة للأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر، وما له رائحة كريهة أقوى مما لا رائحة له، والثخين أقوى من الرقيق، فالقوي هو الحيض وما عداه استحاضة
(2)
.
وهذا الكلام جيد؛ لأن دم الحيض ليس مقصوراً على الأسود فقط.
(452)
فقد روى مالك في الموطأ، قال: عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
(1)
يقول الدكتور البار نقلا عن الدكتور دوجالد بيرد في كتابه (المرجع في أمراض النساء والولادة)، يقول:"ودم الحيض لا يتجلط (يتجمد) ويمكن بقاؤه سنين طويلة على تلك الحالة دون أن يتجلط، فإذا ظهر دم متجلط (متجمد) أثناء الحيض فإن الحائض سرعان ما تعرف ذلك ويعتبر ذلك غير طبيعي". ويقول أيضاً: "وينزل لذلك دم الحيض لا يتجلط، ولو بقي سنيناً طوالاً، وذلك لأنه قد سبق تجلطه في الرحم، ثم أذيبت الجلطة بفعل خميرة (انزيم). انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 89 - 93).
(2)
مغني المحتاج (1/ 113)، وانظر روضة الطالبين (1/ 140).
كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين، بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة من دم الحيضة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.
[وإسناده حسن]
(1)
.
فإن كان هناك دليل على اعتبار التمييز في غير اللون، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً قبلته وإلا فيقتصر على التمييز باللون فقط، وهو رأي أبي المعالي، ذكره ابن مفلح في الفروع
(2)
، وابن مفلح الصغير في المبدع
(3)
.
قال النووي: والوجه الثاني: أن المعتبر في القوة اللون وحده، وادعى إمام الحرمين اتفاق الأصحاب على هذا الوجه. واقتصر عليه الغزالي. والصحيح عند الأصحاب الوجه الأول. اهـ
(4)
.
(1)
الموطأ (1/ 59).، وسبق تخريجه.
(2)
الفروع (1/ 274).
(3)
المبدع (1/ 275).
(4)
روضة الطالبين (1/ 141).