الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر توجه رسل السلطان إلى أشبيلية وما كان من خبرهم
كان الفنش «1» صاحب أشهيلية قد سير رسولا إلى السلطان اسمه دينار، وعلى يده هدية سنية ورسالة، مضمونها: استدعاء مودة السلطان، وذلك قبل هذا التاريخ. فسير السلطان إليه الآن رسلا، وهم: الأمير سيف الدين الجلدكى والأمير عز الدين أيبك الكبكى «2» ، والفقيه العدل (؟؟؟ «3» ) الدين الحسين ابن همام بن مرتضى، وعلى أيديهم هدية سنية وعقاقير. فتوجهوا من القاهرة فى العشر الآخر من شوال وتوجهوا إلى الإسكندرية، وتوجهوا منها فى البحر فى ذى القعدة، فوصلوا إلى سنقريس «4» ، فعوقهم صاحب برشنونة أياما ثم أفرج عنهم، فساروا حتى وصلوا إلى مرعش «5» ، وهى من جملة مملكة الفنش، فأعلم بوصلولهم فاستدعاهم، وكان يومئذ ببنطورية «6» فتوجهوا إليه، فكانوا كلما مروا ببلد خرج إليهم أهل البلد وتلقوهم بالأفراح، إلى أن وصلوا إلى بنطورية، فخرج جميع من بها من الخيالة والرجالة والتقوهم بظاهرها، ثم استدعاهم الملك بعد ثلاث وأكرمهم غاية الإكرام، واستحضرهم فى اليوم الثانى وأحضروا
الهدية، فاستبشر وطابت نفسه وقبلها، ثم جهز لهم مركبا ببرشنونة «1» فتوجهوا فى البر إليها، ثم ركبوا منها فى المركب فى آخر ذى الحجة، فوصلوا إلى الإسكندرية فى صفر سنة خمس وسبعين وستمائة.
ذكر اتصال الملك السعيد بابنة الأمير سيف الدين «2» قلاون
وفى هذه السنة: فى يوم الخميس ثانى عشر ذى الحجة، عقد نكاح الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان بن السلطان الملك الظاهر على [غازية خاتون] ابنة الأمير سيف الدين قلاون الألفى العلائى الصالحى. وكان العقد بالإيوان بقلعة الجبل على صداق مبلغه خمسة آلاف دينار، المعجل منه ألفا دينار، ومعاملة صرف الدينار ثلاثة عشر درهما وثلث درهم. وكان الوكيل عن الملك السعيد فى قبول النكاح، الأمير بدر الدين بيليك الخزندار نائب السلطنة، والوكيل عن الأمير سيف الدين قلاون، الأمير شمس الدين أقسنقر أستاد الدار العالية، بعد أن ثبت التوكيل فى المجلس عند قاضى القضاة صدر الدين سليمان الحنفى.
وجرى العقد بين الوكيلين بحضوره، وحضر السلطان والوزراء والقضاة والأكابر وأعيان الأمراء والمقدمين «3» . وكان الصدّاق بخط القاضى محيى الدين عبد الله ابن الشيخ رشيد الدين عبد الظاهر، وإنشائه، وقرأه فى المجلس، فخلع عليه وأعطى مائة دينار. ونسخه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
«الحمد لله موفق الآمال لأسعد حركة، ومصدق الفال لمن جعل عنده أعظم بركة، ومحقق الإقبال لمن أصبح بشبيه سلطانه وصهرة ملكه، الذى جعل للأولياء من لدنه سلطانا ونصيرا، وميز أقدارهم باصطفاء تأهيله حتى حاروا نعيما وملكا كبيرا، وأفرد فخارهم بتقربته حتى أفاد شمس آمالهم ضياء وزاد قمرها نورا، وشرف وصلتهم حتى أصبح فضل الله عليهم بها عظيما وأفضاله كثيرا، مهيىء أسباب التوفيق العاجلة والآجلة، وجاعل ربوع كل أملاك من الأفلاك «1» بالشموس والبدور والأهلة أهلة، جامع أطراف الفخار لذوى الإيثار حتى وصلت لهم النعمة الشاملة، وحلت عندهم البركة الكاملة.»
«نحمده على «2» [أن] أحسن عند الأولياء بالنعمة لاستيداع وأجمل لتأميلهم الاستطلاع، وكمّل لاختيارهم الأجناس من الغرر والأنواع «3» ، وآتى «4» آمالهم ما لم يكن فى حساب أحسابهم من الإبتداء بالتخويل والابتداع.»
«وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة حسنة الأوضاع ملية بتشريف الألسنة وتكريم الأسماع.»
«وبعد، فلو كان «1» إفضال كل شىء بحسب المتصل به فى تفضيله «2» لما استصلح البدر شيئا من المنازل لنزوله، ولا الغيث شيئا من الرياض لهطوله، ولا الذكر الحكيم لسانا من الألسنة لترتيله، ولا الجوهر الثمين شيئا من التيجان لحلوله، ولكن ليتشرف بيت يحل به القمر، ونبت يزوره المطر، ولسان يتعوذ بالآيات والسور، ونضار يتجمل باللآلىء والدرر. وكذلك تجمّلت برسول الله صلى الله عليه وسلم أصهاره من أصحابه، وتشرفت أنسابهم بأنسابه، تزوج صلى الله عليه وسلم منهم، وتمّت لهم به مزية الفخار حتى رضوا عن الله ورضى عنهم. والمرتب على هذه القاعدة إفاضة نور يستمده الوجود، وتقرير أمر يقارن سعد الأجنة «3» منه سعد السعود. وإظهار خطبة يقول الثريا لا نتظام عقودها كيف، وإبراز وصلة «4» يتجمل بترصيع جوهرها متن السيف، الذى يغطيه «5» [على] ايداع هذا الجوهر به كل سيف، ونسج صهارة يتم بها إن شاء الله تعالى كل أمر شديد، ويتفق بها كل توفيق، تخلق الأيام وهو جديد. ويختار لها أبرك طالع، وكيف لا تكون البركة فى ذلك الطالع وهو السعيد، وذلك أن المراحم الشّريفة
السلطانية أرادت أن تخص المجلس السامى الأمير- وذكر نعوته- بالإحسان المبتكر، وتفرده بالمواهب التى ترهف بها منه الحد المنتظر، وأن ترفع من قدره بالصّهارة، مثل ما رفعه صلى الله عليه وسلم من قدر صاحبيه أبى بكر وعمر، فخطب إليه أسعد البرية وأمنع من تحميها السيوف المشرفية، وأعزّ من تسبل عليها ستور العيون الخفية، وتضرب دونها خدور «1» الجلال الرضية، وتتجمل بنعوتها العقود. وكيف لا، وهى الدرة الألفية. فقال والدها الأمير المذكور:
هكذا ترفع الأقدار وتزان، وكذا يكون قران السعد وسعد القران. وما أسعد روضا أصبحت هذه المراحم الشريفة السلطانية له خميلة «2» ، وأشرف سيفا غدت منطقة بروج سمائها له خميلة، وما أعظمها معجزة آتت الأولياء من لدنها سلطانا، وزادتهم مع إيمانهم إيمانا، وما أفخرها صهارة يقول التوفيق لإبرامها: ليت، وأشرفها عبودية كرمت سلمانها بأن جعلته من أهل البيت. وإذ قد حصلت الاستخارة فى رفع قدر المملوك «3» ، وخصّصته بهذه المزية التى تقاصرت عنها أمال أكابر الملوك. فالأمر لمليك البسيطة فى رفع درجات عبيده كيف يشاء، والتصدق بما يتفوه به هذا الإنشاء، وهو:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
«هذا كتاب مبارك تحاسدت رماح الخط وأقلام الخطّ على تحريره، وتنافست مطالع النّوار ومشارق الأنوار على نظم سطوره، فأضاء نور الجلالة وأشرق،