الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وصول طائفة من التتار إلى البلاد الإسلامية وما فعلوه بحلب وتقدمهم إلى حمص وقتالهم وانهزامهم وما كان من خبر عودهم
وفى سنة تسع وخمسين وستمائة بلغ التتار أن الأمراء العزيزية والناصرية قد وقع بينهم اختلاف، فتجمعوا من كل جهة وعبروا الفرات، ولما بلغ الملك السعيد خبرهم وأنهم وصلوا إلى جهة البيرة جرد إليهم جماعة قليلة من العسكر الحلبى، وقدم عليهم سابق الدين أمير مجلس الناصرى، فنهاه الأمراء العزيزية والناصرية عن ذلك، واستقلوا العسكر المجرد، فلم يرجع إلى قولهم، وصمم على إرساله، فسار سابق الدين ومن معه حتى قاربوا البيرة، فصدمهم التتار، فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة، بعد أن قتل أكثر من معه. فكان ذلك من أكبر الأسباب التى أوجبت القبض على الملك السعيد، ثم توجه التتار إلى جهة حلب، فاندفع الأمير حسام الدين الجوكندار والعسكر الحلبى بين أيديهم إلى جهة حماة، ووصل التتار إلى حلب فى أواخر سنة ثمان وخمسين وستمائة وملكوها، وأخرجوا أهلها إلى قرنبيا، واسمها قديما مقر الأنبياء، فسماها العامة قرنبيا، فلما اجتمعوا بها بذل التتار فيهم السيف فقتلوا أكثرهم. وتقدم التتار إلى جهة حماة، ففارقها العسكر الحلبى وصاحبها الملك المنصور إلى حمص، واجتمعوا هم والملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب حمص، واتفقوا على قتال التتار، وانضم إليهم الأمير زامل بن على أمير العربان. ووصل التتار إلى حمص، والتقوا واقتتلوا فى يوم
الجمعة خامس المحرم من السنة «1» فانهزم التتار أقبح هزيمة، وقتل أبطالهم وشجعانهم، فاستشهد فيهم بقول الشاعر:
فإن كان أعجبكم عامكم
…
فعودوا إلى حمص فى قابل
فإن الحسام الصقيل «2» الذى
…
قتلتم به فى يد القاتل
وقد شاهد جماعة كثيرة فى هذه الواقعة طيورا كثيرة بيضاء تحوم حال القتال.
حكى عن الأمير بدر الدين محمد القيمرى قال: «والله، لقد رأيت بعينى طيورا بيضا وهى تضرب بأجنحتها فى وجوه التتار» . وقد ذكر ذلك جماعة كثيرة حتى بلغ حد التواتر، فما كان بأسرع من انهزام التتار.
قال المؤرخ:
ثم اجتمع من سلم من التتار ونزلوا بسلمية، وعادوا إلى حماة، ورحلوا عنها إلى أفامية، وكان قد وصل إلى أفامية الأمير سيف الدين الديبلى «3» الأشرفى ومعه جماعة فأقام بقلعتها وبقى بغير على التتار، فرحلوا عن أفامية وعادوا إلى حلب، فأخرجوا من بها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من ضعف عن الحركة واختفى خوفا على نفسه، ثم نادوا فيهم: من كان من أهل حلب فليعتزل. فلم يعلم الناس ما يراد بهم، فظن الغرباء النجاة لأهل حلب، وظن أهل حلب نجاة الغرباء،
فاعتزل بعض كل من الطائفتين مع الأخرى بحسب ما أدّى كل منهم اجتهاده، فلما تميز الفريقان أخذ التتار الغرباء وتوجهوا بهم إلى بابلى «1» فضربوا أعناقهم، وفيهم جماعة من أهل حلب وأقارب الملك الناصر، ثم أعادوا من بقى من أهل حلب إليها، وسلموا كل طائفة إلى رجل من الأكابر، ثم أحاطوا بالبلد ولم يمكنوا أحدا يدخل إليه ولا يخرج منه.
ثم فارق التتار حلب فى أوائل جمادى الأول سنة تسع وخمسين وستمائة وكان سبب رحيلهم عنها أن السلطان الملك الظاهر جرد فى العشر الأول من شهر ربيع الأول الأمير فخر الدين الطنبا الحمصى والأمير حسام الدين لاجين الجو كان دار «2» والأمير حسام الدين العين تابى «3» فى عسكر لدفع التتار عن حلب. فلما وصلوا إلى غزة أرسل فرنج عكا إلى التتار بخبرهم فرجعوا وفارقوا حلب.
ولما رحل التتار عن حلب تغلب عليها جماعة من أحداثها لخلوها من العسكر، منهم نجم الدين أبو عبد الله بن المنذر، وعلى بن الأنصارى، وأبو الفتح، ويوسف بن معالى، فقتلوا ونهبوا، وبلغوا أغراضهم ممن كان فى قلوبهم منهم ضغائن» فلما قاربوا الأمير فخر الدين الحمصى والأمير حسام الدين تابى، ومن معهما هرب هؤلاء عن حلب. ولما ذخلها الأمير فخر الدين الحمصى صادر