الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر غزوة الروم وقتل التتار
«1»
قد ذكرنا فى أخبار السلطان فى سنة خمس وسبعين وستمائة؛ طاعة أمراء الروم ووصولهم إلى خدمة السلطان، وإكرامه لهم وإحسانه إليهم وما عاملهم به. ولما وصل السلطان إلى الديار المصرية فى رابع عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة، أقام بها إلى شهر رمضان منها ثم عزم على السفر.
وجهز من وصل إليه من أمراء الروم بالخيول والخيام وغير ذلك، وتوجه من قلعة الجبل المحروسة، بعساكر الديار المصرية فى يوم الخميس العشرين من شهر رمضان من السنة. ورتب الأمير شمس الدين آقسنقر أستاد الدار فى النيابة عنه بقلعة الجبل «2» والصاحب بهاء الدين وجعلهما فى خدمة ولده الملك السعيد.
واستصحب معه الصاحب زين الدين أحمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين وجعله وزير الصحبة، وهى أول سفرة سافرها صحبته، واستصحب أكثر كتاب الإنشاء، وفوض فى هذا اليوم نظر الجيوش للقاضى عز الدين إبراهيم بن الوزير الأعز فخر الدين مقدام بن شكر، والشهادة به للقاضى شمس الدين الأرمنتى، واستصحبهما صحبته.
ثم رحل يوم السبت ثانى عشرين الشهر وصحبته أمراء الروم، وسار فما مر بمملكة إلا استصحب عسكرها وخزائنها وأسلحتها، وكان وصوله إلى دمشق فى يوم الأربعاء سابع عشر شوال، وخرج منها متوجها إلى حلب فى يوم السبت العشرين من الشهر، وكان وصوله إلى حلب فى يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة،
وخرج منها فى يوم الخميس ثانى الشهر إلى حيلّان فترك بها بعض الثقل، وتقدم إلى الأمير نور الدين على بن مجلى «1» نائب السلطة بحلب أن يتوجه إلى الساجور، ويقيم على الفرات بمن معه من عسكر حلب، لحفظ معابر الفرات، خشية أن يعبر منها أحد من التتار إلى الشام. ووصل إلى الأمير نور الدين، الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا.
ولما اتصل خبر نزول هذا الجيش بالتتار المقدمين بالعراق جهزوا إليهم جماعة من عرب خفاجة لينالوا من العسكر غرّة، فاتصل خبرهم بالأمير نور الدين [نائب حلب وهو على الفرات «2» ] فركب إليهم وقاتلهم وهزمهم، وأخذ منهم ألفا «3» ومائتى جمل. ورحل السلطان من حيلان يوم الجمعة ثالث الشهر إلى عين تاب، ثم إلى دلوك، ثم إلى مرج الديباج ثم إلى كينوك، ثم رحل منها إلى كراصو «4» ، ثم إلى اقجا دربند، فوصله يوم الثلاثاء سابع الشهر فقطعه فى نصف نهار، وبات فى وطأة هناك. وقدم الأمير شمس الدين سنقر الأشقر فى جماعة من العسكر جاليشا، فوقع على ثلاثة آلاف فارس من التتار مقدمهم كراى، فهزمهم وأسر منهم وقتل، وذلك فى يوم الخميس تاسع الشهر. ثم ورد الخبر على السلطان أن عسكر المغل ومقدمهم تتاون»
وعسكر الروم ومقدمهم [معين الدين] البرواناه قد قربوا من العسكر، فرتب السلطان عساكره وطلعت العساكر على
جبال مشرفة على صحراه هونى «1» من بلد أبلستين، وكان العدو فى تلك الليلة قد بات على نهر جهان «2» ، وهو نهر جيحان، فأقبل المسلمون من علو الجبل، وترتبت المغل أحد عشر طلبا، كل طلب منها يزيد على ألف، وعزلوا عسكر الروم عنهم، وجعلوه طلبا بمفرده [لئلا يكون مخامرا عليهم «3» ] .
وكان أبغا بن هولاكو قد انتخب هذا الجيش من عسكره، وكان فيه جماعة من أكابر مقدمى المغل. فوقف السلطان وتقدم إليهم جماعة من مماليكه وخواصه، فأخلدت فرقة منهم إلى الأرض وقاتلوا قتالا شديدا، وحملت فرقة «4» منهم من ميسرتهم واستدارت خلف الصناجق السلطانية، فحمل السلطان عليهم، فانجلت الحرب عن قتل التتار، وكان من بقى منهم كما قيل:
فلزهم الطراد إلى قتال
…
أحد سلاحهم فيه القذاره
وكانت وقعة عظيمة مشهورة فثبت فيها المغل.
واستشهد من المسلمين فى هذا اليوم شرف الدين قيران «5» العلائى أحد مقدمى الحلقة، وعز الدين أخو المحمدى.
ونزل السلطان فى المنزلة التى كان العدو نازلا بها، وأحضرت بين يديه الأسارى من المغل، فاستبقى السلطان بعض أكابرهم وقتل من بقى منهم، وأسر جماعة من أكابر أمراء الروم، ووصل جماعة منهم إلى الخدمة. وكان ممن أسر ووصل من الروم بكلاء «1» بن البرواناه ومعه ولد أخته، وولد خواجا يونس، والأمير نور الدين بن جاجا، والأمير قطب الدين أخو الأتابك، والأمير سراج الدين جاجا، وسيف الدين سنقرجاه الزوباشى، ونصرة الدين صاحب سيواس، والأمير كمال الدين، عارض الجيش بالروم، وحسام الدين بركاول، قريب البرواناه، وسيف الدين بن عليشير التركمانى، والأمير سيف الدين جاليش النائب بالروم، وهو أمير داد، ومعناه أمير العدل، وظهير الدين فتوح «2» مشرف الممالك، ومرتبته دون الوزارة، والأمير نظام الدين أوحد بن الأمير شرف الدين بن الخطير وإخوته، وقاضى القضاة حسام الدين قاضى الروم، ومظفر الدين بن جحاف، وأولاد الأمير صارم الدين بن الخطير، وجماعة من أصحابهم، وسيف الدين كجكنا «3» الجاشنكير، ونور الدين المنجنيقى، وأولاد رشيد الدين صاحب ملطية «4» كمال الدين وإخوته، وأمير على صاحب كركر، وأكثر هؤلاء حضروا بيوتهم وأولادهم، وأما البرواناه فأنه هرب.
قال القاضى محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر فى السيرة الظاهرية: وأما البرواناه فأنه شمر الذيل وامتطى هربا أشهب الصبح وأحمر الشفق وأصفر الأصيل وأدهم الليل، ودخل قيسارية فى وقت السحر من يوم الأحد ثانى عشر الشهر، فأفهم سلطانها غياث الدين [كيكاوس بن كيخسرو «1» ] والصاحب فخر الدين وزيرها، والأتابك مجد الدين والأمير جلال الدين المستوفى، والأمير بدر الدين ميكائيل النائب، والطغرائى وهو ولد أخى البرواناه: أن جيش الإسلام كسر بعض المغل، وأن بقية المغل انهزموا، ويخشى أن يدخل المغل قيسارية ويقتلون من بها حنقا على الإسلام، فأخذهم وأخذ زوجته بنت غياث الدين صاحب أرزن الروم، وتوجهوا كلهم إلى توقات. ولهذه كرحى خاتون [امرأة البرواناه] أربعمائة جارية استصحيتهن معها. وكانت أم هذه كرحى خاتون ملكة الكرج.
وتوقات مكان حصين مسيرة أربعة أيام من قيسارية.
وجرّد السلطان الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بجماعة لإدراك من انهزم من المغل، والتوجه أمامه إلى قيسارية، وكتب بتأمين أهلها. فمرّ بفرقة من التتار معهم البيوت، فأخذ عنهم جانبا. وحال بينهم الليل، فمر كل منهم فى جهة.
ورحل السلطان يوم السبت حادى عشر الشهر من مكان المعركة ونزل قريبا من قرية رمّان، وهى قريب الكهف والرقيم حقيقة كما نقل، لا ما يقال إن الكهف والرقيم من عمل بيسان «2» والبلقاء.
وقرية رمّان هذه بيوتها مبنية حول سن جبل قائم كالهرم ويطوف بها جبال كأنها أسوار، ويخرج منها أنهار عليها قناطر لا تسع غير راكب.
واشتدت الأمطار، ثم سار بكرة النهار إلى الليل، ونزل بوطأة من أعمال صاروس العتيق، وبقربها معدن الفضة. فأتى السلطان مخبر أن التتار فى فجوة هناك فركب بالعساكر فعاقته كثرة الأمطار فعاد وبات بتلك المنزلة. وأصبح فسلك جبالا وعرة، ومر على قرية أو ترال «1» ومنها إلى خان قريب من حصن سمندو، وكان السلطان قد سير كتابا إلى نائبها، فقبله وأذعن إلى النزول عنها إن أمره السلطان، فشكره وأحسن إليه، وكذلك متولى قلعة درندا، ووالى دوالوا، أجابوا كلهم إلى الطاعة. ثم نزل السلطان قرية قريبة من قيسارية شرقى جبل عسيب، وركب يوم الأربعاء، نصف ذى القعدة سنة خمس وسبعين وستمائة، والعساكر فى خدمته، وخرج أهل قيسارية، العلماء والأكابر وغيرهم حتى النساء والأطفال فتلقوا السلطان، وكان دهليز صاحب الروم وخيامه قد نصبت فى وطأة كينجسرو قريبا من المناظر التى لملوك الروم، فنزل السلطان به، وارتفعت أصوات العالم بالتهليل والتكبير، وضربت به نوبة آل سلجق على العادة، وحضر أصحاب الملاهى فردّوا، واعتمد السلطان على الأمير سيف الدين جاليش فى النيابة، وكان أولاد قرمان [أمراء التركمان «2» ] قد رهنوا أخاهم الصغير على بك بالروم، فخرج إلى السلطان فأكرمه، وطلب منه تواقيع وصناجق له ولأخوته فأعطاه وتوجه، وكتب السلطان إليهم فى الحضور إلى خدمته، وأكد فى ذلك.
فكان من خبرهم فى الوصول إلى بلاد الروم بعد رحيل السلطان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
قال: ثم ركب السلطان فى يوم الجمعة سابع عشر الشهر، وعلى رأسه جتر بنى سلجق ودخل قيسارية. وكانت دار السلطنة قد هيئت لنزوله، وتخت آل سلجق قد نصب لحلوله، فجلس فى مرتبة السلطنة بكرة النهار، وحضر القضاة والفقهاء والوعاظ والقراء والصوفية وأعيان قيسارية، وذوو المراتب على العادة السلجقية فى أيام الجمع، ووقف له أمير المحفل- وهو عندهم ذو حرمة ومكانه، وعليه أكبر ثوب وأكبر عمامة- فرتب المحفل، وقرأ القراء، ثم أنشد أمير المحفل بالعربية والعجمية مدائح فى السلطان. ومد السماط، فأكل من حضر وانصرفوا.
وتهيأ السلطان لصلاة الجمعة وحضر إلى الجامع وصلى، وخطب الخطباء فى جوامع قيسارية باسمه، وهى سبعة «1» جوامع. ثم عاد إلى دار السلطنة وأحضر بين يديه دراهم عليها السكة الظاهرية.
وظهر لمعين الدين سليمان البرواناه ولزوجته كرجى خاتون موجود عظيم «2» ، فحمل إلى السلطان وكذلك موجود من نزح؛ ففرق أكثره على أمرائه.
وحكى الصاحب عز الدين بن شداد فى السيرة الظاهرية قال: حكى لى من أثق به أن البرواناه بعث إلى السلطان لما دخل قيسارية يهنئه بالجلوس على التخت، فكتب إليه يأمره بالوفود عليه ليوليه، فكتب إليه يسأله أن ينتظره خمسة عشر يوما، وكان مراده أن يصل إلى أبغا ويحثه على المسير [بنفسه]