الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة سبع وستين وستمائة
فى هذه السنة فى أولها، جهز السلطان من كان عنده من رسل الملوك فتوجهوا إلى مرسليهم
ذكر تجديد الحلف للملك السعيد
وفى يوم الخميس تاسع صفر سنة سبع وستين وستمائة: جلس السلطان فى مرتبته، وجلس الأمير فارس الدين الأتابك والأمير عز الدين الحلى بين يديه، والصاحب بهاء الدين، وكاتب الإنشاء. وكان قبل ذلك يتحدث مع الأمراء فى أمر ولد الملك السعيد وتفويض الأمور إليه فأجابوا بالسمع والطاعة. وحلف الأمراء فى هذا اليوم وسائر العساكر المنصورة.
وفى ثالث عشر الشهر ركب الملك السعيد فى الموكب كما يركب والده، وجلس فى الإيوان، وقرئت عليه القصص. وفى العشرين من الشهر قرىء تقليده بتفويض السلطنة إليه. وهو من إنشاء المولى فخر الدين بن لقمان «1» وخطه.
ونسخته بعد البسملة والعلامة السلطانية الظاهرية:
«الحمد لله الذى أجزل العطاء والمواهب، وضاعف النعماء التى يفيض شعابها، وأمواه العيون نواضب، وضاعف عزا لا يعز معه مقصد، ولا يتعذر معه المطالب، وحلى عطل الأيام بالمحاسن التى تستر بها ما ظهر من المعايب. أحمده على نعمه التى
تجلى بنورها ظلم الغياهب، والأنطاف التى نظمت من المجد عقدة المتناسق ودره «1» المتناسب» .
«وبعد: فإنا لما أتانا الله تعالى من السلطان الذى ملك به من العز ما جمح، والقدرة التى قربت «2» من الآمال ما نزح، والمهابة التى ملأت عيون الأعداء بالذل لا الوطف، والعزايم التى أذكرت من مواقف المهاجرين والأنصار ما سلف، والهمم التى نهضنا بها لفتح معاقل الكفار، والجهاد الذى كانت أثارنا فيه من أحسن الآثار، والغزوات التى كان معروفها منكرا، والوقائع التى نصر الله فيها حزب الإيمان فأضحى الدهر ينشر حديثه متعطرا، وشد أزرنا بولدنا الملك السعيد الأجل الكبير العالم العادل ناصر الدين بركه خاقان، امتع الله الإسلام ببقائه، وأقر عيون المجد بنصر لوائه، وتوسمنا فيه مخايل السعادة بادية الغرر، وظهرت فيه أدلة النجابة، والأدلة إذا ظهرت لا تستتر، وبدت فيه مساع أوجبت له مزبة التكريم، وعم فيها فضله فتعين أن يخص بالتعظيم، ولاحت منه إشارات يعرب عن الرشد، وتدل أنه فى تدبيره حسن القصد، وسما نور هلاله فاتفقت
النفوس أن يكون بدرا كاملا، ووثقت الآمال أن يرجع حاليا كل ما كان عاطلا، رأينا أن نفوض إليه حكم كل ما أمضى الله فيه حكمنا من البلاد، وتحققنا أن رائد نظرنا فى أمره يصدق فيما اختار من الارتياد. وقلدناه أمر الديار المصرية والبلاد الشامية والقلاع والحصون، وهى: الديار المصرية، البلاد الشامية، البلاد الحلبيه، البلاد الحموية، البلاد الحمصيه. فهذا الملك إليه ممتد الرواق، ودو نظامه يتزين بحسن الإتساق «1» ، ونواحيه مع اتساعها محروسة بهممه، فكأنه خصر «2» اشتمل عليه النطاق، ونعم الله محروسه معه بالشكر، مفيده عنده بالإطلاق، والدين الحنيفى من عزمه عالى المنار، والنفوس واثقة «3» أن تكون بناصره دائمة الانتصار، وأخبار نصره تحفظها الليالى مما تكرره ألسن السمار، ومهابته تسرى إلى قلوب الأعداء فتحول منها الأفكار، والدولة الزاهرة به محاطة «4» الأرجاء، وسحائب إحسانه متدفق الأنواء، وآثار نعمة الله فيها ظاهرة، والله يحب أن يرى على عبده أثر النعماء. والشريعة المطهرة بتأييده نافذة الأحكام، وأمورها مرعية بهممه التى أضحت المعالى أنها لا تنام. وأطلقنا تصرفه وحكمه فى الخزائن والأموال، وتعيين الإقطاعات فى الغيبه منا والحضور. وأمرنا أن لا يرد أمره فى جميع ما يقتضيه رأيه الشريف من الأمور. فبيديه الحل والعقد، وإلى أبوابه ينتهى القصد. فقد أضحى بحمد الله حلية للمجد، والأيام تزهو به كما تزهو الدرر بواسطة العقد، وإليه فى الأمور النقض والإبرام. وعليه المعتمد فى فصل
الأحكام. وإليه ترجع الولاية والعزل، وهو الفرع الذى زكا، ولا يزكو الفرع إلا إذا كان طيب الأصل. ومن شيمته الأقتداء بنا فى بسط الإحسان والعدل وإحياء سنتنا مما يضفيه على الأولياء من ملابس الفضل، واقتقاء آثارنا فى غزو بلاد الكفار، والمجاهدة التى تطول بها أيدى الكماة بالسيوف القصار، وإلى الله نرغب أن يوفقه لمراضيه، ويلهمه رشده فيما يستقبل من أموره، ويمضيه ويؤيده بالنصر الذى تروى أحاديثه وتتلى، ويمده بتوفيقه الذى يرشده من الضلال ناشئا وكهلا، ويساعده بالتأييد الذى يستجد له ذكرا خالدا لا يبلى، والظفر الذى تستحلى أحاديثه إذا أعيدت، وإن كان الحديث المستعاد لا يستحلى. ونسأل كل واقف على هذا التقليد أو من يسمع به من الأمراء والنواب والعساكر المنصورة- أيدهم الله تعالى- امتثال أمره، والقيام بما يجب عليه من طاعته فى سره وجهره، والنهوض فى خدمة ركابه، والإجتهاد فى تسهيل ما يصعب من طلابه، والمسير عند سيره تحت علمه، والإلتجاء فى السراء والضراء إلى حرمه، والوفود إلى جنابه المنيع المريع، فهو بحمد الله كعبة تحج إليها الآمال، وحرم يخفف ما على الأعناق من أعباء الخدم الثقال. والإعتماد على الخط الشريف أعلاه، وكتب فى عاشر صفر سنة سبع وستين وستمائة» .
وقرىء هذا التقليد بالإيوان بحضور الأمراء وأعيان الدولة واستمر جلوس الملك السعيد وركويه.
وفى ثانى عشر جمادى الآخرة، توجه السلطان إلى الشام واستصحب أكابر الأمراء وجماعة من العسكر المنصور. وفى غرة شهر رجب شرع السلطان فى النفقة فى الأمراء الذين صحبته، ونزل أرسوف لكثرة مراعيها.