الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به السلطان عليه، فاتصل ذلك بالسلطان فأرسل إليه يحذره مع خوشداشيته، فلم يفد ذلك شيئا، وبقى ذلك فى خاطر السلطان، فلما قتل الآن مملوكه وقبض عليه أرسل يقول:«اشتهى أعرف ذنبى» ، فسير السلطان إليه من عدد ذنوبه، فتحسر وقال:«آه، لو كنت حاضرا قتل الملك المظفر حتى أعاند السلطان فى الذى جرى» ، وكان قد تكلم بهذا الكلام وشافه السلطان به فى حال إحسانه إليه، واستمر فى الاعتقال إلى أن توفى، وكانت وفاته فى يوم الأحد عاشر جمادى الأول سنة ست وسبعين وستمائة.
ذكر وفاة قاضى القضاة بدر الدين السنجارى وشىء من أخباره
«1»
وفى هذه السنة فى يوم السبت رابع عشر شهر رجب: كانت وفاة قاضى القضاة بدر الدين أبى المحاسن يوسف بن الحسن بن على بن الخضر السنجارى الشافعى، رحمه الله تعالى، فجأة، وكان قد أكل بطيخا أصفر وسلنجنينيا «2» عقب خروجه من الحمام. ودفن فى يوم الأحد بمدرسته بالقرافة بجوار تربة الإمام الشافعى، وصلى عليه قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز. ومولده بسواد إربل فى رابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وكان قاضيا بسنجار، وكان له على السلطان الملك الصالح من الخدمة بسنجار ما قدمنا ذكره، فلما ملك الملك
الصالح دمشق كما تقدم، ولاه قضاء بعلبك وأعمالها وقرر له معلوما كثيرا، وكان قد وصل فى صحبته، ولما ملك الديار المصرية حضر إليه فأكرمه، وفوض إليه القضاء بمصر والوجه القبلى، ثم بالقاهرة والوجه البحرى كما تقدم ذكر ذلك، وولى الوزارة كما تقدم أيضا فى أيام الملك المنسور نور الدين بن الملك المعز، وكان، رحمه الله تعالى، مكينا عند السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان الأمير فخر الدين بن الشيخ بكرهه، فكتب إلى السلطان الملك الصالح يذكر عنه أنه يأخذ من نوابه الأموال، ومن يعدله من الشهود، وأشباه ذلك، فأجابه السلطان فى طرة كتابه:«يا أخى فخر الدين: للقاضى بدر الدين على حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها، والذى وليناه قليل فى حقه، وما قمت له بما يجب على من مكافأته» ، فلم يعاوده الأمير فخر الدين فى أمره، وبقيت هذه الورقة عنده فى جملة أوراقه، فلما قتل وخلف بنتا صغيرة، احتاط ديوان الأيتام على موجوده فوجدوا هذه الورقة فحملوها إلى القاضى بدر الدين، فأوقف الناس عليها، وكان رحمه الله تعالى، كريما كثير الاحتمال، كثير المروءة، حسن العشرة، يقبل الاعتذار، ولا يكافىء على السيئة بمثلها، بل يحسن لمن ظهرت اساءته، ويبره بماله ويستميله باحسانه، إلا أنه شهر عنه فى ولاية القضاء قبول هدايا النواب، حتى قيل إنه ربما كان قرر على كل منهم ما لا يحمله فى كل مدة فى مقابلة ولايته على قدر الولاية، وكذلك أيضا من يقصد إنشاء عدالته حتى كثر المعدلون فى أيامه، ووصل إلى العدالة من ليس من أهلها، ولما ولى قاضى القضاة تاج الدين أسقط كثيرا من عدوله، ولقد جاء بعد ذلك زماننا وأدركت بقايا عدوله فكانوا أميز العدول وأجلّ الناس، ومنهم من لى قضاء القضاة وبلغ، رحمه الله تعالى، خمسة وثمانين سنة وثلاثة أشهر، رحمه الله تعالى.
وفى هذه السنة فى يوم الاثنتين مستهل شعبان توفى الأمير جمال الدين موسى ابن شرف الدين يغمور بن جلدك بلمان «1» بن يغمور استاد دار السلطان الملك الظاهر، وهو الذى كان ينوب عن الملك الصالح نجم الدين أيوب بدمشق، وكان عالى المنزلة عند الملوك الأيوبية ومن بعدهم، ودفن بسفح المقطم، وكان مولده بالقرية اليغمورية بقرب سمهود من الأعمال القوصية «2» فى جمادى الآخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وهو ياروقى الأصل،: وكان عفيفا كريما سمحا جوادا، كيسا لطيفا، متواضعا حسن العشرة والسيره، كثير البر والصدقة، رحمه الله تعالى.
وفى ذى القعدة سنة ثلاث وستين وستمائة أيضا: أمر السلطان بشنق الشريف حصن الدين بن ثعلب الجعفرى «3» بالإسكندرية، فشنق خارج باب البحر، وكان السلطان قد اعتقله بها، وسبب شنقه أن الشريف السرسناى أحد عدول الثغر كان يتردد إليه فى معتقله لتأنيسه وقضاء حوائجه، فاتصل بالسلطان أنه أعمل الحيلة فى هروبه، وكان الشريف قد حضر إلى مصر لقضاء حوائج حصن الدين فأحضره السلطان وسأله عن ذلك، فأنكره، فأراه الخطوط الواردة من الإسكندرية بالشهادة عليه بذلك، وأمر بشنقه فشنق تحت قلعة الجبل. وسير السلطان عز الدين أيبك الأغا حصارى «4» إلى الإسكندرية فشنق الشريف حصن الدين.