المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٣٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ الجزء الثلاثون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني عشر من القسم الخامس من الفن الخامس أخبار الديار المصرية]

- ‌[تتمة ذكر اخبار دولة الترك]

- ‌ذكر أخبار السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى وهو الرابع من ملوك دولة الترك بالديار المصرية المحروسة

- ‌[سنة ثمان وخمسين وستمائة]

- ‌واستهلت سنة تسع وخمسين وستمائة

- ‌فأما ما كان من الأخبار والحوادث فى مقر ملكه بالديار المصرية

- ‌ذكر تفويض الوزارة إلى الصاحب الوزير بهاء الدين على بن القاضى سديد الدين أبى عبد الله محمد بن سليم المعروف بابن حنا

- ‌ذكر القبض على جماعة من الامراء المعزّية

- ‌ذكر تفويض قضاء القضاء بالديار المصرية لقاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى ابتداء سلطنته ورتبه من المصالح وقرره من القربات والأوقاف والعماير

- ‌ذكر بناء قلعة الجزيرة

- ‌ذكر وصول من يذكر من الملوك إلى خدمة السلطان وما قرره لكل منهم وما عاملهم به من الإحسان

- ‌ذكر وصول الخليفة المستعصم بالله إلى الديار المصرية ومبايعته وتجهيزه بالعساكر إلى بلاد الشرق وما كان من أمره إلى ان قتل

- ‌ذكر استيلاء الأمير علم الدين سنجر الحلبى على دمشق وسلطنته بها، وأخذها منه، وتقرير نواب السلطان بها

- ‌ذكر ما اتفق بحلب فى أمر النيابة

- ‌ذكر وصول طائفة من التتار إلى البلاد الإسلامية وما فعلوه بحلب وتقدمهم إلى حمص وقتالهم وانهزامهم وما كان من خبر عودهم

- ‌ذكر الغلاء الكائن بحلب

- ‌ذكر اختلاف العزيزية والناصرية، ومفارقة الأمير شمس الدين أقش البرلى البلاد، وتولية الحلبى نيابة حلب وعزله، وعود البرلى إليها وخروجه منها، ونيابة البندقدار وعود البرلى إليها ثانية وخروجه

- ‌ذكر ما اتفق للسلطان بالشام فى مدة مقامه بدمشق وما وقع فى سفرته هذه خلاف ما قدمنا ذكره من أمر الخليفة

- ‌ذكر ركوب السلطان إلى الميدان بدمشق ولعبه بالكره ومن كان فى خدمته من الملوك

- ‌ذكر الصلح مع ملوك الفرنج

- ‌ذكر الغارة على العرب والفرنج

- ‌ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية

- ‌ذكر أخذ الشويك

- ‌واستهلت سنة ستين وستمائة

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سلار البغدادى وشىء من أخباره

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأنيرور

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة صاحب الروم ووصول رسله إلى السلطان، وما قرره السلطان من بلاده

- ‌ذكر عود رسل السلطان من جهة الأشكرى وخبر مسجد القسطنطينية

- ‌ذكر حضور الأمير شمس الدين أقش البرلى العزيزى إلى الديار المصرية

- ‌ذكر القبض على علاء الدين طيبرس الوزيرى نائب السلطنة بالشام

- ‌ذكر وصول جماعة من التتار إلى خدمة السلطان

- ‌ذكر إنفاذ الرسل إلى الملك بركة

- ‌ذكر تفويض نيابة السلطنة بالشام إلى الأمير جمال الدين النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة شيخ الإسلام عز الدين أبى محمد ابن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم ابن الحسن بن أبى محمد السلمى الدمشقى الشافعى وشىء من أخياره

- ‌واستهلت سنة إحدى وستين وستمائة

- ‌ذكر البيعة للإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد العباسى

- ‌ذكر القبض على الملك المغيث صاحب الكرك واعتقاله

- ‌ذكر أخذ الكرك

- ‌ذكر القبض على الأمراء وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير شمس الدين أقش البرلى والأمير عز الدين الدمياطى، وما نقل من الأسباب الموجبة لذلك

- ‌ذكر توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية

- ‌ذكر وصول التتار المستأمنين

- ‌واستهلت سنة اثنتين وستين وستمائة

- ‌ذكر تفويض أمر جيش حماة إلى الطواشى شجاع الدين مرشد الحموى

- ‌ذكر عمارة المدرسة الظاهرية وترتيب الدروس

- ‌ذكر وفاة الملك الأشرف مظفر الدين موسى صاحب حمص والرحبة

- ‌ذكر جلوس السلطان بدار العدل وما رتبه عند غلو الأسعار

- ‌ذكر جلوسه بدار العدل وما قرره من مشاركة أمناء الحكم للأوصياء

- ‌ذكر وصول جماعة من عسكر شيراز

- ‌ذكر سلطنة الملك السعيد

- ‌ذكر ختان الملك السعيد ومن معه

- ‌ذكر خبر غازية الخنافة

- ‌ذكر وصول رسل الملك بركة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الاسكندرية وتقديم سيف الدين عطاء الله على عرب برقة

- ‌ذكر الواقعة الكائنة بين المسلمين والفرنج ببلاد الأندلس- وانتصار المسلمين

- ‌ذكر مقتل الزين الحافظى

- ‌واستهلت سنة ثلاث وستين وستمائة

- ‌ذكر خبر الحريق بالقاهرة ومصر واتهام أهل الذمة وما قرره عليهم من الأموال بسببه

- ‌ذكر تفويض القضاة لأربعة حكام

- ‌ذكر القبض على الأمير شمس الدين سنقر الأقرع

- ‌ذكر وفاة قاضى القضاة بدر الدين السنجارى وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة أربع وستين وستمائة

- ‌ذكر عمارة جسر دامية

- ‌واستهلت سنة خمس وستين وستمائة ذكر عود السلطان إلى الديار المصرية وبناء الجامع الظاهرى

- ‌ذكر إقامة الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة وشى من أخباره

- ‌ذكر إنشاء القصر الأبلق بالميدان بظاهر دمشق

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وعمارة قلعة صفد

- ‌ذكر تسمير من يذكر بالقاهرة

- ‌واستهلت سنة ست وستين وستمائة

- ‌ذكر أخذ الزكاة من عرب الحجاز

- ‌ذكر ظهور الماء بالقدس الشريف

- ‌ذكر خبر الحبيس النصرانى ومقتله

- ‌ذكر بناء القرية الظاهرية قرب العباسة

- ‌ذكر إيقاع الحوطة السلطانية على الأملاك والبساتين وما تقرر على أربابها من المال

- ‌ذكر وصول الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من بلاد التتار والصلح مع التكفور هيتوم صاحب سيس

- ‌واستهلت سنة سبع وستين وستمائة

- ‌ذكر تجديد الحلف للملك السعيد

- ‌ذكر توجه السلطان على خيل البريد إلى الديار متنكرا وعوده إلى مخيمه بخربة اللصوص ولم يعلم من به بتوجهه

- ‌ذكر وفاة الأمير عز الدين أيدمر الحلى [الصالحى نائب السلطنة

- ‌ذكر توجه السلطان الملك الظاهر إلى الحجاز الشريف

- ‌واستهلت سنة ثمان وستين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام جريدة

- ‌واستهلت سنة تسع وستين وستمائة

- ‌ذكر القبض على الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث صاحب الكرك والأمراء الشهرزورية

- ‌ولنرجع إلى سياقة أخبار الدولة الظاهرية:

- ‌ذكر حادثة السيل بدمشق

- ‌ذكر سفر الشوانى الإسلامية إلى قبرس وكسرها وأسر من كان بها وخلاصهم

- ‌ذكر عود السلطان إلى قلعته ووصول رسل اليمن، واهتمامه بأمر الشوانى، وما أنعم به من الخلع والخيول على الأمراء والأجناد

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء

- ‌واستهلت سنة سبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك ثم إلى الشام وعزل الأمير جمال الدين النجيبى عن نيابة دمشق وتولية الأمير عز الدين أيدمر نائب الكرك نيابة السلطنة بالشام واستنابة الأمير علاء الدين أيدكن أستاد الدار بالكرك

- ‌ذكر عود السلطان من حلب ورجوعه إلى الديار المصرية وعوده إلى الشام

- ‌ذكر إيقاع الحوطة على القاضى شمس الدين الحنبلى واعتقاله

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الصيد ثم إلى الشام

- ‌واستهلت سنة إحدى وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الديار المصرية على خيل البريد وعوده إلى الشام

- ‌واستهلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

- ‌ذكر الطلسم الذى وجد بباب القصر بالقاهرة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام

- ‌ذكر الظفر بملك الكرج

- ‌ذكر ختان الملك المسعود نجم الدين خضر ولد السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر نكتة غريبة

- ‌ذكر ورود كتاب متملك الحبشة

- ‌واستهلت سنة ثلاث وسبعين وستمائة

- ‌واستهلت سنة أربع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر متجددات اتفقت بعد وصول السلطان إلى الديار المصرية غير ما تقدم ذكره

- ‌ذكر توجه رسل السلطان إلى أشبيلية وما كان من خبرهم

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك واستبداله بمن فيها من الرجال وعوده

- ‌واستهلت سنة خمس وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وصول جماعة من أمراء الروم إلى خدمة السلطان وطاعتهم له

- ‌ذكر ظهور المسجد بجوار دير البغل وإقامة شعائر الإسلام به

- ‌ذكر غزوات السلطان الملك الظاهر وفتوحاته وما استولى عليه من البلاد الإسلامية

- ‌ذكر ما استولى عليه من القلاع والحصون والبلاد الإسلامية وأضافه إلى ممالكه

- ‌ذكر فتوح سواكن

- ‌ذكر فتوح خيبر

- ‌ذكر فتوح قرقيسيا

- ‌ذكر أخذ بلاطنس وخبرها

- ‌ذكر تسليم صهيون وبرزية

- ‌ذكر أخبار الإسماعيلية وابتداء أمرهم والاستيلاء على حصونهم

- ‌ذكر استيلاء السلطان على بلاد الإسماعيلية وشىء من أخبارها

- ‌ذكر فتوح العليقة والرّصافة

- ‌ذكر فتوح بقية حصون الدعوة

- ‌ذكر أخبار هذه الحصون

- ‌ذكر غزوات السلطان وفتوحاته وما وقع من المصالحات والمهادنات

- ‌ذكر مسير السلطان إلى عكا

- ‌ذكر قصد متملك الأرمن حلب المحروسة

- ‌ذكر محاصرة التتار البيرة وتجريد العساكر وانهزام العدو

- ‌ذكر الفتوحات بالبلاد الفرنجية فى هذه السفرة

- ‌ذكر فتوح قيسارية

- ‌ذكر فتوح أرسوف

- ‌ذكر ما ملكه السلطان لأمرائه من النواحى التى فتحها الله على يده

- ‌ذكر قصد البرنس صاحب طرابلس حمص وانهزامه

- ‌ذكر إغارة العساكر على طرابلس بالشام وفتح قلعة حلبا وقلعة عرقا

- ‌ذكر إغارة العسكر على صور

- ‌ذكر فتوح صفد

- ‌ذكر غزوة سيس وأسر ملكها وقتل أخيه وعمه وأسر ولد عمه

- ‌ذكر وقعة مع الفرنج كانت النصرة فيها للمسلمين

- ‌ذكر إغارة السلطان على عكا

- ‌ذكر الصلح مع بيت الإسبتار على حصنى الأكراد والمرقب

- ‌ذكر فتوح يافا

- ‌ذكر فتوح شقيف أرنون

- ‌ذكر فتوح أنطاكية

- ‌ذكر ملخص أخبار أنطاكية

- ‌ذكر ما اعتمده السلطان فى قسمة عنائم أنطاكية وإحراقه قلعتها وما افتتحه مما هو مضاف إليها وهو: ديركوش وشقيف كفردنين وشقيف كفر تلميس

- ‌ذكر صلح القصير على المناصفة

- ‌ذكر الإغارة على صور

- ‌ذكر الإغارة على عكا

- ‌ذكر فتوح قلعة صافيتا

- ‌ذكر صلح أنطرطوس والمرقب

- ‌ذكر فتوح حصن عكّار

- ‌ذكر صلح طرابلس

- ‌ذكر فتوح القرين

- ‌ذكر صلح صور وما تقرر من المناصفة

- ‌ذكر منازلة التتار البيرة وكسرهم على الفرات وقتل مقدمهم جنقر

- ‌ذكر فتوح كينوك

- ‌ذكر إغارة عيسى بن مهنا على الأنبار

- ‌ذكر الإغارة على مرعش

- ‌ذكر غزوة سيس

- ‌ذكر شىء من أخبار بلاد سيس وسبب استيلاء الأرمن عليها

- ‌نعود إلى أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌ذكر منازلة حصن القصير وفتحه

- ‌ذكر وفاة الأبرنس صاحب طرابلس وما انفق بعد وفاته

- ‌ذكر غزوة النوبة

- ‌ذكر غزوات النوبة فى الإسلام

- ‌ذكر غزوة الروم وقتل التتار

- ‌ذكر رحيل السلطان عن قيسارية وهرب عز الدين أيبك الشيخى ولحاقة بأبغا وعود السلطان إلى ممالكه

- ‌ذكر ما اعتمده الأمير شمس الدين محمد بك بن قرمان أمير التركمان فى البلاد الرومية

- ‌نعود إلى سياقة أخبار السلطان الملك الظاهر

- ‌واستهلت سنة ست وسبعين وستمائة

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى رحمه الله تعالى

- ‌مدة حكمه

- ‌ذكر وفاة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار

- ‌ذكر القبض على من يذكر من الأمراء والإفراج عنهم ومن مات منهم

- ‌ذكر عزل قاضى القضاة محيى الدين عبد الله بن محمد بن عين الدولة وإضافة عمله إلى قاضى القضاة تقى الدين بن رزين

- ‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

- ‌واستهلت سنة سبع وسبعين وستمائة

- ‌ذكر توجه السلطان إلى الشام وإقامته بدمشق وتجريد العساكر

- ‌[ذكر] أمر شاد الدواوين

- ‌[ذكر] وفاة الأمير جمال الدين أقش النجيبى الصالحى

- ‌ذكر وفاة الصاحب بهاء الدين

- ‌[ذكر] وفاة مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم

- ‌[ذكر] وفاة الشيخ العارف نجم الدين أبو المعالى محمد بن الخضر الشيبانى الحريرى

- ‌واستهلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

- ‌ذكر عود الأمراء من الغزاة وظهور الوحشة والمنافرة بينهم وبين السلطان الملك السعيد وتوجيههم إلى الديار المصرية

- ‌ذكر وصول السلطان إلى قلعة الجبل وما كان من أمره إلى أن انخلع من السلطنة

- ‌فهرس موضوعات الجزء الثلاثون

الفصل: ‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

وعشرين ذى الحجة، فوصل إليها فى ثالث عشرين المحرم، وخرج الناس للفائه إلى غزة. ومنهم من وصل إلى الصالحية، وكانت الشفاعة قد قويت بولايته قبل وقوعها.

وفيها: كانت وفاة قاضى القضاة الشيخ شمس الدين أبى عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسى «1» الحنبلى، فى يوم السبت ثانى عشرين المحرم سنة ست وسبعين، ودفن يوم الأحد بتربة عمه الحافظ عبد الغنى. وكان مولده فى يوم الأحد رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق، ولما أفرج عنه بعد القبض عليه كما تقدم، لزم بيته بالمدرسة الصالحية وتوفر على اشتغال الطلبة إلى أن توفى. وكان كريما سمحا كثير العبادة والذكر، وولى أيضا مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة، رحمه الله تعالى.

‌ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره

«2»

وفى سابع المحرم سنة ست وسبعين وستمائة: كانت وفاة الشيخ خضر ابن أبى بكر بن موسى العدوى المهرانى شيخ الملك الظاهر فى معتقله بقلعة الجبل، ودفن بسفح المقطم.

وقد حكى الشيخ شمس الدين محمد بن مجد الدين إبراهيم الجزرى فى تاريخه، «حوادث الزمان وأنبائه» ، مبدأ أمره، وكيف تنقلت به الحال، فقال:

كان فى مبدأ أمره يخدم الأكابر ببلد الجزيرة، ثم استخدم لشيل زبائل دور

ص: 376

السلطنة والقلعة بجامكية وجراية. ثم ذكر عنه أنه أفسد بعض جوارى الدور، فرسم بخصيه، فهرب إلى حلب، وخدم بابا عند ابن قراطابا فأحبل جارية، فطلب فهرب إلى دمشق، والتجأ إلى الأمير ضياء الدين القيمرى، وأقام بمغارة فى زاويته بجيل المزة، فيقال إنه اجتمع بجماعة من الصالحين وبشروه بما يكون منه ومن السلطان الملك الظاهر. واتفق اجتماع الملك الظاهر به فى مدة مقامه بدمشق فى خدمة الملك الناصر فبشره بالملك. وكان الشيخ خضر قد احتوى على عقل الأمير سيف الدين قشتمر العجمى أحد الأمراء البحرية، فكان يخبره بسلطنة الملك الظاهر قبل وقوعها، ويخبره بأكثر ما وقع، ثم اجتمع به الأمير سيف الدين ايتامش «1» السغدى فأخيره أيضا بخبر الملك الظاهر، ثم كان من سلطنة الملك الظاهر ما قدمناه، وصار هو فى صحبة قشتمر العجمى، وخرج معه عند خروج السلطان إلى الشام بسبب الملك المغيث صاحب الكرك، فلما نزل السلطان على الطور سأل عنه الأمير سيف الدين قشتمر العجمى فأخبره أنه قد انقطع فى مغارة عند قبر أبى هريرة، رضى الله عنه، فتوجه السلطان إليه واجتمع به، فأخبره بوقائع كثيرة لم يخرم «2» ، فاغتبط به ولازمه، وبقى السلطان إذا حاصر بلدا من البلاد الساحلية والجبلية يخبره الشيخ بما يكون من أمره فيها، وبالوقت الذى يفتح فيه، فلا يخرم ذلك. ولما قصد السلطان أن يتوجه إلى الكرك فى سنة خمس وستين وستمائة استشاره فى ذلك فأشار عليه ألا يتوجه إليها فى هذه السفرة، وأن يتوجه إلى الديار المصرية فخالفه وتوجه إليها، فانكسرت فخذه ببركة زيزا قبل وصوله كما قدمنا ذكر ذلك. ولما رأى السلطان ذلك منه عظم عنده وبنى

ص: 377

له زاوية بظاهر القاهرة بالحسينية بجوار أرض الطبالة، ووقف عليها أحكارا بجملة كثيرة، وبالقدس زاوية، وبدمشق زاوية بالمزة، وببعلبك زاوية، وبحماة زاوية، ثم هدم كنيسة اليهود بدمشق، وهى الكنيسة العظمى عندهم، وجعلها زاوية كما تقدم، وهدم كنيسة النصارى بالقدس، وقتل قسيسها بيده وعملها زاوية، وهدم كنيسة الروم بالإسكندرية، وهى كرسى كنائسهم يعقدون فيها البتركية، ويزعمون أن رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فيها «1» ، وهو عندهم يحنا المعمدانى الذى عمد المسيح بن مريم، وجعلها مسجدا وبنى فيها المحاريب وسماها المدرسة الخضراء، وفتح لها شباكا إلى الطريق، ورتب فيها فقراء من جهته، وكذلك فى جميع زواياه: جعل بكل زاوية منها فقراء يقطعون المصانعات ويحمون أرباب الجرائم من اللصوص وغيرهم، ويتعاطون الفسق.

قال: ولقد سأله مرة والدى إبراهيم «2» فقال: «يا أخبى، اشتهى أعرف كيف كان سبب وصلتك إلى هذه المنزلة؟» ، فقال له:«والله لا أقول لك حتى تقول لى الذى تعرف منى» ، فقال له:«أعرفك شيخ نحس، نفوك من الجزيرة ثم من حلب ومن دمشق، وما رأيتك إلا وقد صرت فى هذه المنزلة» ، فقال:«والله العظيم صدقت، وما صدقنى أحد فى الحديث إلا أنت يا أخى، لما هربت من الجزيرة طلعت إلى جبل الجودى، فبقيت احتطب فى كل يوم جرزة «3» حطب أبيعها بدرهم ونصف، فلما كان فى بعض الأيام إذا أنا بفقير عريان ليس عليه لباس، وقد أنبت الله له شعرا على جسده، يستر عورته،

ص: 378

فقال لى: «يا خضر، ايش تعمل؟» ، قلت:«أحتطب» فقال: «تعال غدا إلى هذا المكان وخذ منه جرزتين حطب»

، بع الواحدة لنفسك والأخرى اشترلى بثمنها موسى ومقصا ومشطا،» . فقلت: نعم. فلما كان الغد قصدت ذلك المكان فوجدت به جرزتين حطبا، فبعث إحداهما واشتريت له ما طلب، وبعث الأخرى لنفسى، قلما اجتمعت به قال لى:«اذهب إلى الشام، فسوف يكون لك «2» مع ملكه شأن عظيم» . فقدر الله تعالى أننى سكنت هذه المغارة بالمزة، فحصل لى اجتماع بالسلطان الملك الظاهر لما كان فى خدمة الملك الناصر، وفتح على بأن بشرته بالملك، فلما ملك كان سبب الوصلة بينى وبينه الأمير سيف الدين قشتمر العجمى. قال:«وكان ذلك الفقير قد أخبرنى بجميع ما يقع لى فى عمرى وبجميع ما يقع للسلطان واقعة بعد أخرى» .

قال: قال والدى: وكان فى ذلك الوقت قد حصل لى وجع فى ظهرى، فقلت له: إن ظهرى يؤلمنى فمسح بيده على ظهرى، فسكن الوجع، فقال:

«يا مجد الدين، سكن الوجع أم لا؟» . قال: فقلت: أما الوجع فقد سكن، وأما أننى اعتقد أنك رجل صالح فلا، وانما هذا من جملة السعادة التى حصلت لك. ثم كان من قبض السلطان عليه واعتقاله ما تقدم ذكره، ولم يزل فى اعتقاله إلى أن مات. قال: ولما عاد السلطان من غزاة الروم إلى دمشق كتب باطلاقه فورد البريد بعد وفاته.

وكان واسع الصدر كريم النفس، يعطى الدراهم والذهب الكثير، ويصنع له الطعام فى قدور كبيرة مفرطة فى الكبر، وكانت أحواله غير متناسبة والأقوال

ص: 379

فيه مختلفة، فمن الناس من يثبت صلاحه؛ ومنهم من يرميه بالعظائم، وكان يكتب إلى صاحب حماة وغيره من الأمراء فى أوراقه إليهم: خضر نياك الحمارة، وكتب بذلك إلى قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ورقة، فأغضى عنها، ثم أخرى كذلك، فلما وصلت إليه الورقة الثالثة أحضر رسوله وقال له:«قل له، والله لئن وصل إلى ورقة منه بعد هذه فيها مثل هذا: أحضرته إلى مجلس الحكم وقابلته بما يستحقه بمقتضى ما كتب به خطه» ، فامتنع بعد ذلك من مكاتبته.

ومات وله نيف وخمسون سنة، وكان ربع القامة، كث اللحية، فى لسانه عجمة، سامحه الله وإيانا.

وفيها: كانت وفاة الأمير جمال الدين أقش المحمدى الصالحى «1» بالقاهرة فى ليلة الخميس ثالث عشر ربيع الأول، ودفن من الغد بتربته بالقرافة الصغرى، وقد ناهز سبعين سنة. وكان السلطان قد نقم عليه وحبسه مدة ثم أفرج عنه وأعاده إلى الإمرة، وكان رحمه الله تعالى عديم الشر.

وفيها: توفى الأمير عز الدين أيبك الدمياطى الصالحى النجمى أحد الأمراء الأكابر المقدمين. وكان السلطان الملك الظاهر قد اعتقله كما تقدم ثم أفرج عنه، وكانت وفاته بالقاهرة فى ليلة الأربعاء تاسع شعبان، ودفن بتربته التى أنشأها بين القاهرة ومصر، المجاورة لحوض السبيل المعروف به، وقد ناف على سبعين سنة، وكان كريما جدا، له مروءة تامة، رحمه الله تعالى.

وفيها: توفى الأمير عز الدين أيدمر العلائى، وكان ينوب عن السلطنة بقلعة صفد، فجرى بينه وبين النواب مفاوضة أدت إلى أن طلب الدستور من

ص: 380

السلطان لينهى مصالح، فأذن له فحضر إلى الديار المصرية فأدركته منيته، فتوفى فى ليلة الأربعاء سابع عشر شهر رجب، ودفن فى يوم الأربعاء بالقرافة الصغرى.

وكان عفيفا أمينا محبا للعلماء والفقراء، وهو أخو الأمير علاء الدين أيدكن الصالحى العمادى، رحمه الله تعالى.

وفيها: توفى الأمير شمس الدين بهادر المعروف بابن صاحب صهيون، وكان قد قدم إلى خدمة السلطان الملك الظاهر قبل وفاته بثلاث سنين، فأحسن إليه وأكرمه، وكانت وفاته بالقاهرة فى ليلة الأحد العشرين من شعبان، ودفن من الغد بتربته التى أنشأها خارج باب النصر، وقد ناف على أربعين سنة، رحمه الله تعالى.

وفيها، كانت وفاة الملك القاهر بهاء الدين أبى محمد عبد الملك بن الملك المعظم شرف الدين عيسى بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد ابن أيوب، فجأة فى يوم السبت خامس عشر المحرم من غير مرض، بل كان راكبا بسوق الخيل بدمشق فاشتكى ألما فى فؤاده، فعاد إلى منزل «1» كريمته زوجة الملك الزاهد «2» مجير الدين داود بن صاحب حمص، فأدركته منيته، فمات عند دخوله إليها، وقيل إنه مات فى باب الدار قبل الدخول إليها، ودفن بسفح قاسيون. وكان مولده فى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وكان رحمه الله تعالى رجلا جيدا شجاعا بطلا مقداما، سليم الصدر حسن الأوصاف كريم الأخلاق، لين الكلمة كثير التواضع، حسن الإعتقاد فى الفقراء والصالحين، وكان يلبس

ص: 381

ملابس العرب ويتزيا «1» بزيهم ويركب كمركبهم ويتخلق بأخلاقهم فى كثير من أفعاله، رحمه الله.

وقد حكى الشيخ قطب الدين اليونينى «2» ، نفع الله به، فى تاريخه، فى سبب وفاته، قال: حكى لى تاج الدين نوح بن شيخ السلامية «3» حكاية غربية معناها: أن أن الأمير عز الدين أيدمر العلائى نائب السلطنة بقلعة صفد حدثه بها، قال:

كان السلطان الملك الظاهر مولعا بالنجوم وما يقوله أرباب التقاويم، فأخبر أنه يموت بدمشق فى هذه السنة، سنة سبع وستين وستمائة، بالسم ملك «4» ، فحصل عنده من ذلك أثر كبير. قال: وكان الملك الظاهر عنده حسد شديد لمن يوصف بالشجاعة أو بذكر جميل، ولما دخل «5» الملك القاهر إلى الروم صحبة السلطان ظهر يوم المصاف عن شجاعة، وظهرت نكايته فى العدو حتى تعجب من فعله من شاهده، ورآه الملك الظاهر فتأثر منه، وانضاف إلى ذلك أن السلطان حصل منه فى ذلك اليوم فتور على خلاف عادته، وظهر عليه الندم كونه تورط فى بلاد الروم- بكلمة الملك القاهر فى ذلك الوقت- بكلام فيه إشارة إلى الإنكار وتقبيح فعله، فأثر ذلك عنده أثرا آخر، فلما عاد من غزاته وسمع الناس يلهجون بما فعله الملك القاهر تأثر من ذلك أيضا، وتخيل فى ذهنه أنه إذا سمّه فمات هو الذى ذكره أرباب النجوم لأنه يطلق عليه اسم ملك وله ذكر، فأحضره

ص: 382

السلطان عنده لشرب القمز، وأعد له سما فى ورقة وجعلها إلى جانبه، من غير أن يطلع على ذلك أحدا، وللسلطان هنايات ثلاثة تختص به مع ثلاثة من سقاته، لا يشرب فيها غيره إلا من يكرمه وبناوله أحدها من يده، واتفق قيام الملك القاهر لقضاء الحاجة، فجعل السلطان ما فى الورقة فى هناب وأمسكه بيده، فلما عاد الملك القاهر ناوله اياه فقبل الارض وتناوله وشرب ما فيه. وقام الملك الظاهر لقضاء الحاجة فأخذ الساقى الهناب من يد الملك القاهر وملأه على العادة وهو لا يشعر بما وضعه السلطان فيه، فلما عاد السلطان تناول ذلك الهناب فشرب ما فيه وهو لا يظن أنه الذى جعل فيه ما جعل، فلما شريه أحس واستشعر وعلم أنه قد شرب من ذلك الهناب الذى فيه آثار السم وبقاياه وتخيل وامتد به المرض ومات كما تقدم. وأما الملك القاهر فمات من غد ذلك اليوم. وذكر الأمير عز الدين العلائى أنه بلغة ذلك من مطلع لا يشك فى أخباره، والله تعالى أعلم «1» .

وفيها: قتل الأمير عز الدين أيبك الموصلى الظاهرى، كان نائب السلطنة بحمص ثم نقله السلطان إلى نيابة السلطنة بحصن الأكراد وما معه، وكان ذا صرامة ونهضة وذكاء ومعرفة، وكان يتشيع، قتل غيلة ليلة الأربعاء سابع عشرين شهر رجب.

وفيها: كانت وفاة الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع محيى الدين أبى زكريا يحيى بن شرف الدين بن مرى بن الحسن بن الحسين بن حرام بن محمد النواوى «2»

ص: 383

الشافعى. وكانت وفاته عند أبيه بنوى فى يوم الأربعاء خامس عشر شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة، ومولده بنوى فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، فيكون مدة عمره خمسا «1» وأربعين سنة تقريبا. وكان رحمه الله تعالى كثير الورع والزهد واسع العلم له مصنفات مشهورة مفيدة منها: كتاب الروضة فى الفقه؛ عليه تعتمد الشافعية وبه يحتجون غالبا، وشرح مسلم، ورياض الصالحين، وكتاب الأذكار، وشرح التنبيه، ومات قبل أن يكمله. ولم يكن فى زمانه مثله فى ورعه وزهده، وكان لا يأكل إلا مما يأتيه من جهة أبيه من نوى، فكان يخبز له الخبز بها ويقمرّ ويرسل إليه فيأكل منه، وما كان يجمع بين إدامين، فيأكل إما الدبس أو الخل أو الزيت أو الزبيب، ويأكل اللحم فى كل شهر مرة. وكان يتولى دار الحديث الأشرفية، فيجمع المباشر للوقف جامكيته بها، ثم يستأذنه فيما يفعل بها إذا اجتمعت، فتارة يشترى بها ملكا ويوقفه على المكان، وتارة يشترى بها كتبا ويوقفها ويجعلها فى خزانة المدرسة المذكوره. وكان لا يقبل لأحد هدية، ولا يأكل لأحد من أهل دمشق طعاما ولا غيره، وكان رحمه الله تعالى يواجه السلطان الملك الظاهر بالإفكار عليه فى أفعاله، ويلاطفه السلطان ويحمل جفوة كلامه ويخاطبه يا سيدى، رحمه الله تعالى. وعاش والده الحاج شرف بعده إلى سنة إحدى وثمانين فمات فى سابع عشر صفر، وقيل فى سنة اثنتين وثمانين، ودفن بنوى، رحمه الله تعالى.

ص: 384