الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعشرين ذى الحجة، فوصل إليها فى ثالث عشرين المحرم، وخرج الناس للفائه إلى غزة. ومنهم من وصل إلى الصالحية، وكانت الشفاعة قد قويت بولايته قبل وقوعها.
وفيها: كانت وفاة قاضى القضاة الشيخ شمس الدين أبى عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسى «1» الحنبلى، فى يوم السبت ثانى عشرين المحرم سنة ست وسبعين، ودفن يوم الأحد بتربة عمه الحافظ عبد الغنى. وكان مولده فى يوم الأحد رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق، ولما أفرج عنه بعد القبض عليه كما تقدم، لزم بيته بالمدرسة الصالحية وتوفر على اشتغال الطلبة إلى أن توفى. وكان كريما سمحا كثير العبادة والذكر، وولى أيضا مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
ذكر وفاة الشيخ خضر وشىء من أخباره
«2»
وفى سابع المحرم سنة ست وسبعين وستمائة: كانت وفاة الشيخ خضر ابن أبى بكر بن موسى العدوى المهرانى شيخ الملك الظاهر فى معتقله بقلعة الجبل، ودفن بسفح المقطم.
وقد حكى الشيخ شمس الدين محمد بن مجد الدين إبراهيم الجزرى فى تاريخه، «حوادث الزمان وأنبائه» ، مبدأ أمره، وكيف تنقلت به الحال، فقال:
كان فى مبدأ أمره يخدم الأكابر ببلد الجزيرة، ثم استخدم لشيل زبائل دور
السلطنة والقلعة بجامكية وجراية. ثم ذكر عنه أنه أفسد بعض جوارى الدور، فرسم بخصيه، فهرب إلى حلب، وخدم بابا عند ابن قراطابا فأحبل جارية، فطلب فهرب إلى دمشق، والتجأ إلى الأمير ضياء الدين القيمرى، وأقام بمغارة فى زاويته بجيل المزة، فيقال إنه اجتمع بجماعة من الصالحين وبشروه بما يكون منه ومن السلطان الملك الظاهر. واتفق اجتماع الملك الظاهر به فى مدة مقامه بدمشق فى خدمة الملك الناصر فبشره بالملك. وكان الشيخ خضر قد احتوى على عقل الأمير سيف الدين قشتمر العجمى أحد الأمراء البحرية، فكان يخبره بسلطنة الملك الظاهر قبل وقوعها، ويخبره بأكثر ما وقع، ثم اجتمع به الأمير سيف الدين ايتامش «1» السغدى فأخيره أيضا بخبر الملك الظاهر، ثم كان من سلطنة الملك الظاهر ما قدمناه، وصار هو فى صحبة قشتمر العجمى، وخرج معه عند خروج السلطان إلى الشام بسبب الملك المغيث صاحب الكرك، فلما نزل السلطان على الطور سأل عنه الأمير سيف الدين قشتمر العجمى فأخبره أنه قد انقطع فى مغارة عند قبر أبى هريرة، رضى الله عنه، فتوجه السلطان إليه واجتمع به، فأخبره بوقائع كثيرة لم يخرم «2» ، فاغتبط به ولازمه، وبقى السلطان إذا حاصر بلدا من البلاد الساحلية والجبلية يخبره الشيخ بما يكون من أمره فيها، وبالوقت الذى يفتح فيه، فلا يخرم ذلك. ولما قصد السلطان أن يتوجه إلى الكرك فى سنة خمس وستين وستمائة استشاره فى ذلك فأشار عليه ألا يتوجه إليها فى هذه السفرة، وأن يتوجه إلى الديار المصرية فخالفه وتوجه إليها، فانكسرت فخذه ببركة زيزا قبل وصوله كما قدمنا ذكر ذلك. ولما رأى السلطان ذلك منه عظم عنده وبنى
له زاوية بظاهر القاهرة بالحسينية بجوار أرض الطبالة، ووقف عليها أحكارا بجملة كثيرة، وبالقدس زاوية، وبدمشق زاوية بالمزة، وببعلبك زاوية، وبحماة زاوية، ثم هدم كنيسة اليهود بدمشق، وهى الكنيسة العظمى عندهم، وجعلها زاوية كما تقدم، وهدم كنيسة النصارى بالقدس، وقتل قسيسها بيده وعملها زاوية، وهدم كنيسة الروم بالإسكندرية، وهى كرسى كنائسهم يعقدون فيها البتركية، ويزعمون أن رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فيها «1» ، وهو عندهم يحنا المعمدانى الذى عمد المسيح بن مريم، وجعلها مسجدا وبنى فيها المحاريب وسماها المدرسة الخضراء، وفتح لها شباكا إلى الطريق، ورتب فيها فقراء من جهته، وكذلك فى جميع زواياه: جعل بكل زاوية منها فقراء يقطعون المصانعات ويحمون أرباب الجرائم من اللصوص وغيرهم، ويتعاطون الفسق.
قال: ولقد سأله مرة والدى إبراهيم «2» فقال: «يا أخبى، اشتهى أعرف كيف كان سبب وصلتك إلى هذه المنزلة؟» ، فقال له:«والله لا أقول لك حتى تقول لى الذى تعرف منى» ، فقال له:«أعرفك شيخ نحس، نفوك من الجزيرة ثم من حلب ومن دمشق، وما رأيتك إلا وقد صرت فى هذه المنزلة» ، فقال:«والله العظيم صدقت، وما صدقنى أحد فى الحديث إلا أنت يا أخى، لما هربت من الجزيرة طلعت إلى جبل الجودى، فبقيت احتطب فى كل يوم جرزة «3» حطب أبيعها بدرهم ونصف، فلما كان فى بعض الأيام إذا أنا بفقير عريان ليس عليه لباس، وقد أنبت الله له شعرا على جسده، يستر عورته،
فقال لى: «يا خضر، ايش تعمل؟» ، قلت:«أحتطب» فقال: «تعال غدا إلى هذا المكان وخذ منه جرزتين حطب»
، بع الواحدة لنفسك والأخرى اشترلى بثمنها موسى ومقصا ومشطا،» . فقلت: نعم. فلما كان الغد قصدت ذلك المكان فوجدت به جرزتين حطبا، فبعث إحداهما واشتريت له ما طلب، وبعث الأخرى لنفسى، قلما اجتمعت به قال لى:«اذهب إلى الشام، فسوف يكون لك «2» مع ملكه شأن عظيم» . فقدر الله تعالى أننى سكنت هذه المغارة بالمزة، فحصل لى اجتماع بالسلطان الملك الظاهر لما كان فى خدمة الملك الناصر، وفتح على بأن بشرته بالملك، فلما ملك كان سبب الوصلة بينى وبينه الأمير سيف الدين قشتمر العجمى. قال:«وكان ذلك الفقير قد أخبرنى بجميع ما يقع لى فى عمرى وبجميع ما يقع للسلطان واقعة بعد أخرى» .
قال: قال والدى: وكان فى ذلك الوقت قد حصل لى وجع فى ظهرى، فقلت له: إن ظهرى يؤلمنى فمسح بيده على ظهرى، فسكن الوجع، فقال:
«يا مجد الدين، سكن الوجع أم لا؟» . قال: فقلت: أما الوجع فقد سكن، وأما أننى اعتقد أنك رجل صالح فلا، وانما هذا من جملة السعادة التى حصلت لك. ثم كان من قبض السلطان عليه واعتقاله ما تقدم ذكره، ولم يزل فى اعتقاله إلى أن مات. قال: ولما عاد السلطان من غزاة الروم إلى دمشق كتب باطلاقه فورد البريد بعد وفاته.
وكان واسع الصدر كريم النفس، يعطى الدراهم والذهب الكثير، ويصنع له الطعام فى قدور كبيرة مفرطة فى الكبر، وكانت أحواله غير متناسبة والأقوال
فيه مختلفة، فمن الناس من يثبت صلاحه؛ ومنهم من يرميه بالعظائم، وكان يكتب إلى صاحب حماة وغيره من الأمراء فى أوراقه إليهم: خضر نياك الحمارة، وكتب بذلك إلى قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ورقة، فأغضى عنها، ثم أخرى كذلك، فلما وصلت إليه الورقة الثالثة أحضر رسوله وقال له:«قل له، والله لئن وصل إلى ورقة منه بعد هذه فيها مثل هذا: أحضرته إلى مجلس الحكم وقابلته بما يستحقه بمقتضى ما كتب به خطه» ، فامتنع بعد ذلك من مكاتبته.
ومات وله نيف وخمسون سنة، وكان ربع القامة، كث اللحية، فى لسانه عجمة، سامحه الله وإيانا.
وفيها: كانت وفاة الأمير جمال الدين أقش المحمدى الصالحى «1» بالقاهرة فى ليلة الخميس ثالث عشر ربيع الأول، ودفن من الغد بتربته بالقرافة الصغرى، وقد ناهز سبعين سنة. وكان السلطان قد نقم عليه وحبسه مدة ثم أفرج عنه وأعاده إلى الإمرة، وكان رحمه الله تعالى عديم الشر.
وفيها: توفى الأمير عز الدين أيبك الدمياطى الصالحى النجمى أحد الأمراء الأكابر المقدمين. وكان السلطان الملك الظاهر قد اعتقله كما تقدم ثم أفرج عنه، وكانت وفاته بالقاهرة فى ليلة الأربعاء تاسع شعبان، ودفن بتربته التى أنشأها بين القاهرة ومصر، المجاورة لحوض السبيل المعروف به، وقد ناف على سبعين سنة، وكان كريما جدا، له مروءة تامة، رحمه الله تعالى.
وفيها: توفى الأمير عز الدين أيدمر العلائى، وكان ينوب عن السلطنة بقلعة صفد، فجرى بينه وبين النواب مفاوضة أدت إلى أن طلب الدستور من
السلطان لينهى مصالح، فأذن له فحضر إلى الديار المصرية فأدركته منيته، فتوفى فى ليلة الأربعاء سابع عشر شهر رجب، ودفن فى يوم الأربعاء بالقرافة الصغرى.
وكان عفيفا أمينا محبا للعلماء والفقراء، وهو أخو الأمير علاء الدين أيدكن الصالحى العمادى، رحمه الله تعالى.
وفيها: توفى الأمير شمس الدين بهادر المعروف بابن صاحب صهيون، وكان قد قدم إلى خدمة السلطان الملك الظاهر قبل وفاته بثلاث سنين، فأحسن إليه وأكرمه، وكانت وفاته بالقاهرة فى ليلة الأحد العشرين من شعبان، ودفن من الغد بتربته التى أنشأها خارج باب النصر، وقد ناف على أربعين سنة، رحمه الله تعالى.
وفيها، كانت وفاة الملك القاهر بهاء الدين أبى محمد عبد الملك بن الملك المعظم شرف الدين عيسى بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد ابن أيوب، فجأة فى يوم السبت خامس عشر المحرم من غير مرض، بل كان راكبا بسوق الخيل بدمشق فاشتكى ألما فى فؤاده، فعاد إلى منزل «1» كريمته زوجة الملك الزاهد «2» مجير الدين داود بن صاحب حمص، فأدركته منيته، فمات عند دخوله إليها، وقيل إنه مات فى باب الدار قبل الدخول إليها، ودفن بسفح قاسيون. وكان مولده فى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وكان رحمه الله تعالى رجلا جيدا شجاعا بطلا مقداما، سليم الصدر حسن الأوصاف كريم الأخلاق، لين الكلمة كثير التواضع، حسن الإعتقاد فى الفقراء والصالحين، وكان يلبس
ملابس العرب ويتزيا «1» بزيهم ويركب كمركبهم ويتخلق بأخلاقهم فى كثير من أفعاله، رحمه الله.
وقد حكى الشيخ قطب الدين اليونينى «2» ، نفع الله به، فى تاريخه، فى سبب وفاته، قال: حكى لى تاج الدين نوح بن شيخ السلامية «3» حكاية غربية معناها: أن أن الأمير عز الدين أيدمر العلائى نائب السلطنة بقلعة صفد حدثه بها، قال:
كان السلطان الملك الظاهر مولعا بالنجوم وما يقوله أرباب التقاويم، فأخبر أنه يموت بدمشق فى هذه السنة، سنة سبع وستين وستمائة، بالسم ملك «4» ، فحصل عنده من ذلك أثر كبير. قال: وكان الملك الظاهر عنده حسد شديد لمن يوصف بالشجاعة أو بذكر جميل، ولما دخل «5» الملك القاهر إلى الروم صحبة السلطان ظهر يوم المصاف عن شجاعة، وظهرت نكايته فى العدو حتى تعجب من فعله من شاهده، ورآه الملك الظاهر فتأثر منه، وانضاف إلى ذلك أن السلطان حصل منه فى ذلك اليوم فتور على خلاف عادته، وظهر عليه الندم كونه تورط فى بلاد الروم- بكلمة الملك القاهر فى ذلك الوقت- بكلام فيه إشارة إلى الإنكار وتقبيح فعله، فأثر ذلك عنده أثرا آخر، فلما عاد من غزاته وسمع الناس يلهجون بما فعله الملك القاهر تأثر من ذلك أيضا، وتخيل فى ذهنه أنه إذا سمّه فمات هو الذى ذكره أرباب النجوم لأنه يطلق عليه اسم ملك وله ذكر، فأحضره
السلطان عنده لشرب القمز، وأعد له سما فى ورقة وجعلها إلى جانبه، من غير أن يطلع على ذلك أحدا، وللسلطان هنايات ثلاثة تختص به مع ثلاثة من سقاته، لا يشرب فيها غيره إلا من يكرمه وبناوله أحدها من يده، واتفق قيام الملك القاهر لقضاء الحاجة، فجعل السلطان ما فى الورقة فى هناب وأمسكه بيده، فلما عاد الملك القاهر ناوله اياه فقبل الارض وتناوله وشرب ما فيه. وقام الملك الظاهر لقضاء الحاجة فأخذ الساقى الهناب من يد الملك القاهر وملأه على العادة وهو لا يشعر بما وضعه السلطان فيه، فلما عاد السلطان تناول ذلك الهناب فشرب ما فيه وهو لا يظن أنه الذى جعل فيه ما جعل، فلما شريه أحس واستشعر وعلم أنه قد شرب من ذلك الهناب الذى فيه آثار السم وبقاياه وتخيل وامتد به المرض ومات كما تقدم. وأما الملك القاهر فمات من غد ذلك اليوم. وذكر الأمير عز الدين العلائى أنه بلغة ذلك من مطلع لا يشك فى أخباره، والله تعالى أعلم «1» .
وفيها: قتل الأمير عز الدين أيبك الموصلى الظاهرى، كان نائب السلطنة بحمص ثم نقله السلطان إلى نيابة السلطنة بحصن الأكراد وما معه، وكان ذا صرامة ونهضة وذكاء ومعرفة، وكان يتشيع، قتل غيلة ليلة الأربعاء سابع عشرين شهر رجب.
وفيها: كانت وفاة الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع محيى الدين أبى زكريا يحيى بن شرف الدين بن مرى بن الحسن بن الحسين بن حرام بن محمد النواوى «2»
الشافعى. وكانت وفاته عند أبيه بنوى فى يوم الأربعاء خامس عشر شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة، ومولده بنوى فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، فيكون مدة عمره خمسا «1» وأربعين سنة تقريبا. وكان رحمه الله تعالى كثير الورع والزهد واسع العلم له مصنفات مشهورة مفيدة منها: كتاب الروضة فى الفقه؛ عليه تعتمد الشافعية وبه يحتجون غالبا، وشرح مسلم، ورياض الصالحين، وكتاب الأذكار، وشرح التنبيه، ومات قبل أن يكمله. ولم يكن فى زمانه مثله فى ورعه وزهده، وكان لا يأكل إلا مما يأتيه من جهة أبيه من نوى، فكان يخبز له الخبز بها ويقمرّ ويرسل إليه فيأكل منه، وما كان يجمع بين إدامين، فيأكل إما الدبس أو الخل أو الزيت أو الزبيب، ويأكل اللحم فى كل شهر مرة. وكان يتولى دار الحديث الأشرفية، فيجمع المباشر للوقف جامكيته بها، ثم يستأذنه فيما يفعل بها إذا اجتمعت، فتارة يشترى بها ملكا ويوقفه على المكان، وتارة يشترى بها كتبا ويوقفها ويجعلها فى خزانة المدرسة المذكوره. وكان لا يقبل لأحد هدية، ولا يأكل لأحد من أهل دمشق طعاما ولا غيره، وكان رحمه الله تعالى يواجه السلطان الملك الظاهر بالإفكار عليه فى أفعاله، ويلاطفه السلطان ويحمل جفوة كلامه ويخاطبه يا سيدى، رحمه الله تعالى. وعاش والده الحاج شرف بعده إلى سنة إحدى وثمانين فمات فى سابع عشر صفر، وقيل فى سنة اثنتين وثمانين، ودفن بنوى، رحمه الله تعالى.