الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاوى، ثم سأل الملك حضور الأمير سيف الدين إلى طرابلس فدخلها فى ثامن المحرم فى تجمل كثير من المماليك السلطانية ومماليكه وأجناده، وتلقاه أبناء الملوك بها، واجتمع بالملك وسلم إليه كتاب السلطان، وتقرر على الفرنج القيام بعشرين ألف دينار صورية وعشرين أسيرا من المسلمين.
ذكر غزوة النوبة
«1»
وفى سنة أربع وسبعين وستمائة: كثر تعدى داود متملك النوبة، وحضر إلى قريب أسوان وأحرق سواقى. وكان قبل ذلك قد حضر إلى عيذاب، وفعل الأفعال الشنيعة. وتوجه الأمير علاء الدين الخزندار والى قوص إلى أسوان فلم يدركه وظفر بنائبه الأمير قمر الدين [بقلعة] الدو المسمى صاحب الجبل وجماعة معه، فجهزهم إلى السلطان فوسطوا. وأمر السلطان بتجريد الأمير شمس الدين أقسنقر أستاد الدار، والأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، وصحبتهم جماعة من العسكر ومن أجناد الولايات والعربان بالوجه القبلى. وكان قد حضر ابن أخت ملك النوبة مرمشكد «2» الذى أخذ داود الملك منه. فجهز العسكر المنصور وتوجه [مرمشكد] صحبتهم. فأغار الأمير عز الدين على قلعة الدو وقتل وسبى، وسار الأمير شمس الدين فى أثره يستأصل «3» شأفة من بقى، ونزل الأمير شمس الدين بجزيرة ميكائيل وهى رأس جنادل النوبة، وهى كثيرة الأوعار وفى وسط البحر، فقتلوا وأسروا. وكان نائب قلعة الدو الذى ولى عوض الموسط
قد هرب إلى الجزائر، فأعطى أمانا واستمر على نيابته، وحلف لمرمشكد المتوجه صحبة العسكر ما دام على الطاعة. وخاض الأمير عز الدين فى وسط البحر إلى برج فحاصره وأخذه وقتل به مائتين وخمسين نفرا.
ثم ساق العسكر والتقوا الملك داود، وما زال السيف يعمل فيهم حتى أفناهم وما سلم إلا من ألقى نفسه فى البحر، وهرب داود، وأسر أخوه سنكوا «1» .
وجردّ جماعة من العسكر وساقوا ثلاثة أيام وأمسكوا أم الملك «2» داود وأخته.
وقرروا على الملك مرمشكد المتوجه صحبة العسكر قطيعة فى كل سنة، وعرض على أهل النوبة الإسلام أو القيام بالجزية أو القتل، فاختاروا القيام بالجزية وأن يقوم كل واحد بدينار عينا، وحرقت كنيسة سوس التى كان داود يزعم أنها تحدثه بما يؤديه. وكان داود قد بنى مكانا سماه عيذاب عمره على أكتاف المسلمين [الذين أسرهم من عيذاب وأسوان «3» ] وفيه منازل وكنائس، وميدان صور فيه قتلى المسلمين بعيذاب وأسراهم بأسوان، فمحيت تلك التصاوير منه وخرّب.
وتقرر حمل ما هو مخلف عن الملك داود وأقاربه. وكانت إقامة العسكر بدنقلة سبعة عشر يوما حتى تمهدت البلاد واستنقذت أسرى المسلمين المأسورين من أسوان وعيذاب، وألبس مرمشكد التاج على عادة ملوك النوبة، وأجلس بمكان الملك [داود «4» ] وحلف اليمين العظيمة عندهم على ما تقرر وهى:
«والله، والله والله، وحق الثالوث المقدس، والإنجيل الطاهر، والسيدة الطاهرة العذراء أم النور والمعمورية؛ والأنبياء المرسلين والحواريين والقديسين، والشهداء الأبرار. وألا: أجحد المسيح كما أجحده بودس «1» ، وأقول فيه ما يقول اليهود وأعتقد ما يعتقدونه. وألا: أكون بودس الذى طعن المسيح بالحربة، أننى أخلصت نيتى وطويتى من وقتى هذا وساعتى هذه للسلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس، وأنى أبذل جهدى وطاقتى فى تحصيل مرضاته، وأنى مادمت نائبه لا أقطع ما قرر علىّ فى كل سنة تمضى، وهو ما يفضل من مشاطرة البلاد على ما كان يتحصل لمن تقدم من ملوك النوبة، وأن يكون النصف من المتحصل للسلطان مخلصا من كل حق، والنصف الآخر أرصده لعمارة البلاد وحفظها من عدو يطرقها، وأن يكون علىّ كل سنة: من الأفيلة ثلاثة، ومن الزرافات ثلاث، ومن إنات الفهود خمس، ومن الصهب الجياد مائة، ومن الأبقار الجياد المنتخبة أربعمائة. وإننى أقرر على كل نفر من الرعية الذين تحت يدى فى البلاد من العقلاء البالغين دينارا عينا، وأن تفرد بلاد العلى والحيل خاصا للسلطان. وأنه مهما كان لداود ملك النوبة ولأخيه سنكوا ولأمه وأقاربه، ومن قتل من عسكره بسيوف العساكر المنصورة، أحمله إلى الباب العالى مع من يرصد لذلك. وأننى لا أترك شيئا منه قل ولا جل، ولا أخفيه ولا أمكن أحدا من إخفائه، ومتى خرجت عن جميع ما قررته أو شىء من هذا المذكور أعلاه كله كنت بريئا من الله تعالى، ومن المسيح، ومن السيدة الطاهرة، وأخسر دين النصرانية، وأصلى إلى غير الشرق، وأكفر بالصليب، وأعتقد ما تعقد اليهود.
وإنى لا أترك أحدا من العربان ببلاد النوبة. ومن وجدته منهم أرسلته إلى الباب السلطانى، ومهما سمعت من الأخبار السارة والنافعة طالعت به السلطان فى وقته وساعته، ولا أنفرد بشىء من الأشياء إذا لم يكن مصلحة، وأننى ولّى من والى السلطان وعدو من عاداه، والله على ما نقول وكيل.»
[ثم هذا عهد آخر صادر من أمير بطاعة مرمشكد وبطاعة بيبرس «1» .]
وعاد العسكر وأحضر من النوبة ما نذكر، وهو ما وجد فى كنيسة سوس من الصليان الذهب وغيرها: أربعة آلاف وستمائة وأربعون دينارا ونصف، وأوانى فضيات ثمانية آلاف وستمائة وستون دينارا، والذى أحضر من الرقيق، سبعمائة رأس.