الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ولما فرغ السلطان من هدم يافا رحل عنها فى ثامن عشر رجب، ووصل إلى صفد ثم منها إلى الشقيف.
ذكر فتوح شقيف أرنون
«1»
كان السلطان قد كتب إلى الأمير جمال الدين النجيبى، نائب السلطنة بالشام، بتجهيز العسكر الشامى إلى أن يحضر بريدى يسير قدامهم. ولما خرج إلى الشام فى هذه السفرة توجه البريدى. وكان السلطان قد قرر مع النجيبى أمارة يمسكها البريدى من يده، فوصل البريدى وأمسك الأمارة من يده. فأحضر الأمراء للوقت ورسم لهم باتباع البريدى، فسار بهم إلى بانياس، فأخرج لهم بريدى آخر كتبا مختومة فى بانياس للأمير علم الدين الحصنى والأمير بدر الدين الأتابكى متضمنة منازلتهم للشقيف، وأنهم لا يجذبون قتالا ولا غيره، فما عرف بهم إلا وقد نازلوا الشقيف. وكان جماعة من الفرنج قد توجهوا من الشقيف إلى عكا وصيدا، فنازله «2» العسكر قبل حضورهم «3» ، وسار بعض العسكر إلى جهة صيدا فأسروا وقتلوا. وجهز هذا العسكر أخشاب المجانيق والستائر. ثم جهز السلطان بعد فتوح يافا الأمير بدر الدين بكتوت من عكا «4» بعسكر مصرى فنزلوا على الشقيف.
وتوجه السلطان فوصل إليه يوم الأربعاء تاسع شهر رجب، فأقام منجنيقين ورمى بهما فى اليوم الثانى من وصوله.
واتفق أن الفرنج الذين بالشقيف كانوا سيروا شخصا إلى عكا لما نزل عليها العسكر الشامى يعلمونهم بحالهم ويذكرون لهم عورات الحصن «1» ، فسيروا «2» الجواب.
فلما وصل القاصد وحضر إلى السلطان وأحضر رسالة أخوية أهل عكا إليهم «3» [تتضمن إعلام النواب بالشقيفين أن المسلمين لا يقدرون على أخذ الحصن إن احتفظتم به فجدوا فى أمركم «4» ] . فحصل التحبل فى قراءتها، وعلم منها أسماء المقدمين الذين بالشقيف، فكتبت الأمارات لهم بأسمائهم ورمى بها إلى الحصن بالنشاب. وكتب أحد التراجمة عوض [رسالة] أخوية عكا، وعكس عليهم فيها القضايا. وكان فى الكتاب أن الوزير لا يكون خاطره متغلثا «5» بسبب المصادرة له، ففى ساعة يمكن تعويضه عن ذلك، فعكس ذلك: وقيل للمقدم بالشقيف يحترز من الوزير كليام، ففى قلبه إحنة من مصادرتا له، وأغرى بينهم بهذا القول وما يناسبه. ورميت هذه الكتب فى سهم فحصل «6» الاختلاف بينهم، ووجدوا الأمانات التى كانت كتبت للمقدمين، فأمسكوا جماعة وتوهموا من الوزير.
وكان الفرنج لما تسلموا الشقيف من الملك الصالح إسماعيل، فى سنة ثمان وثلاثين وستمائة، هو وصفد، عمروا إلى جانبه قلعة أخرى، فعجزوا فى هذا
الوقت عن حماية جهتين. فلما كان فى ليلة الأربعاء السادس والعشرين من شهر رجب عمدوا إلى هذه القلعة المستجدة وحرقوا جميع ما بها من غلة وقماش وغيره، وانتقلوا إلى القلعة المستقرة، وأصبح المسلمون وتسلموها، وقدمت المجانيق «1» إلى هذه القلعة فى سابع وعشرين الشهر ورمى بها. وأقام السلطان فى سطح برج من أبراجها بالقرب من العدو، فعرف الفرنج موضعه فرموا حجرا قريبا منه فقتل ثلاثة نفر، ولم ينتقل السلطان عن موضعه. وكان باب هذه القلعة تجاه باب القلعة الأخرى، فعمل السلطان سربا طويلا فى أعلى القلعة نازلا إلى أسفلها وصار يتعلق به ويطلع وينزل وهو لابس عدته.
قال واشتد القتال، فبينما الناس فى ذلك وإذا بالوزير كليام قد خرج مستأمنا، ثم سألوا الأمان على نفوسهم وأنهم يؤخذون أسارى، وسألوا إطلاق الحريم والأطفال، فأجاب السلطان إلى ذلك. وفى يوم الأحد سلخ شهر رجب سنة ست وستين وستمائة، استدعوا الصناجق فرفعت على القلعة. وسير الأمير بدر الدين الخزندار فتسلمها «2» ، وخرج الفرنج إلى الخنادق فقيدوا، وأخرج النساء والأطفال. وجرد الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى «3» صحبتهم فأوصلهم إلى جهة صور، وسلم الرجال إلى العساكر «4» .
قال: وهذا الشقيف من أحصن المعاقل وأحسنها وكان مضرة على بلاد الصبيبة. وكان الملك العادل الكبير قد جدده، وما زال فى يد الإسلام إلى أن سلمه الصالح إسماعيل للفرنج على ما قدمناه.
قال: ولما قدر الله تعالى فتح الشقيف، انفق [السلطان] فى جميع العساكر وخلع على الملوك الذين فى خدمته، مثل: الملك المنصور صاحب حماة وأخيه، وأولاد صاحب الموصل، والملك الأمجد بن العادل، وغيرهم من أولاد الملوك، وعلى الأمراء والمقدمين، ومن جرت عادتهم بالخلع. وشرع السلطان فى هدم القلعة المستجدة فهدمت إلى الأرض ورتب الأمير صارم الدين قايماز الظافرى «1» نائبا لهذه القلعة، ورتب فيها الأجناد والرجالة، ورتب بها قاضيا وخطيبا «2» ، وأقيمت شعائر الإسلام بهذه القلعة وجميع تلك البلاد، وولى الأمير سيف الدين بلبان الزينى عمارتها، وكان قد خرج منها جماعة من المسلمين حالة الحصار فكتب لهم السلطان فدنا وقفا عليهم.
ذكر توجه السلطان إلى طرابلس «3» وإغارته عليها
كان بيمند صاحب طرابلس قد كثر تعديه على بلاد الإسلام، وأخذ البلاد المجاورة له بعد زوال الأيام الناصرية واستيلاء التتار على الشام، وكان من أكبر أعوان التتار. فلما رحل السلطان من الشقيف نزل قريبا من جسر بانياس، وجهز الأثقال إلى دمشق وجرد الأمير عز الدين إيغان بجماعة توجهوا من جهة، والأمير بدر الدين الأيدمرى بجماعة من جهة أحرى، فحفظت الطرقات