الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جراحة فى رجله فجهز إليه الأدوية واهتم بأمره اهتماما عظيما، وكان وصوله إلى القاهرة فى ثانى ذى الحجة سنة ستين وستمائة، فركب السلطان لتلقيه وحمل إليه من الأموال والأقمشة والخلع والخيول وآلات البيوتات ما لا يكون مثله إلا لملك. ولم يترك شيئا مما يحتاجه الأمراء إلا سيره إليه. وكتب له منشورا بستين فارسا، وأعطاه طبلخاناه، وأمر من صحبه من الأمراء. وأعطى كل واحد منهم يحسب حاله. قال: ولما استقر أرسل إلى السلطان يسأله زيادة فى الشام «1» أو فى نابلس أو بلاد الصلت أو بعلبك أو حران، وينزل عن البيرة، ويقول: إن قدرته تعجز عن حفظها، فشكره السلطان ولم يقبل البيرة منه. وقال:
«أنا أرجو لك الزيادة» وصار السلطان يقربه فيسايره إذا ركب، ويستشيره إذا جلس، ويساهمه فى كل شىء حتى فيما يكون بين يديه من الطرف، ولازمه حتى لم يفارقه صيد ولا غيره، ثم جدد السؤال فى قبول البيرة، فقبلها السلطان منه وأعطاه الرها وغيرها، وأمر مماليكه. وسافر فى صحبة السلطان إلى الطور ثم قبض عليه لاسباب نذكرها، إن شاء الله تعالى.
ذكر القبض على علاء الدين طيبرس الوزيرى نائب السلطنة بالشام
«2»
وفى سنة ستين وستمائة، بلغ السلطان عن الأمير الحاج علاء الدين طيبرس الوزيرى النائب بدمشق أمور أنكرها عليه، فسير الأمير عز الدين الدمياطى، والأمير علاء الدين أيدغدى الحاج الركنى فتوجها من الديار المصرية فى شوال،
ودخلا إلى دمشق فى ثالث ذى القعدة. فلما خرج اليهما ليتلقاهما ووصل إلى الأمير عز الدين الدمياطى أهوى ليكارشه على ما جرت العادة به فى السلام، فقبض الدمياطى بيده على عضد طيبرس وبيده الأخرى على سيفه، وأنزل عن فرسه وركبوه بغلا، وقيد وأرسل إلى السلطان ووقعت الحوطة على أمواله وحواصله بدمشق، وكان قد سير جملة منها مع العرب، وكان طيبرس قد أساء السيرة فى أهل دمشق، وضيق عليهم، وتسلم الأمير علاء الدين الركنى دمشق ينظر فيها إلى حين حضور نائب مستقل.
ومن عجيب ما وقع فى القبض عليه ما حكاه شمس الدين الجزرى فى تاريخه عن الرشيد فرج الله كاتب البيرتات بدمشق، قال: لما وصل الأمراء الذين قبضوا على طيبرس إلى الكسوة طلبنى وقال: جهز سماطا جيدا لهؤلاء الأمراء، وأحضره أنت بنفسك واحترز عليه، فأنا لا أحضره. قلت: لأى سبب يتأخر مولانا عنه؟ فأسر إلى وقال: إن هؤلاء جاءوا ليقبضوا على قبل دخولهم إلى دمشق.
فقلت: يكفيك الله، وبكيت. فقال: هذا أمر لا بد منه، فأبصر أنت كيف تكون. فخرجت من عنده، وجهزت السماط كما رسم، وكان من قبض ما تقدم قال الرشيد: فدخلت يوما على الأمير علاء الدين الركنى وهو يحكم بدمشق، فسألنى عن أشياء تتعلق بالديوان والسماط إلى أن ذكر الأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى وأثنى عليه خيرا، فوجدت مجالا للكلام، فذكرت له هذه الحكاية.
فقال لى: أنا أحكى لك أعجب من هذا: بينا أنا فى دارى بالقاهرة فى وقت القابلة وإذا برسل السلطان تستدعينى إليه، فما شككت حين طلبنى فى غير الوقت المعتاد أنه يقبض على. فأوصيت استادارى بما يعتمده، وودعت أهلى، وركبت إلى القلعة، فوافيت الأمير عز الدين الدمياطى وقد طلب كما طلبت، فتحققنا