الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحوطة على موجوده. وأعاد القاضى إلى الإعتقال فاستمر به إلى أن أفرج عنه فى النصف من شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، [ولم يول السلطان بعده قضاء الحنابلة أحدا]«1»
ذكر توجه السلطان إلى الصيد ثم إلى الشام
«2»
قال: ولما عاد السلطان من الجيزية، أقام بقلعة الجبل إلى شهر رجب من هذه السنة، وخرج متصيدا إلى جهة الصالحية، فبلغه حركة التتار فرجع إلى القلعة وتجهز.
وخرج إلى الشام فى ثالث شعبان من السنة، ونزل بمرج قيسارية وحصلت الهدنة مع الفرنج «3» .
ونزل السلطان بمنزلة الروحاء وعيّد بها عيد الفطر، ورحل منها فى ثانى شوال إلى خربة اللصوص، ثم توجه إلى دمشق.
ووردت رسل التتار، وهم رسل صمغار مقدم عسكر التتار بالروم، ورسل البرواناه، فحضروا بين يدى السلطان وسمع مشافهتهم، وتضمن الكتاب الذى على أيديهم الرغبة فى الصلح وطلب رسل من السلطان. فجهز إليهم الأمير مبارز الدين الطورى أمير طير، والأمير فخر الدين المقرى الحاجب، فتوجها هما
والرسل فى نصف شوال سنة سبعين، واجتمعا بصمغار، بين سيواس والجسر، فأكرمهم وأوصلوه ما كان معهم من الهدية، وهى: قسى تسعة، دبابيس تسعة. واعتذروا عن قلتها كونهم حضروا على خيل البريد. وفى اليوم الثانى اجتمعا بالبرواناه واعطياه قماشا فاخرا كان السلطان قد سيره إليه خفية، وسير معهما هدية لأبغا بن هولاكو، وهى جوشن ريش قنفد، وخوذه كذلك، وسيف، وقوس، ودركاش «1» ، وتسع فردات نشابا، وتوجهوا صحبة البرواناه إلى الأردو، وأوصلوا إلى أبغا هديته. وقال له الأمير مبارز الدين الطورى:
«السلطان يسلم عليك ويقول: إن رسل منكوتمر وردوا إليه مرارا، أن السلطان يركب من جهته. ويركب الملك منكوتمر من جهته، وأين وصلت خيل سلطاننا كان له، وأين وصلت خيل منكوتمر كان له» فانزعج أبغا انزعاجا عظيما، وقام وركب وخرجت الرسل إلى خيامهم، ثم طلب أمراءه للشورة «2» ، وبعد ذلك خلع على الرسل وأذن لهم فى السفر فعادوا.
وأما السلطان فإنه أقام بدمشق حتى ضحى بها، وأحسن إلى صاحب حماة، وأمر بجلوسه معه بطراحة ومسند وكرسى فى رأس السياط مسامتا للسلطان.
ثم توجه بعد ذلك إلى حصنى الأكراد وعكار «3» وشاهد العمارة بهما، وعمل بيده، وخلع على من بحصن الأكراد من الأمراء وأرباب الوظائف.
وعاد فتصيّد فى الطريق وخلع مقدار خمسمائة تشريف على من أحضر صيدا، ورجع إلى دمشق فدخلها فى خامس المحرم سنة إحدى وسبعين.
وفى سنة سبعين وستمائة: كانت وفاة الملك الأمجد أبى الحسن بن الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم شرف الدين عيسى بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيوب «1» ، رحمهم الله تعالى، بدمشق فجأة فى يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون وله من العمر ما ينيف على خمسين سنة تقريبا. وكان من الفضلاء، وله مشاركة فى العلوم ومعرفة بالأدب، وتنقلت به الأحوال فى عمره، وصحب الفقراء والمشايخ، وانتفع بهم وأخذ عنهم. وكان كثير البرّ لمن يصحبه من المشايخ. وكانت همته عالية ونفسه ملوكية، وله صبر على المكاره. وكان جميع أهل بيته يعظمونه ويعترفون له بالتقدمة، حتى هم أبيه الملك الأمجد تقى الدين الذى قدمنا ذكر وفاته. وكان حسن الخط والترسل، وكان واسطة عقد هذا البيت. فإن أمه ابنة الملك الأمجد مجد الدين حسن بن السلطان الملك العادل الكبير، تسمى باسم جده.
وإلى جده لأمه المذكور ابن الملك العادل ينسب الغور الأمجدى وهو الخميلة، والنويعمة «2» ، ودامية، والحمام، وورثة أولاد الملك الناصر عن أمهم. وتزوج الملك الأمجد هذا ابن الملك الناصر داود، ابنة الملك العزيز غياث الدين بن الملك الظاهر أخت الملك الناصر صاحب الشام وأولدها ولدا سماه صلاح الدين محمود.
وفيها: توفى الصدر الكبير وجيه الدين أبو عبد الله محمد بن على بن سويد بن معالى بن محمد بن أبى بكر الربعى التغلبى التكريتى التاجر «3» المشهور بسعة المال والثروة
والجاه ونفوذ الكلمة، [بلغ] مالم يبلغه أحد من أمثاله. وكانت كتبه تنفذ عند سائر الملوك، حتى عند ملوك الفرنج بالساحل. وكانت النجابون تأتيه من بغداد إلى دمشق فى مهمات تتعلق بالخلافة. وكانت متاجره لا يتعرض إليها.
وكان خصيصا بالملك الناصر صاحب الشام لا يخرج عن إشارته ورأيه.
وانبسطت يده فى دولته. وكان عنده فضة كثيرة، مراود وجسرا «1» ، فاستأذن الملك الناصر على ضربها دراهم فأذن له، وجعل دار الضرب بدمشق بيده، فضرب منها شيئا كثيرا، وكانت مغشوشة، فخسر الناس فيها أموالهم. ولما ملك هولاكو البلاد وصل إليه فرسان من جهتة يتضمن تأمينه على نفسه وماله فما وثق به. وفارق دمشق إلى الديار المصرية. وغرم جملة مقارب ألف ألف درهم بسبب الدراهم المغشوشة وغيرها. ثم تمكن فى الدولة الظاهرية تمكنا كبيرا، ووكله السلطان الملك الظاهر، وجعله وصيّه على أولاده من بعده وناظر أوقافه، وخوطب فى مكاتباته بالمجلس السامى المولوى. وكان مع تمكنه من الملك الناصر لا يكتب له عنه إلا الصدر الأجل. وكان سبب تمكنه من السلطان الملك الظاهر ما حكاه شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبى بكر الجزرى فى تاريخه عن والده، رحمه الله تعالى، قال: كنت عند وجيه الدين فى داره فى أيام الملك الناصر، وقد جاء إليه الملك الظاهر وهو يومئذ فى خدمة الملك الناصر من أمرائه، وشكى إليه ضعف إقطاعه، وأنه قد ركبه دين كثير، وليس عنده كسوة لصغاره، وسأله أن يتحدث له مع الملك الناصر، وكان قد وصل إلى وجيه الدين فى تلك الساعة من عكا جوخ سقلاط وغيره، فأعطاه منه كفاية
عشرة أقبية، وخرق كتان فرنجى مائتى دراع، وخمس تقاطيع سكندرى، وتفصيلتين حرير، وألف درهم. وقال له:«ياخوند «1» مهما كان لك من حاجة أو خدمة أطلب ذلك منى، ولا حاجة بقول السلطان» . قال: والله لقد رأيت الملك الظاهر وقد أهوى إلى أقدام وجيه الدين ليقبلها، فرعى له السلطان الملك الظاهر حق هذا الإحسان. وملك وجيه الدين المذكور عدة من ضياع دمشق وأملاكها. وكان مع ذلك كله فيما حكى عنه شحيحا على طعامه، لكنه كان يتكرم بماله. وكانت وفاته بدمشق فى ليلة الجمعة التاسع والعشرين من شوال سنة سبعين وستمائة. ومولده بتكريت فى ذى القعده سنة تسع وستمائة، رحمه الله تعالى.