الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدر الأيدمرى والأمير بدر الدين يسرى «1» إلى جهة القرين «2» ، وجرد الأمير فخر الدين الحمصى إلى جبل عاملة «3» ، فأغارت العساكر [على الفرنج «4» ] من كل جهة، وحاصر الأمراء القرين، وأخذت قلعة بالقرب من عكا، وتوالت المكاسب حتى لم يوجد من يشترى الأبقار والجواميس لكثرتها.
ذكر فتوح صفد
«5»
كان السلطان، قبيل توجهه إلى عكا، قد رسم للأمير علاء الدين أيدكين الشهابى أحد الأمراء بالشام ولجماعة من العسكر أن يتوجهوا إلى بلاد الفرنج، ولم يعلم إلى أى جهة. ثم كتب كتابا وأمره أن لا يقرأه إلا إذا ركب هو والعساكر، وكان مضمونه أن يتوجه إلى صفد، ويتوجه الأمير فخر الدين الفايزى إلى الشقيف. فتوجه الأمير علاء الدين إليها وأحاط بها إحاطة حافظ لا مقاتل، ثم جرد الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح ومعه دهليز «6»
إلى صفد، ثم حضر إليها الأمير علاء الدين البندقدار والأمير عز الدين إيغان الركنى بعد إغارتهم على صور فنزلوا إليها وضايقوها، وأقام السلطان على عكا.
ثم حضرت عساكر الغارات، وعمل [السلطان «1» ] عدة مجانيق وفرقها على الأمراء ليحملوها، ثم رحل والعساكر لابسة وساق إلى قريب باب عكا ووقف على تل الفضول، ثم دخل إلى عين جالوت، وكان الأمير سيف الدين الزينى قد توجه إلى دمشق لإحضار المجانيق، فأحضرها وحملت على الرقاب، وسار السلطان ونزل على صفد فى يوم الاثنين ثامن شهر رمضان سنة أربع وستين وستمائة.
وأنفق السلطان فى العساكر، وأتفق أن الناس تناوشوا القتال فساق الأمير عز الدين خاص ترك الظاهرى وحمل وواصل «2» الطعن، فتقدم الحجارون وأخذوا فى النقوب ورمى الزراقون «3» بالنفط فاحترق الباب. وأنعم السلطان على خاص ترك بعشرة آلاف درهم وفرس وجوشن «4» وخلعة. ثم أقيمت المجانيق ورمت فى سادس وعشرين الشهر، وكان وصولها فى الحادى والعشرين منه، ولما وصلت إلى جسر يعقوب «5» عجز الجمال عن نقلها، فندب السلطان الأمراء والجند وسائر الناس لحملها على الرقاب، وخرج [السلطان «6» ] بنفسه وخواصه وجر أخشابها بيده.
ووصلت العساكر التى كانت فى الغارة ببلاد طرابلس، واستمر الحصار وشرع الناس فى الزحف فى شوال، وأمر السلطان بتحريك الطلبخاناه فى نصف الليل،
وركب وهجم خندق الباشورة، فقاتل الفرنج قتالا شديدا، وأبلى المؤمنون بلاء حسنا واستشهد جماعة من المجاهدين، وصار الإنسان يرى رفيقه قد قتل فيجره ويقف مكانه، وتكاثرت النقوب ودخلت «1» النقابون إليها، وأعطاهم السلطان ثلاثمائة دينار، وصار كل من عمل شيئا جزاه السلطان لوقته عنه بالخلع والمال.
وفى أثناء ذلك نظر السلطان إلى الناس وقد تعبوا فى وقت القائلة من القتال، وتفرق بعضهم وهو راكب ملازم، فأمر خواصه بالسّوق إلى الصواوين وإقامة الأمراء والجند منها بالدبابيس، وسبّ الأمراء. وقال:«المسلمون على هذه الصورة وأنتم تستريحون» ورسم بأمساك الأمراء وكانوا نيفا وأربعين أميرا فقيدهم ونقلهم إلى الزردخاناه «2» ، فوقعت الشفاعة فيهم فأطلقهم وأمرهم بملازمة مواضعهم.
ووسعت النقوب وشرطت الأسوار، فحرق الفرنج الستائر التى كانت على الباشورة ليحموها «3» من التسلق «4» . فأمر السلطان بضرب الطبلخاناه، وقام كل أحد إلى جهته، فضرب المسلمون سكك الخيل «5» فى سفح الباشورة، فما أصبح الصبح إلا والصناجق على أسوار الباشورة من كل جهة، وأندفع الفرنج إلى القلعة وسلموا الباشورة فى يوم الثلاثاء نصف شوال. وفى هذا اليوم أخذت النقوب فى
برج اليتيم «1» وغيره من أبراج القلعة. فعند ذلك أتت رسل الفرنج إلى السلطان يسألون الأمان، فاشترط عليهم ألا يستصحبوا «2» سلاحا ولا لامة حرب ولا شيئا من الفضيات، ولا يتلفوا «3» ذخائر القلعة بنار ولا هدم، فعادوا لأصحابهم على ذلك.
وبقى السلطان يعطى الأمانات من المرامى ويسير المناديل، وتقرر مع جماعة أنهم يفتحون الأبواب. فتسامع الفرنج بذلك، ووقع بينهم الاختلاف، وحضر خمسة عشر نفرا من القلعة منفردين «4» فى وقت واحد فخلع عليهم، ونودى فى العسكر بأن لا يرموا أحدا من الفرنج غير الديوية. فأمسك الفرنج من تلك الساعة عن القتال، وردوا الأمان وقالوا:«ما ندخل فى شرط» ، ورمى الرسل الخلع والمال المنعم عليهم من الأسوار. ثم أيقنوا بالهلاك، فسيروا رسلهم فى يوم الجمعة ثامن عشر الشهر يطلبون ما كانوا طلبوه أولا، فامتنع السلطان من ذلك. فأخذ الأتابك منديل جمال الدين أقش القليجى مقدم الجمدارية «5» وأعطاه لهم على أنهم لا يخرجون شيئا «6» مما ذكرناه. فتوجه الرسل وصاح الفرنج بعد صلاة الجمعة:«يا مسلمين! الأمان» وفتحت أبواب القلعة وقت العصر، وطلعت الصناجق. ووقف السلطان راكبا على باب صفد، ونزل الفرنج أولا فأولا وصاروا جميعهم بين يديه، وأخرجوا معهم الأسلحة والفضيات «7» وأخفوها فى قماشهم «8» ، وأخذوا جماعة من أسرى
المسلمين وصغارهم على أنهم نصارى. فلم يخف الله ذلك، ورسم بتفتيشهم فوجد ذلك معهم فأخذ منهم، وأنزلوا عن خيولهم، وجعلوا فى خيمة، وقد حصل منهم ما ينقض العهد أن لو كان، فكيف ولم يكن حقيقة. وأمر السلطان بضرب أعناقهم، فضربت رقابهم على تل بالقرب من صفد كانوا يضربون رقاب المسلمين فيه. ولم يسلم منهم غير نفرين، أحدهما الرسول بحكم أن السلطان كان قد شرب قمزا فى النقب وخرج إليه الرسول فسقاه منه، فعفا السلطان عنه وخيّره فى التوجه إلى قومه او الإقامة عنده، فاختار المقام فى خدمة السلطان وأسلم «1» ، فأعطاه السلطان إقطاعا، وأما الآخر فإن الأتابك «2» شفع فيه قأطلقه السلطان. ودخل السلطان القلعة وفرق على الأمراء ما فيها من العدد الفرنجية والجوارى والمماليك، واستناب فى القلعة الأمير عز الدين العلائى، وولى الأمير مجد الدين الطورى ومقدم العسكر الأمير علاء الدين أيدغدى السلاح دار، ونقلت إليها الزردخاناه التى كانت صحبة السلطان، وصار يحمل النشاب على كتفه، فنقلت فى أسرع وقت، وطلب لها الرجال من دمشق، وتقررت نفقة رجالها فى كل شهر ثمانين ألف درهم. واستخدم على جميع بلادها الأمراء، وعمل بها جامع بالقلعة وجامع فى الربض، ووقف على الشيخ على المجنون نصف وربع الحفاف «3»